الرئيس المصري يحسم الجدل حول البرنامج الاقتصادي
الرئيس المصري يحسم الجدل حول برنامج الإصلاح الاقتصادي، أو أي بدائل أخرى بخلاف ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد.
حسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الجدل حول برنامج الإصلاح الاقتصادي، وأي كلام بشأن البدء فيه، أو أي بدائل أخرى بخلاف ما تم الاتفاق عليه مبدئياً مع صندوق النقد الدولي، انتظاراً لتصويت المجلس التنفيذي للصندوق في وقت لاحق على منح مصر 12 مليار دولار، ضمن برنامج تمويلي مدته 3 سنوات تحتاجه مصر بإجمالي نحو 21 مليار دولار.
الرئيس أكد على أن تنفيذ برنامج الإصلاح لا رجعة عنه، والتأجيل ليس واردا، قائلا في حواره مع الصحف الحكومية المصرية: "الموضوع هو اتخاذ قرارات الإصلاح أو عدم اتخاذها.. هل نريد إصلاحا أم لا نريد، وإجراءات الإصلاح كان يجب اتخاذها من سنين، لكن تم التعامل معها بحلول جزئية، والآن لا وقت لدينا للتأجيل والظروف لا تسمح، إذا كنا لا نريدها أن تكون أكثر صعوبة".
ووصف خبراء ومتخصصون كلام الرئيس السيسي في هذا الشأن أنه اتخذ قراره مبكراً، وبدأ فعليا في آليات التنفيذ، وأي حوار في أي اتجاه آخر، سيكون مضيعة للوقت، والخطوة التالية هي العمل على تعظيم المكاسب، وضمان تنفيذ الإجراءات الحكومية الكفيلة بحماية المواطنين المصريين من ذوي الدخل المحدود والفقراء، وحتى الطبقة الوسطى، من التأثيرات السلبية لبرنامج الإصلاح المتفق عليه مع صندوق النقد، بخلاف أهمية قيام البرلمان المصري بدوره الرقابي في متابعة أداء الحكومة في تنفيذ البرنامج بما لا يضر بمصالح الفقراء في البلاد.
إبراهيم الشاذلي، الخبير الاقتصادي، يرى أن السيسي كان واضحا في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، رافضا أي تأجيل له، لأنه بمثابة مزيد من الأزمات الاقتصادية في المستقبل، والحل هو الدخول في الإصلاح الشامل وبأسرع وقت ممكن، لأن ذلك سيترتب عليه حل الجزء الرئيسي من المعضلات التي تواجه الاقتصاد المصري.
واشار إلى أن المهم هنا التوظيف الأمثل للبرنامج وما سيتحقق عنه، لافتا إلى أن الأموال التي ستتوفر من رفع أسعار الطاقة وإلغاء الدعم وفق البرنامج المتفق عليه حتى العام المالي 2018 – 2019، يمكن أن تساهم في مساعدة الفقراء، على أن يتم تخصيص هذه الأموال في اتجاه الإنفاق العام، أو في مجالات تحقق دخلا للدولة يساعد في زيادة النمو.
من جهته، أشار دكتور رفعت رياض السيد أستاذ الاقتصاد في جامعة المنوفية إلى أن أحدا لا ينكر أن تنفيذ أي إصلاح اقتصادي سيكون ثمنه كبيرا وقاسيا على الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة، بل سيمتد حتى الطبقة الوسطى، ولكن بتنفيذ مشروعات وبرامج تصب في القطاع الخدمي للشعب، ستسهم في تحقيق فوائد يجنيها فئات الشعب، وهنا يأتي الدور الرقابي للبرلمان، وأية أجهزة شعبية أخرى، ومنظمات المجتمع المدني، والقوى السياسية، والأحزاب، لترشيد أداء الحكومة والتأكد من جديتها في تنفيذ مشروعات وخدمات تقلل من الأعباء المترتبة على الناس من الإصلاح.
وكان الرئيس السيسي قد تحدث عن مجموعة إجراءات حمائية ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي تتمثل في "توفير معاش "تكافل وكرامة" يستفيد منه حاليا نصف مليون أسرة في عدد من المحافظات، وسيبلغ عدد المستفيدين بحلول ديسمبر/ كانون الأول المقبل مليون أسرة تزيد إلى 1,5 مليون خلال العام المقبل، إلى جانب، تم رفع الحد الأدنى للمعاش من 200 و 300 جنيه إلى 500 جنيه، ورفع الزيادة السنوية لتكون 125 جنيها كحد أدنى، مع مد مظلة معاش الضمان الاجتماعي، الذى يقدم مساعدة غير مشروطة للفقراء والأيتام والأرامل والمرأة المعيلة لتشمل 2,5 مليون مستفيد بتكلفة نحو 7 مليارات جنيه، كما نوه إلى أن الحكومة تدرس وسائل تقليل التأثيرات الضاغطة لإجراءات الإصلاح على محدودي الدخل، مع استمرار اتخاذ مزيد من الخطوات لتحسين أحوال البسطاء ومحدودي الدخل".
ولفت د. رفعت إلى أن "هذا كلام جيد، إلا أن ضمانات التنفيذ هي المهمة، خصوصا الوصول بها إلى مستحقيها، وحتى لا يتم العبث بها كما حدث في برامج اجتماعية أخرى، وهنا، وكما قلت، أن الدور الرقابي مهم، حتى لا تتم البرامج الحمائية بالمحسوبية، خصوصا أن الرئيسي السيسي يعترف بأن دواء العلاج للإصلاح الاقتصادي مر."
الدكتور فخري الفقي مساعد مدير صندوق النقد الدولي الأسبق، ومن أكثر الخبراء تحمسا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، يشدد على أن الاعتراف بوجود أزمات اقتصادية بمصر هو بداية الحل، لافتاً إلى أن هذا ما يقوله الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويعمل على حله، والتأجيل يعني مزيداً من الأزمات، فلا بد من إعادة النظر في مختلف الأزمات، وعلاج سعر الصرف بشكل جدي، لمواجهة تعدد أسعار الصرف، ضمن برنامج مدته 3 سنوات لعلاج الاقتصاد الكلي للبلاد، والاختلالات المالية في الموازنة وتخفيض عجزها وميزان المدفوعات.
وأشار إلى أنه "صحيح الإجراءات صعبة، فلابد من إعادة النظر في التشريعات الاقتصادية، والضرائب، والأجور ومعاشات التقاعد، وهنا يأتي ما يسمى بالإجراءات الحمائية الاجتماعية، من خلال إعادة تصمم شبكة الحماية الاجتماعية بما فيها الحد الأدنى للأجور ومعاش الضمان الاجتماعي ومعاشات التقاعد، وتخفيض الأسعار، والأمور ذات العلاقة بالعدالة الاجتماعية للفقراء".
البعض يتخوف من ردة فعل بعض فئات الشعب في حال ارتفاع الضغوط على المواطنين جراء ثمن الإصلاح الاقتصادي، ومطالبتهم بزيادة الأجور مثلا لتعويض الفروق الناجمة عن الإصلاح وإلغاء الدعم تدريجياً، وهنا يشير الدكتور مختار الشريف إلى الاستخدام الأمثل للقروض وبرامج التمويل الدولية والثنائية سيكون حائط الحماية للشعب، من خلال تعزيز مفردات الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل، وتعزيز الخدمات، مع الرقابة على الأسعار، حتى يحدث انفلات فيها، بأكثر مما هو قائم.
ويتفق على أن التأجيل المستمر للإصلاح الاقتصادي يصب في خانة ترحيل الأزمات، مع تنفيذ برامج إصلاحية على مدى زمني، وليس بشكل سريع، لافتا إلى أن البرامج الإصلاحية الاجتماعية التي طرحها الرئيس السيسي، باب مهم لمواجهة أية ضغوط، ولكن السؤال المهم، يدور حول "التنفيذ العادل لها".
ومن جانبه، يرى الدكتور شريف دلاور أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية أن تأجيل ملف اقتصادي مهم مثل سعر الصرف، يمثل عبئاً كبيراً على اقتصاد الدولة وعلى التنمية، وحسم هذا الملف بحلول اقتصادية حقيقية واحد من أهم أدوات التنمية، وتثبيت سعر الصرف رسميا، سيقضي على السوق السوداء.
ولفت إلى أن التعامل الأمني مع تجار السوق السوداء، هو حل مؤقت للظاهرة، ولكن الحل يكون من خلال تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، وبدء ضخ أموال القروض من صندوق النقد الدولي، وهو ما يصب في تثبيت سعر الصرف، ومن هنا تأتي أهمية الإصلاح الاقتصادي المؤجل من سنوات.
الدكتور على لطفي رئيس وزراء مصر الأسبق، يرى في تصريحات سابقة، أن دعم الرئيس السيسي في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي خطوة مهمة، خصوصا فيما يتعلق بالأزمات التراكمية، ولحل مشاكل يمكن وصفها بالخطيرة تواجه الاقتصاد والتنمية.
وأشار إلى أن قضايا مثل عجز الموازنة العامة للدولة والخلل في ميزان المدفوعات والتوزيع العادل للدخل القومي ومشكلتي التضخم وصرف الصرف، تحتاج إلى برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي، وهذا أمر لا مفر منه، وفي المقابل ستكون هناك برامج وعد الرئيس بتنفيذها، وبدأ في بعضها لحماية المتأثرين بما سينجم من تداعيات لإلغاء الدعم، وغيره من خطوات الإصلاح.
وتتحمس الدكتورة علياء المهدي عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة، لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، بما في ذلك أي تعويم للجنيه وترك سعر الصرف لقوى السوق، واصفة إياها بخطوة مهمة تأخرت كثيراً، حتى لو ارتفع سعر الجنيه أمام الدولار، إلا أنه سينخفض تدريجياً مع قوة البنك المركزي في توفير احتياجات السوق من النقد الأجنبي.
وأوضحت أن دور الحكومة يصبح مهما في حماية كل الفئات التي ستتأثر ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، والعمل على تنفيذ الخطوات الاجتماعية الحمائية، وهو ما اتبعته دول أخرى في برامجها لإصلاح اقتصاداتها.
aXA6IDEzLjU5LjExMS4xODMg جزيرة ام اند امز