ارتفعت أسعار النفط خلال الأسبوع الماضي بحدة حتى بلغ سعر برميل النفط من نوع "برنت" أكثر من 84 دولارا للبرميل.
وربما لا يكون هذا المستوى من الأسعار هو الحد الأقصى لسعر النفط خلال الأشهر المقبلة، مع استمرار تعافي الطلب العالمي وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بشكل قياسي، ما يحفز على المزيد من الطلب على المنتجات النفطية لتوليد الكهرباء وللتدفئة بديلا للغاز.
ورغم أنه لا يزال هناك بعض القلق من انتشار المتحور دلتا من فيروس كورونا في العديد من البلدان وارتفاع معدلات الإصابة بالجائحة، فإن الحركة في الاقتصادات المتقدمة تقلل الفجوة بين مستويات الطلب في عام 2019 ومستويات التلقيح الأعلى والتعافي الاقتصادي القوي في هذه البلدان.
ورغم أن الاقتصادات النامية في جنوب وجنوب شرق آسيا لا تزال تفرض بين الحين والآخر عمليات إغلاق للأنشطة الاقتصادية، استمر الطلب العالمي على النفط في النمو، ومن المنتظر أن يبلغ مستوى الطلب مستويات ما قبل انتشار الجائحة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
لذا بات الاعتقاد العام هو أن عام 2019 لا يمثل عام الذروة في الطلب على النفط، كما كان يتوقع بعض المحللين خلال النصف الأول من عام 2020 عندما كان معظم العالم يعيش حالة إغلاق.
أضف إلى ذلك أن الارتفاع الحاد في أسعار الغاز الطبيعي وأسعار الكهرباء قد حفز الطلب بشكل عام على مواد الطاقة، مع زيادة في الطلب على منتجات النفط لتحل محل الغاز الطبيعي، خاصة في بعض أجزاء آسيا.
وخلال يوم الجمعة قبل الماضي كسر سعر برميل النفط من نوع "غرب تكساس المتوسط" حاجز 80 دولارا لأول مرة منذ عام 2014، مع سعي العالم للحصول على مصادر الطاقة من أجل الشتاء.
ومع يوم الاثنين، استمر الصعود في الأسعار حتى بلغ سعر برميل نفط "غرب تكساس المتوسط" 82 دولارا، وسعر برميل نفط "برنت الخام" 84 دولارا.
ولا يعد ارتفاع الأسعار نتيجة فقط لأزمة عرض الطاقة في أوروبا وآسيا، حيث إن الطلب العالمي استمر في التعافي بوتيرة معقولة، رغم استمرار الجائحة.
وكما يرى بعض المحللين، فلا تزال الجائحة عاملا بين العوامل المهمة، التي تؤثر على السوق العالمية للنفط، ولكن أثرها على الاقتصاد العالمي والطلب على الطاقة يتلاشى، وبات هؤلاء يتوقعون -رغم التباين بين بلدان العالم في الطلب على النفط- وصول مستوى الطلب عليه إلى مستويات ما قبل الجائحة قريبا.
ومن المنتظر أن ينمو مستوى الطلب على النفط خلال الربع الحالي من 2021 ليبلغ نحو 99 مليون برميل يوميا، ارتفاعا من 97 مليون برميل يوميا خلال الربع الثالث من العام، حينما ارتفع الطلب العالمي بمقدار 6% مقارنة بالربع الثالث من 2020.
وقد تعافى الطلب على النفط من مستوياته، التي سجلها خلال فصل الصيف، بشكل أسرع مما توقع بعض المراقبين.
ثم أتى الارتفاع الكبير في أسعار الغاز الطبيعي والفحم في أوروبا وآسيا ليدفع نحو التحول من الغاز إلى النفط في معامل توليد الكهرباء، ما دفع أكثر بالطلب على النفط إلى الارتفاع.
ويرى العديد من المحللين والشركات النفطية الكبرى أن مستوى الطلب على النفط سيعود إلى مستويات ما قبل الجائحة عند بدايات العام المقبل، إن لم يكن في نهاية العام الحالي.
ويقف الطلب على النفط في الولايات المتحدة في صدارة التعافي، حيث بلغ خلال الصيف مستواه القياسي السابق، البالغ 21 مليون برميل يوميا، بحسب مؤسسة "وود ماكنزي".
وتبين بيانات الحركة على الطريق أنه بينما ازداد معدل الإصابات بكوفيد-19 نتيجة للمتحور دلتا، فقد استمر المستهلكون في قيادة السيارات.
ومن المحتمل أن تؤدي زيادة نسبة الحاصلين على اللقاح في الاقتصادات النامية في آسيا إلى تخفيف الضغوط على الإغلاقات المتقطعة، التي تحدث في الإقليم.
ومن المنتظر أن تتجه البلدان، التي نرى حاليا مستوى تعافي الطلب فيها أبطأ من الولايات المتحدة، إلى اللحاق بها، إذ يبين الارتداد في طلب البلدان مرتفعة الدخل، التي لديها معدلات تلقيح مرتفعة، الطريق الذي ستسير عليه البلدان الأخرى مع تقدم الوقت.
ومع استمرار التعافي في الطلب، يضع جانب العرض أيضا ضغوطا على أسعار النفط، بعد أن قرر تحالف "أوبك+"، الأسبوع قبل الماضي، الإبقاء على خططه في زيادة الإنتاج دون تغيير، رغم نداءات بزيادة العرض من قبل البلدان المستهلكة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد قرر التحالف زيادة العرض خلال شهر نوفمبر كما كان مقررا بمقدار 400 ألف برميل يوميا.
ورغم أن البعض كان يقترح أنه يمكن للتحالف رفع الإنتاج خلال شهر نوفمبر بمقدار 800 ألف برميل ثم عدم زيادة مستوى الإنتاج خلال شهر ديسمبر، فإن البعض الآخر كان يرى أن ارتفاع مستوى العرض بهذه الطريقة ستكون له آثار قصيرة المدى فقط، وستعاود الأسعار ارتفاعها.
ويعد تقييد العرض ناتجا أيضا عن بعض المشكلات، التي تتعرض لها بعض الدول المنتجة، فبينما رفعت السعودية والإمارات مستوى صادراتهما معا بنحو 1.9 مليون برميل يوميا خلال الثلاثة أشهر الماضية، يونيو ويوليو وسبتمبر، سجل عدد آخر من المنتجين في المجموعة انخفاضا في الصادرات منذ بداية العام.
والإشارة هنا ليست فقط لدول مثل فنزويلا، ولكن إلى دول أخرى مثل أنجولا ونيجيريا، التي لا تستطيع إنتاج كامل حصتها الإنتاجية المتفق عليها.
ويرى بعض المحللين وبعض مسؤولي "أوبك" أن بعض اللوم في الموقف الحالي ينبغي أن يمتد إلى الدول المستهلكة ذاتها، فالاندفاع نحو خطط توليد الطاقة اعتمادا على المصادر المتجددة، خاصة الرياح والشمس، ثبت أنه لا يمكن الاعتماد عليه تماما لأن هذه المصادر تتوقف على الأحوال المناخية، ويكفي للدلالة على ذلك انخفاض توليد الطاقة من الرياح مع انخفاض مستوى قوة الرياح في أوروبا خلال الأشهر الماضية.
كما أن الاندفاع نحو خطط خفض الانبعاثات من الكربون، حتى بالنسبة لشركات النفط الكبرى، أدى إلى نقص شديد في استثمارات النفط والغاز، وهو ما يعد مسؤولا إلى حد ما عن الموقف الراهن في الأسواق، خاصة في العرض من الغاز الطبيعي.
وقد عمل التقييد الساري في سوق النفط وأسواق مواد الطاقة الأخرى على تنشيط المضاربات بشأن مستوى الارتفاع، الذي قد تذهب إليه أسعار النفط، وفيما إذا كانت ستبلغ مستوى 100 دولار للبرميل، خاصة إذا أتى هذا الشتاء قارسا.
وبينما كان يُنظر إلى مستوى 80 دولارا كسعر لبرميل النفط على أنه مستوى بالغ الارتفاع قد يدفع نحو انخفاض الطلب مع تقييد أسواق الغاز الطبيعي والفحم عالميا، فإن مستوى الأسعار، الذي قد يدفع نحو انخفاض الطلب قد يكون خلال هذا الشتاء أعلى بكثير من مستوى 80 دولارا للبرميل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة