قصة سقوط أكبر ماكينة غسل أموال في العالم.. قيمتها 20 مليار يورو وفكرت بالاستحواذ على أكبر بنك ألماني لتخفي الجريمة
شهدت ألمانيا سقوط أكبر ماكينة غسل أموال في العالم، في أكبر فضيحة احتيال تشهدها ألمانيا في فترة ما بعد الحرب، خلال عام 2020 قبل الماضي.
والأزمة شهدت في أعقابها تحقيقا مع كبار رموز الحكومة الألمانية، ومن ضمنهم المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، ووزير المالية الألماني السابق أولا سكولز، اللذان قدما شهادتهما في هذا الشأن في أبريل/نيسان من عام 2021 الماضي.
التسلسل الزمني لصعود وسقوط Wirecard
وسردت وكالة أنباء رويترز، قصة ظهور ثم انهيار شركة Wirecard، المسئولة عن هذه الفضيحة المالية، في تسلسل زمني كما يلي:
الأمر بدأ في عام 1999، وهو كان عام تأسيس الشركة في مدينة ميونخ، وفي عام 2002، تولى "ماركو بارون" منصب المدير التنفيذي للشركة.
وفي عام 2005، ذكرت رويترز أنه من ضمن الأحداث الحيوية التي أثرت على مسيرة الشركة، التي آلت في النهاية إلى سقوطها، أنه تم تسجيل الشركة في سوق فرانكفورت للأوراق المالية.
ثم في 2006، شهدت الشركة عملية الدمج مع بنك Wirecard Bank AG، وفي 2007 تم تأسيس فرع الشركة في قارة آسيا تحت مسمى Wirecard Asia Pacific.
وضمن ترتيب الأحداث زمنيا، ذكرت رويترز أنه في عام 2010 تولى "جان مارسالك" منصب الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة Wirecard.
وبداية من عام 2016 تظهر التقارير التي تسلط الضوء على عمليات الاحتيال بالشركة، حين طرح تقرير سلبي من جانب شركة Zatarra Research البحثية يفيد بوجود نشاط احتيالي في الشركة، ويقول إن كبار المسؤولين التنفيذيين ارتكبوا جرائم غسل أموال بالإضافة لقيامهم بعمليات احتيال على شركات كروت الائتمان ماستر كارد وفيزا.
بعد ذلك في عام 2018، انضمت الشركة لمؤشر سوق DAX، هذا التحرك جعلها من ضمن أعلى 30 شركة من حيث القيمة في ألمانيا، والمدرج أسماؤهم في سوق العملات بفرانكفورت.
بداية الانهيار
تسلسل الأحداث في 2019
في 2019 وتحديدا بداية من يناير/كانون الثاني لهذا العام، أعلنت شركة Wirecard نفيها القاطع لتقرير أصدرته صحيفة فاينانشيال تايمز، يفيد بأن مسؤولا تنفيذيا بالشركة استخدم عقودا مزورة، ومؤرخة بأثر رجعي، في سلسلة من المعاملات المشبوهة التي أثارت تساؤلات حول نزاهة الممارسة المحاسبية للشركة.
في 19 فبراير/شباط من عام 2019، هيئة الرقابة المالية الفيدرالية في ألمانيا BaFin، أبلغت وزارة المالية أنها وجهت بإجراء تحقيقات بشأن المعاملات المحاسبية الخاصة بشركة Wirecard، وأنها حظرت عمليات البيع قصيرة المدى لأسهم الشركة.
في 28 مارس/آذار من عام 2019، حركت الشركة دعوى قضائية ضد صحيفة فاينانشيال تايمز، بناء على سلسلة من التقارير الاستقصائية التي أطلقتها الصحيفة، وأدعت الشركة أن الصحيفة استخدمتها لصالحها بتحريفها على الرغم من كونها تعتبر أسرار تجارية.
في 21 أكتوبر/تشرين الأول، من عام 2019، استأجرت الشركة محاسبين قانونيين ومستشارين، لإجراء تدقيق مستقل للرد على مزاعم فاينانشيال تايمز، التي أدعت من خلالها أن فريقها المالي قد سعى لتضخيم المبيعات والأرباح المبلغ عنها.
وفي الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، أعلنت شركة Wirecard عزمها للاستحواذ على الشركة الصينية Allscore.
تسلسل الأحداث في عام 2020
بعد ذلك، شهد عام 2020 أحداث زمنية حاسمة نتج عنها في النهاية سقوط الشركة، وقد ذكرت رويترز أن ما أدى لهذا الانهيار، التسلسل الزمني الآتي، الذي بدأ من يوم 28 أبريل/نيسان من عام 2020.
في هذا اليوم من شهر أبريل/نيسان، أجري تحقيق مستقل بمعرفة المستشارين القانونيين المستقلين، ونتج عن هذا التحقيق، إفادة بأن شركة Wirecard لم تقدم وثائق كافية لمواجهة مزاعم المخالفات الخاصة بالمحاسبات التي قدمتها فاينانشيال تايمز.
بعد ذلك في يوم 25 من مايو/أيار 2020، قامت الشركة بتأجيل نشر النتائج النهائية لعام 2019 للمرة الثالثة.
وفي يوم 18 يونيو/حزيران عام 2020، رفض أحد المدققين التصديق على صلاحية ملف حسابات الشركة لعام 2019، لعجزه عن إثبات وجود مبلغ بقيمة 1.9 مليون يورو، ضمن الأرصدة النقدية في حسابات الشركة، وهذا المبلغ كان يمثل ما يقرب من ربع ميزانيتها العامة.
وفي الفترة بين 19 يونيو/حزيران وحتى الأول من يوليو/تموز من عام 2020، آلت الأمور لإعلان شركة Wirecard لإفلاسها بعد إثبات أنها مدانة بنحو 4 مليارات دولار بعد الكشف عن العديد من الفجوات في دفاترها الحسابية.
وفي الأول من يوليو/تموز، داهمت الشرطة والمدعون العامون مقر الشركة في ميونخ، مع أربعة عقارات في ألمانيا والنمسا تابعين للشركة، بعد إصدار محكمة ألمانية في مدينة ميونخ أمرا باتخاذ إجراءات إعلان إفلاس الشركة رسميا.
المتضررون يبحثون عن تعويضات
وخلال النصف الأول من عام 2022، ذكرت رويترز أن عددا من المتضررين من الخسائر التي تسببت بها التعاملات المشبوهة لشركة Wirecard، بدأوا في السعي للجوء لبدائل تقدم لهم التعويضات اللازمة عن المبالغ التي خسروها من تعاملاتهم مع الشركة الألمانية.
وقالت رويترز إن عددا من المستثمرين الأوروبيين هم أعضاء مجموعة Better Finance، أسسوا مؤسسة قوامها 30 ألف مستثمر من المتضررين من التعامل مع شركة Wirecard، الهدف الأساسي من هذه المؤسسة هو السعي لتعويض هؤلاء المستثمرين عما خسروه من مبالغ تقدر إجمالا بـ 1.5 مليار دولار.
والمجموعة المسؤولة عن مؤسسة التعويضات Better Finance، قالت لرويترز إن المؤسسة الساعية لتعويض مصالح المستثمرين تخضع للقانون الهولندي، لاستهداف الشركة الأم العالمية EY، وهي شركة المحاسبة التي قامت بتدقيق دفاتر شركة Wirecard.
ونقلت رويترز تصريحات لـ "مارك تيونجلر " المدير الإداري لشركة الاستثمارات الألمانية DSW، التي تتعاون مع مجموعة Better Finance لإطلاق مؤسسة التعويضات للمتضررين.
وفي تصريحاته قال "مارك"، إن لاستخدامنا للقانون الهولندي في تأسيس هذه المؤسسة، العديد من الفوائد التي تتيح إمكانيات للوصول لتسوية مع شركة EY، ترضي كافة المستثمرين المتضررين من هذه الأزمة في أوروبا".
وتابع قائلا: "إن القانون الهولندي سيمنح مؤسسة التعويضات خيارات أكثر لا يوفرها القانون الألماني".
كما أشار "مارك" إلى أن العملية القانونية لهذه التسوية قد تستغرق ما يتراوح بين الـ 3 و4 أعوام.
من جانبها، قالت شركة EY الأم، إنها تواصل اعتبار المطالبات ضد فرعها بألمانيا EY Germany، بما في ذلك أي مطالبات من قبل DSW، لا أساس لها.
وفي بيانها ذكرت EY أن جميع أحكام المحكمة الابتدائية التابعة لمحكمة ميونيخ الإقليمية، تؤكد أنه لا توجد مطالبات للتعويضات ضد EY.
موقف محرج لوزير المالية الألماني
وخلال شهر أبريل/نيسان من عام 2022 الجاري، خضع وزير المالية الألماني" أولاف سكولز "للتحقيق أمام البرلمان الألماني كما كان مخططا له، للإدلاء بشهادته حول فضيحة شركة Wirecard.
وبحسب موقع" دويتش فيلا "، نفى الوزير الألماني مسؤوليته عن أي مما حدث من تعاملات احتيال من شركة Wirecard، على الرغم من أنه كان في هذه الأثناء رئيسا لأعلى سلطات المراقبة المالية في ألمانيا BaFin.
وقال الموقع الألماني، إن هيئة الرقابة المالية الفيدرالية الألمانية BaFin، التي كان يرأسها وزير المالية الألماني" سكولز "، واجهت اتهامات من نواب البرلمان بحماية تعاملات شركة Wirecard في عام 2019.
وفي دفاعه عن نفسه، قال الوزير الألماني خلال عملية استجوابه، إن غالبية المعاملات المشبوهة للشركة تمت في الفترة التي سبقت توليه لمنصبه في عام 2018، وأكد على أن هيئة الرقابة الفدرالية BaFin تعاملت مع القضية بحسب قدراتها.
كما أشار سكولز إلى أن الهيئة لم تكن تتمتع بالقدرات اللازمة للتعامل مع قضية إجرامية بهذا الحجم، وأصر على نفيه لمزاعم حماية الوزارة أو الهيئة الرقابية لتعاملات Wirecard المشبوهة واصفا هذه المزاعم بأنها "قصص خيالية سخيفة".
على الجانب الآخر، واجه سكولز اتهامات من "ماتياس هيور"، عضو البرلمان الألماني، الذي عرض أمام لجنة التحقيق مع سكولز، اتهامات تفيد باحتفاظ وزير المالية سكولز بمراسلات بريد إلكتروني ذات صلة بهذه القضية، وأن سكولز يرفض الكشف عنها للتحقيق.
هذا التحقيق الذي وصفته "دويتشه فيلا "أنه إحدى أضخم عمليات التحقيق التي شهدتها الهيئة التشريعية الألمانية في تاريخها، وقد استمر لما يصل لـ 300 ساعة، حتى انتهى في سبتمبر/أيلول الماضي خلال 2022.
أنجيلا ميركل في موقف دفاع عن Wirecard
وكانت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل من ضمن المسؤولين البارزين الذين خضعوا للتحقيق بشأن فضيحة الاحتيال من شركة Wirecard.
وخضعت ميركل للاستجواب أثناء التحقيق حين مثلت أمام الهيئة التشريعية الألمانية، في أبريل/نيسان من عام 2022 الجاري، وكان موقفها أنها دافعت عن الشركة، بقولها إنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن Wirecard ارتكبت أي أعمال احتيال في 2019.
وقالت ميركل في شهادتها إنها على الرغم من كافة التقارير الصحفية التي نشرت ضد الشركة، إلا أنه لا يوجد أي سبب لافتراض مصداقية هذه التقارير، أو اعتبارها اتهامات جدية ضد Wirecard في ذلك الوقت.
وبجانب ميركل، كان هناك 3 مسؤولين آخرين خضعوا لهذا التحقيق من المسؤولين رفيعي المستوى بالحكومة الألمانية.
وفي الوقت الحالي، لا يزال المدير التنفيذي لشركة Wirecard "ماركوس براون" قيد الحجز من جانب السلطات بتهمة الاحتيال، والتلاعب بالأسواق وغسيل الأموال، في حين اختفى الرئيس التنفيذي للعمليات بالشركة "جان مارساليك"، ويرجح أنه هرب لدولة روسيا البيضاء وهو الآن على قائمة المطلوبين بالاتحاد الأوروبي.
وفي استجوابها، أكدت ميركل أنها لم تقدم أي خدمات خاصة لمصرف Wirecard AG، خلال رحلاتها للصين، التي انحصرت الأهداف منها في الترويج للشركات الألمانية لاختراق السوق الصينية فقط.
في هذا التوقيت، كانت تسعى شركة Wirecard للاستحواذ على الشركة الصينية AllScore Financial، التي يوضح التسلسل الزمني لتقرير رويترز أنها نجحت في الاستحواذ عليها بالفعل في عام 2019.
في المقابل، تعرضت شهادة ميركل للانتقاد من جانب عدد من أعضاء أحزاب المعارضة، من ضمنهم المعارض اليساري "فابيو دي ماسي"، وعضو حزب الخضر الألماني "دانيال باياز" الذين اجتمعوا على أن رحلة ميركل في ذلك التوقيت للصين كانت ذات غرض دون شك يخدم مصالح شركة Wirecard.