الانقلاب يعيد صنعاء إلى قرون غابرة.. مواقد فحم بديلة للغاز
سكان صنعاء يلجؤون إلى وسائل بدائية تبقيهم على قيد الحياة بعد افتعال مليشيا الحوثي لأزمة الغاز المنزلي وارتفاع سعره.
في الطرف الشرقي من صنعاء، وبالقرب من واحدة من أشهر مقابرها التاريخية المعروفة بـ"ماجل الدمة"، تتراصّ عشرات الشاحنات والسيارات المكشوفة محملة بأسطوانات الغاز المنزلي سعة 20 لترا، وبكلفة تصل إلى ما يعادل 25 دولارا، لكن مادة الغاز لا تزال بعيدة عن منازل المواطنين.
ومنذ أسابيع، تعيش صنعاء أزمة خانقة في مادة غاز الطهي المنزلي، تسببت في شلل بالحياة العامة، بعد ارتفاع سعر الأسطوانة الواحدة بمقدار 4 أضعاف، أي من 3 آلاف ريال يمني إلى 12 ألف ريال.
وكما هو الحال مع العشرات من الأزمات التي أصابت المجتمع، منذ اجتياح الحوثيين صنعاء، وجعلتهم يلجؤون لبدائل تبقيهم على قيد الحياة، لم يستسلم سكان العاصمة للأزمة المفتعلة لمادة الغاز المنزلي، بل قاموا بتكييف أنفسهم ولو بالعودة إلى وسائل بدائية، لم تكن موجودة سوى في ستينيات القرن الماضي.
المدينة ليست كالريف
انتشر الحطب، وهو عبار عن غصون الأشجار الجافة، في صنعاء كبديل تاريخي لإنضاج الأكل بدلا عن مادة الغاز، لكن منازل العاصمة لم تعد مهيأة لإعادة استخدام الحطب كوقود بديل عن غاز الطهي، كما هو الحال في الريف.ومنذ أيام، فرضت الحاجة على الناس اللجوء إلى أشد الخيارات قسوة من أجل البقاء على قيد الحياة، فصنعاء التي تشهد برودة قارسة في فصل الشتاء ما زالت تستخدم مواقد الفحم للتدفئة والبخور، وإن على نطاق ضيق فكانت الفكرة من هنا، كيفية تحويل مواقد التدفئة بطرق حديثة لتكون بديلة لمواقد الغاز والكيروسين القديمة.
تأقلم مع أسوأ الظروف
في غمضة عين، وبينما التهبت أزمة الغاز المنزلي حتى اختفى من شوارع العاصمة التي تحتضن قرابة 200 محطة لتعبئة الغاز المنزلي، عادت إلى الواجهة مواقد الفحم القديمة في صنعاء وعدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.ووفقا لحرفيين وعاملين في هذه المهنة لـ"العين الإخبارية"، تصنع مواقد الفحم من العبوات الفارغة للجبن الدنماركي وأخرى من عبوات الحليب الجاف أو علب طلاء دهانات المنازل.
وخلال الأيام الماضية، تحولت هذه الحرفة الطارئة، عند بعض المواطنين إلى مصدر لكسب الرزق، عبر تصنيعها وبيعها للمواطنين جاهزة للاستخدام في إنضاج الطعام بمختلف أصنافه، حيث يصل سعر الموقد الواحد إلى ما يوازي 7 دولارات (نحو 3600 ريال يمني).
ويتم تصنيع هذه المواقد البديلة لمادة الغاز، بعمل ثقب دائري أو مربع أسفل واجهة العلبة، بحيث يتم عبرها تركيب مروحة صغيرة تعمل بالبطارية العادية، 12 فولت أو أقل، ويتم وضع قطعة من الحديد أو الفخار مثقوبة بأثقاب عديدة في الفوهة العلوية للعلبة حيث يوضع الفحم وتثبت من داخل العلبة.
وحسب الحرفيين، يتم بعد ذلك حشو الفراغات الجانبية بالطين أو الرخام، وما على المستهلك إلا وضع الفحم وإشعاله وتشغيل المروحة بالبطارية، وحينها يزود الفحم بالهواء اللازم لعملية الاحتراق وتسخين الطعام.
ولم يقتصر الأمر عند هذا النوع من المواقد المبتكرة، حيث لجأ آخرون، إلى إدخال تعديلات على المواقد الفخارية التي كان سكان صنعاء يستخدمونها خلال أيام الشتاء لتدفئة المنازل. وتشبه هذه الكأس فتم تجويف ساقها وإضافة مروحة تهوية وثقب أرضية الموقد بثقوب صغيرة تسمح بمرور الهواء من المروحة إلى الفحم الملتهب، وهذه يستخدمها الباعة المتجولون الذين يبيعون المأكولات السريعة في الشوارع.
وقال "محمد الريمي" بائع بطاطس ويعول أسرة مكونة من 8 أفراد، إنه توقف عن العمل لمدة أسبوع كامل بعد نفاد غاز الطهي، ولم يكن بمقدوره شراء أسطوانة من السوق السوداء بمبلغ 12 ألف ريال.
وأشار الريمي لـ"العين الإخبارية" إلى أنه بعد ابتكار طريقة مواقد الفحم، لن يعود مرة أخرى للعمل على غاز الطهي، حيث إن المواقد الأخيرة لا تكلفه سوى بطارية جافة 12 فولت وعبوة كبيرة من الفحم، والعمل بعد ذلك دون قلق من حدوث أزمات للغاز.
وتتفاوت أسعار مواقد الفحم المطورة في صنعاء بحسب الحجم والمادة المستخدمة كأرضية للموقد، سواء كان حديداً أو فخاراً (خزف)، فالمواقد المصنوعة من الفخار والخزف يصل سعرها إلى 3600 ريال (ما يعادل 7 دولارات)، فيما لا يتجاوز سعر المواقد المصنوعة من الحديد ألف ريال (أي ما يعادل دولارين)، وهو مبلغ لا يقارن وفقا لسكان، بسعر أسطوانة الغاز التي يصل سعرها إلى 25 دولارا.
وعلى الرغم من تفاقم معاناة السكان في صنعاء، إلا أن مليشيا الحوثي التي تسيطر عليها لا تبدو مكترثة، وذلك مع مضيها في استثمار مآسي المدنيين عبر مهرجانات، وفرض إتاوات باهظة على التجار، تنعكس مباشرة على شكل ارتفاع بالأسعار، يتكبدها المواطن.