تتميز العلاقات الإماراتية – الأمريكية بشكل عام بالقوة والصلابة منذ تأسيس الاتحاد.
وبحجم تبادل تجاري ناهز العام الماضي 28 مليار دولار، ظلت دولة الإمارات أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، منذ 2009 وأحد أهم الشركاء التجاريين عالميا كذلك، فضلا عن أن الإمارات تعد أكبر مستثمر أجنبي في السوق الأمريكي، الأمر الذي ساعد الاقتصاد الأمريكي بنحو 125 ألف وظيفة.
لكن 2023 كانت محطة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، فقد اتسعت مجالات التعاون لتشمل أموراً كثيرة سواء في الزراعة أو المناخ أو الطاقة وحتى الفضاء، بعد أن كانت منحصرة في الأمور السياسية والاقتصادية، وهو ما يشير بوضوح إلى البعد الاستراتيجي المتنامي في العلاقة بين الطرفين، فأصبحت العلاقات الإماراتية الأمريكية بمثابة خط دفاع عالمي لمواجهة التحديات الدولية الملحة، من الأمن والتجارة إلى العمل المناخي والرعاية الصحية وحتى الفضاء.
فشهد العام، الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بينهما مع توسيع آفاق الشراكة الاستراتيجية وتعميقها في مجالات حيوية متعددة، سواء عبر سلسلة من المبادرات المناخية الثنائية التي تضافرت جهودها خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28)، أو في مهمة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي التاريخية إلى محطة الفضاء الدولية، التي استمرت لمدة ستة أشهر خارج الأرض.
وعلى الجانب الاقتصادي العالمي، باتت العلاقات الإماراتية – الأمريكية تشكل ثقلا متزايدا على المسرح الدولي، وفي إشارة واضحة لذلك، وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن الشكر، للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي سبتمبر/أيلول الماضي، لدوره الكبير في اتفاق مشروع الممر الاقتصادي الطموح، للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، الذي قال عنه بايدن إنه "سيغير قواعد اللعبة".
ويعد المشروع ثورة حقيقية، حيث سيربط الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط بشبكة من السكك الحديدية والموانئ لتعزيز التجارة والاتصال الرقمي، إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات.
وفي مجال العمل المناخي الدولي، حدث ولا حرج، فبعد الشراكة الاستراتيجية التاريخية التي وقعها البلدان نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، لاستثمار 100 مليار دولار في إنتاج الطاقة النظيفة، استضافت الإمارات والولايات المتحدة قمة AIM للمناخ، في العاصمة الأمريكية واشنطن مايو/أيار الماضي، مما يؤكد الدور القيادي للبلدين في مجال الابتكار الزراعي والغذاء المستدام.
وتم الاتفاق بين البلدين خلال COP28، على تعزيز التعاون الثنائي وتوسيع المبادرات المشتركة في مجال الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة، والزراعة الذكية، وقامت بعثة الابتكار الزراعي من أجل المناخ بحشد 17 مليار دولار و600 شريك عالمي لجعل الغذاء أكثر استدامة.
وفي الزراعة الذكية بالتحديد، كشف الدكتور كاري فاولر، المبعوث الأمريكي الخاص للأمن الغذائي العالمي، لكاتب المقال، عن مبادرة الابتكار الزراعي من أجل المناخ (AIM for Climate) التي ترعاها الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، لا تهدف إلى معالجة انعدام الأمن الغذائي ي البلدين فحسب، بل على مستوى العالم، قائلا: "هذا التعاون يعد خطوة هامة نحو تحقيق أمن غذائي أكثر استدامة وصحة للكوكب".
كما شهد COP28، إطلاق صندوق لتعويض البلدان التي تكافح من أجل مواجهة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، بميزانية ضخمة من الممولين في الولايات المتحدة والإمارات، وقد ساهمت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة ودول أخرى بالفعل بأكثر من 650 مليون دولار في الصندوق، كما أنشأت الإمارات صندوقاً استثمارياً بقيمة 30 مليار دولار لتمويل مشاريع المناخ، وهو ما يعكس التزام البلدين بمواجهة التحديات البيئية العالمية.
ولعل مهمة النيادي الأخيرة بالتحديد، دليلا آخر على أن العلاقات الثنائية بين البلدين، سوف تذهب بعيدا، لا سيما في مجال استكشاف الفضاء، ليس لصالح البلدين فحسب، بل لصالح المجتمع العلمي العالمي، والبشرية جميعا.
فبعد أن أمضى رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي ستة أشهر في محطة الفضاء الدولية، في أول مهمة فضائية طويلة الأمد للعالم العربي، والمهمة الثانية لدولة الإمارات إلى محطة الفضاء الدولية، رسخت الإمارات مكانتها في نادي الفضاء الدولي، وأصبح التعاون الفضائي الأمريكي – الإماراتي قاطرة للجهود الدولية لاستكشاف الفضاء، ولا يجب أن ننسى أن الإمارات جزء من تحالف آرتميس الدولي الذي يهدف إلى عودة البشر إلى القمر قريبا، أو كما قال لي رائد الفضاء الأمريكي، ستيف بوين، الذي قاد المهمة التاريخية SpaceX Crew-6، التي شارك فيها النيادي، "إن التعاون بين البرنامج الفضائي الأمريكي والإماراتي يشكل دفعة قوية للاستكشاف البشري في الفضاء".
وللحديث عن التعاون الفضائي الأمريكي – الإماراتي وتأثيره على الجهود الدولية لاستكشاف الفضاء قصة أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة