ستكون قمة أبوظبي التي دعا لها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات علامةً فارقةً في بداية هذا العام.
حينها انعقدت القمة بحضور قادة بعض دول مجلس التعاون الخليجي العربي ومصر والأردن مطلع شهر يناير/كانون الأول الماضي، ومن دون شك ترك الاجتماع حالة من التفاؤل على المستوى الإقليمي.
ثم أتت المصالحة السعودية الإيرانية في شهر مارس/آذار الماضي، لتجعل من عام 2023 فرصة لإعادة إحياء العلاقات بين البلدين، وبشرى بأن الصين راعية الاتفاق، قادرة على صنع السلام في منطقتنا، ولديها رصيد لا يستهان به من النفوذ في معناه الإيجابي، وتتالت بعد ذلك اللقاءات والزيارات وإعادة افتتاح السفارات في كل من طهران والرياض.
لكن حرب السودان المفاجئة، رسمت صورة قاتمةً عن مستقبل السلام في العالم العربي، حين قرر كل من عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، وحميدتي قائد الدعم السريع، الاحتكام إلى البندقية وفوهات المدافع وأزيز الرصاص وقذائف الدبابات وصواريخ الطائرات، وكل هذا أدخل الشعب السوداني في نفق مظلم من الألم والنكبة والتشرد والنزوح والموت الذي يتم توزيعه بالجملة من قبل المتخاصمين على جميع المناطق السودانية.
هبت السعودية للوساطة وتحركت الإمارات للمساعدة، ودول أخرى حاولت ولا تزال تحاول، ولأن خرق السودان اتسع على الراتق، وكل من العسكر والدعم السريع، باتا يفضلان الخيار العسكري المدمر، الذي يهدد بالمزيد من الفوضى، بل ويهدد مستقبل السودان كدولة وكيان بحسب مراقبين دوليين، فإن الصراع في السودان لا يزال جرحاً نازفاً وبقوة في جسد العالم العربي حتى اللحظة.
ومن جرح لجرح بمسيرة عام 2023، حمل شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أخباراً غير سارة لإسرائيل حين شنت فصائل فلسطينية مسلحة مثل كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس، عملية واسعة النطاق ومفاجئة بكل المعايير المعروفة بين إسرائيل والفلسطينيين، وسرعان ما تدحرجت كرة العنف نحو الأسوأ، وأصبح الخبر الفلسطيني المهيمن على أغلب وسائل الإعلام العربية والدولية.
لكنّ انتقائية إسرائيل في أهدافها وعدوانها المتواصل على مدنيي قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، جعل المشهد فجيعة كبرى لا يمكن تجاهلها أو حتى مشاهدتها أحياناً لقساوتها، هدنة تمدد ومفاوضات تفشل ووساطات وزيارات، وجلسات وتصريحات، ويوميات سياسية وإنسانية مليئة بالحزن والألم الذي يعتصر النفوس.
سعت دولة الإمارات بصفتها العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن الدولي للقيام بكل ما من شأنه إيقاف القتال، وخلفها كانت المجموعة العربية والإسلامية داعمة ومؤيدة، لكن الفيتو الأمريكي كان بالمرصاد لإفشال أي جهد دبلوماسي حقيقي، حتى وصلنا إلى قرار بتوسيع المساعدات الإنسانية والدعوة لتعليق العمليات العسكرية بشق الأنفس، وبعمل إماراتي وعربي جبار في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
وقبل ذلك دعت السعودية العالمين العربي والإسلامي لقمة موسعة واستثنائية في الرياض حضرها الجميع، وتشكل وفد وزاري عربي وإسلامي مشترك يجول العالم من أجل الضغط لإنهاء الأزمة، ولكن بكل أسف استمر القتال ولا يزال.
تحركت كل من مصر وقطر لصنع وساطة مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرياً لإيجاد حلول سريعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واستعملت القاهرة والدوحة كلّ أدواتهما السياسية لتحقيق ذلك، لتتكدس المساعدات الإنسانية الضخمة من الإمارات والسعودية وبقية الدول العربية والإسلامية وغيرها قبالة معبر رفح، وتمتنع إسرائيل في الوقت نفسه عن إدخال الأهم والمهم منها، في ظل حصار مطبق على الإنسان الفلسطيني المدني المنكوب.
وحركت إيران مليشياتها وأبرزها مليشيات الحوثي في اليمن - بحسب الرواية الأمريكية والبريطانية - لقرصنة سفن تجارية في مضيق باب المندب، وممارسة مزيد من العبث والتخريب بما يخص الملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر وبحر العرب، و دفع ذلك واشنطن وحلفائها لإنشاء تحالف عسكري بحري مصغر لمواجهة ذلك، لكن دون جدوى حتى الآن، لأن مقاربة دول مهمة في المنطقة مثل السعودية ومصر والإمارات دعت وتدعو من قبل لإيجاد حلول جذرية وليس تحالفات "ترقيعية" لا تقدم ولا تؤخر.
فحماية الممرات المائية العالمية مسؤولية دولية تقع على عاتق العالم، ونصت عليها اتفاقية جنيف في ثمانينات القرن الماضي، والأمر ذاته طالبت به الدول العربية الخليجية منذ تأسيس التحالف العربي لمكافحة الإرهاب الحوثي في اليمن قبل سنوات، لكن أفعال أمريكا ودول أوربية عدة خالفت كل هذا، وطعنت التحالف العربي بالظهر، وجاملت إيران والحوثي الانقلابي، ومنعت دول التحالف العربي من استكمال المهمة لإنقاذ اليمن من فكي التطرف والفوضى التي يبرع في تحقيقها الحوثيون خدمة لمصالح وأجندات الحرس الثوري.
خلاصة القول ونحن نودع عام 2023، ونستعد لاستقبال عام جديد، أن الأمن والاستقرار مهمة جماعية، وتتحقق بكثير من الجدية في التعاطي، وهذا ما أكد ويؤكد عليه المحور العربي المعتدل، لكن ازدواجية المعايير الطاغية في الغرب تحول دون ذلك، وتجعل توسع رقعة الصراع حدثاً غير بعيد إن استمر هذا النهج، وأزمة أوكرانيا شر دليل على ذلك، وهي أيضاً جرح دولي كبير، تسيل فيه الدماء والخسائر البشرية دون حلول منطقية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة