في يومها العالمي.. خطّاط مصري: التكنولوجيا تغتال الكتابة باليد ومهنتنا تتآكل (حوار)
في أحد شوارع وسط العاصمة المصرية القاهرة يعود بك الزمان نحو أربعة عقود عند درج محل "القاضي الخطاط"، الذي تأسس في عام 1979.
على مدار 44 عاماً، حافظ الخطاط مصطفى القاضي على هوايته ومهنته، وعاصر في محله الصغير سنوات مجد المهنة، قبل أن تأتي عليها الأيام وتستحيل إلى تراث يواجه الاندثار.
في اليوم العالمي للكتابة بخط اليد الذي يوافق 23 يناير/كانون الثاني، أكد "القاضي" في حوار مع "العين الإخبارية" أن الكتابة اليدوية "ستبقى خالدة إلى يوم الدين"، وإلى نص الحوار:
متى هويت الكتابة بخط اليد؟
تخرجت في كلية دار العلوم عام 1974، وكنت أهوى الكتابة بخط اليد، وبعد التخرج التحقت بمدارس تحسين الخط، وفتحت محلي هنا في شارع منصور عام 1979، وقديما كان الخط منتشرا وله حضور في كل الأشياء من حولك، فكانت مانشيتات الجرائد وعناوين الكتب تكتب بخط اليد، وهذا خلق رواجاً كبيراً للخط العربي، وكانت فترة ذهبية للخطاطين، بفضل الأرباح العالية التي كنا نجنيها من هذه المهنة.
قديماً كانت الكتابة منتشرة، ونرى كل الأشياء مكتوبة ونحاول تقليدها، ومَن يشعر بهواية الخط والموهبة يبدأ تلقائيا ممارستها، وموسم الانتخابات كان يسهم في تجديد دماء المهنة، وكان يدخل نحو 8 خطاطين كل عام، وهذا الموسم لم يكن يحتاج إلى الجودة العالية ولا الخطاط الماهر، وكان المرشح الانتخابي يريد مَن يكتب له لافتات بسعر رخيص.
وكيف تأثرت المهنة مع التقدم التكنولوجي؟
الآن أصبحت جميع اللافتات تُكتَب على الكمبيوتر وأجهزة الطباعة الحديثة، وقديماً كانت مهنة الخطاط مهمة، لكنها اليوم أصبحت مهمشة، ولم يعد يقصدنا سوى هواة الخط العربي، وقديماً لم يخل بيت من لوحات تحمل بيت شعر أو حكمة أو آية قرآنية، ولكن هذا لم يعد له أثر اليوم، وإذا وجدت شيئاً من هذا القبيل ستجده مطبوعاً بشكل سيئ، ولهذا أصبحت مهنة الخطاط غير مطلوبة، وأصبح الاعتماد الأكبر على الكمبيوتر، واللوحة أو اللافتة التي قد يكتبها الخطاط في يوم أو يومين يمكن للكمبيوتر إنجازها في ربع ساعة وبسعر أرخص، هذا هو تأثير التكنولوجيا على المهنة.
متى أصبح هذا التأثير ملحوظا على المهنة وأصحابها؟
بدا التأثر واضحاً للغاية منذ نحو 12 سنة، عندنا استغنى أصحاب المحلات عن اللافتات المكتوبة باليد، ولجأوا إلى اللافتات البلاستيكية والمعدنية.
عندما عملت بهذه المهنة كانت مربحة، لكن الآن نكاد لا نعمل بسبب ضعف الإقبال، وقد أظل شهراً كاملاً دون عمل، وإذا كتبت شهادة تقدير أو شيئاً من هذا القبيل فلا يكاد يغطي أجرة المواصلات من منزلي إلى المحل، وشهادة التقدير أكتبها بـ10 جنيهات، لذا أصبحت المهنة غير مجزية، ولكن قد يأتينا زبون ويطلب آية قرآنية مميزة بتكوين وخط معين، وهذه الطلبيات أنفذها بمبلغ جيّد، ولكن قد يمر 8 شهور حتى يأتي زبون مثل هذا، فنادراً ما يأتي هؤلاء الزبائن.
مع تراجع المهنة هل فكّرت في تجربة عمل آخر؟
لم يكن هناك مجال للتراجع وتجربة مهنة أخرى، كان عمري وقتها نحو 60 سنة، وأنا الآن 73 سنة، ولست موظفاً، لذا اكتفيت بالعمل في المحل لممارسة هوايتي ومهنتي، ويومي يبدأ في المحل بعد صلاة الظهر وأغادر بعد صلاة العشاء، وأقضي يومي بين الكتابة والقراءة.
ما نوع الخط العربي الذي تميزت به؟
الخطاط الماهر يكتب جميع أنواع الخطوط، وفترة رواج مهنة الخطاط كانت تتطلب الإلمام بجميع أشكال الخطوط، والدراسة مهمة جداً، وأنا كما أخبرتك خريج كلية دار العلوم، ودرست في مدارس تحسين الخطوط بعد تخرجي، وفي هذه المدارس صقلت مهاراتي كثيراً، وقديماً كان الأهالي يحضرون أبناءهم إلى الخطاطين في إجازة المدارس لتحسين خطهم أو تعليمهم الخط، وبعض هؤلاء "شربوا" المهنة وأصبحوا خطاطين.
ما أكثر الخطوط انتشاراً في مصر؟
لا يوجد قياس لأكثر الخطوط المنتشرة أو المفضلة بين المصريين، والأمر متروك لتقدير الخطاط نفسه، وهو يختار الشكل الأنسب لنوع الكتابة وله الحرية في ذلك، وقد يطلب منك كتابة آية قرآنية فتختار لها خط الثلث، وقد يطلب زبون كتابة لافتة محل فنختار لها خطاً آخر مثل النسخ، ونبدأ توظيف الخط حسب الغرض.
برأيك.. كيف تستعيد الكتابة اليدوية مكانتها؟
يجب على وزارة الثقافة الاهتمام بالخط العربي ودعم مهنة الخطاطين، ويجب تبني هذا الأمر من المسؤولين، لكن للأسف هذه المهنة لا تلقى أي اهتمام، والدولة لا تفكر في هذا الأمر، مع أنه أمر مهم جدا، والخط العربي هو هويتنا.
أخيرا.. هل تندثر الكتابة اليدوية؟
الكتابة بخط اليد لن تندثر، وسيظل الناس يكتبون بأيديهم إلى قيام الساعة، لأن كتابة الخط مرتبطة بكتابة القرآن والمصاحف، وما دام الدين والإيمان موجودين ستبقى الكتابة باليد.
aXA6IDE4LjExOS4xMjIuNjkg
جزيرة ام اند امز