يفترض أن يمثل موقف المبعوث الدولي "قيمة سياسية مضافة" لإنهاء الأزمة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني.
تسعى دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من دعمها الحكومة الشرعية اليمنية إلى تحقيق الاستقرار والأمن للشعب اليمني وللمنطقة والعالم، وفق قرار الأمم المتحدة 2216، خاصة في ناحية حظر توريد الأسلحة والعتاد العسكري، وكذلك حظر تحركات قادة مليشيا الحوثيين، وقد أعلنت دولة الإمارات دعم محادثات السويد وعمل المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث الذي يسعى لعقد جولة مباحثات جديدة خلال ديسمبر المقبل.
الحوثيون وغيرهم من المليشيات الخارجة على القانون التي تصنف إرهابية يستمدون قوتهم من التردد الدولي، خاصة الأوروبي، ومن ضعف الموقف الإقليمي في مواجهتهم، لذا فإن المشكلة ستظل مستمرة طالما هناك انتقاء في طريقة المعالجة رغم وضوح النتائج ووضوح طريقة الحل وهو إنهاء سبب الأزمة
كلما بدأ الحديث عن جولة جديدة من مباحثات بين الحكومة اليمنية الشرعية و"الحوثيين" تجدد الحديث عن وضع اليمن استراتيجياً، حيث إن دول التحالف العربي لن تقبل بوجود مليشيا على وزن حزب الله اللبناني تهدد استقرارها بين الحين والآخر خدمة للسياسة الإيرانية وبين رغبات سياسات الدول الكبرى البعيدة عن المنطقة التي ما زالت تعتقد أن النظام الإيراني وحليفه الحوثيين يمكن أن يلتزموا بالتعاهدات دون النظر إلى أنها تكتيك من أجل الخروج من المأزق الاستراتيجي الذي هم فيه من خلال تقدم القوات الحكومية اليمنية باتجاه تحرير كامل الحديدة، لذا فإن مرونة مارتن غريفيث خلال المفاوضات الحالية قد لا تؤدي إلى حل بقدر ما أنها قد تزيد من تعقيد الوضع اليمني.
يفترض أن يمثل موقف المبعوث الدولي "قيمة سياسية مضافة" لإنهاء الأزمة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني من خلال إجبار "الحوثيين" على الالتزامات الدولية والمحددة في التوقف عن استقبال الأسلحة والمساعدات العسكرية الإيرانية من خلال ميناء الحديدة الواقع على البحر الأحمر وتسليم الميناء الاستراتيجي إلى الحكومة الشرعية في اليمن، ولكن ما يبدو واضحاً حتى الآن أن الزاوية السياسية التي ينظر من خلالها المبعوث الدولي ليست فقط تثير شكوكا حول النية الحقيقية لمساعيه ولكنها تعطي انطباعاً حول حالة التنافس في المواقف السياسية بين الأوروبيين والولايات المتحدة فيما يخص العقوبات على إيران.
يمثل عدم وضوح موقف المبعوث الدولي، خاصة في ناحية إدارة ميناء الحديدة، الثغرة الحقيقية لاستمرار الأزمة والمأساة الأمنية بعدم اكتراثه بأصل الأزمة اليمنية أمنياً وإنسانياً، حيث يتلقى من خلالها الحوثيون المساعدات والمعونات العسكرية من إيران، وبدلاً من إجبارهم على إنهاء سيطرتهم وقطع "شريان الشر" ركز المبعوث الدولي كل جهده على إقناع "الحوثيين" بحضور المفاوضات المزمع عقدها في السويد خلال الشهر المقبل دون أخذ تأكيد بشأن تنفيذ المرجعيات الدولية الثلاث ومنها قرار 2216.
إن مسألة تجزئة الحلول مع "جماعة" اعتادت على التهرب من مسؤولياتها الوطنية والدولية، كما أن محاولة استرضائها لا تتعدى أن توصف بسياسة "نصف الحل" لأن في الحقيقة ما يحدث في اليمن يحتاج إلى شجاعة في الموقف الإقليمي والدولي بشكل خاص، وإلا فإننا سنعيش في نفس "الدوامة" وهي التحايل والتهرب من تطبيق القرار الدولي حتى إذا حضروا مفاوضات السويد، التي يسعى المجتمع الدولي في التبكير فيها لتهدئة الوضع.
أحياناً تكون مواقف المندوبين الدوليين في الأزمات الدولية منحازة إلى وجهات نظر معينة وربما هذا سبب ضعف المنظمات الدولية وهم ينطلقون من مصلحة بلدانهم دون النظر إلى المصلحة العامة الداخلية أو الإقليمية أو الدولية، لكن هذا يؤثر في سير الأزمة وفي الحالة اليمنية الحالية، فإن المطلوب فقط تطبيق القرار الدولي، كما جاء في تصويت أعضاء مجلس الأمن الدولي، لأن التردد ستكون له انعكاسات سلبية حول ثقة الرأي العام العالمي بمهمة المبعوث الدولي ومن حقيقة المواقف الدولية في الأزمات الأخرى.
قوة القرارات الدولية تتمثل في تطبيق أعضائها لها، وبما أن موقف التحالف العربي يسير على الطريق الصحيح لإثبات جدارة قرار مجلس الأمن الدولي 2216 المستند إلى المبادرة الخليجية وقوته على الأقل ضد "جماعة" خارجة على القانون الدولي وتمثل تهديداً لاستقراره، فإن على المبعوث الدولي ألا يخاطر بتأكيد شك الرأي العام في الدور "المتراخي" للمنظمات الدولية، بل عليه أن يبث الثقة فيهم.
الحوثيون وغيرهم من المليشيات الخارجة على القانون التي تصنف إرهابية يستمدون قوتهم من التردد الدولي، خاصة الأوروبي، ومن ضعف الموقف الإقليمي في مواجهتهم، لذا فإن المشكلة ستظل مستمرة طالما هناك انتقاء في طريقة المعالجة رغم وضوح النتائج ووضوح طريقة الحل وهو إنهاء سبب الأزمة.
النوايا الطيبة لا تصنع الحلول، خاصة مع أتباع النظام الإيراني، والتجارب السياسية تخبرنا عن ذلك، وللأسف فإن المواقف الدولية "المتراخية" ينتظرها الخارجون على القانون لاستغلالها سياسياً، ولكنها تحقق الإحباط لكل المنتظرين للدعم الدولي في أي مكان في العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة