منذ صغري وأنا أسمع عبارة "من خاف سِلِم" في مجالس الكبار وفي مقاعد الدراسة حتى أذكر معلمتي قالتها لنا في مناسبة عقاب جماعي ,
منذ صغري وأنا أسمع عبارة "من خاف سِلِم" في مجالس الكبار وفي مقاعد الدراسة حتى أذكر معلمتي قالتها لنا في مناسبة عقاب جماعي من أجل مشاغبة طالبة عنيدة بالصف.
كبرت وكبرت العبارة معي وصرت أتحاشى التجربة والمغامرة وأتم أعمالي على أكمل وجه حتى في إبداء الرأي مع الآخر كنت أتجنب ذلك من باب السلام.
وفي الحقيقة نحن نخاف لنسلم حتى يتنامى في داخلنا خوف من نوع آخر يصنع سياجه حولنا، يقيدنا بلا سبب، يرهبنا من رؤية الحقيقة وإن رأيناها يجعلنا نراها بعين الهروب.
الخوف فكرة نغرق فيها حتى تتحول إلى اعتقاد من الصعب أن نتخلص منه ومن الصعب أن نرى الآخر من بعده بموضوعية فنراه بعين الشر المطلق بينما الحقيقة أن الآخر ليس شرا مطلقا ولا خيرا مطلقا.
هو يجعلنا الطعم السهل للتخلف وعدم التقدم حين نحجب الرؤية عن الآخر دون النظر إلى مواطن قوته وإنتاجه ومحاكاته في ذلك.
كما أنه الصراع الذي خلق الفوضى العارمة في سؤال الهوية "من نحن"!
هذا السؤال الذي أجهد كثيرا من المفكرين العرب في البحث عن الهوية وعن مسارها وتاريخها حتى صدرت دراسات تبحث عنّا تاريخيًا وفكريًا، وعنّا في الأحزاب والجماعات والفردية والتكنولوجيا، وعنّا في المستقبل.
ولو أردنا أن نمسك بأمّ السؤال وإشكاليته لوجدنا أننا نحن الخوف الذي أفقدنا التوازن في التعايش مع الآخر دون أن نفقدنا، الخوف الذي حولنا إلى الصراع كطوائف وأحزاب وأفكار ترفض الالتقاء والتقبّل وتتبنى إقصاء الآخر ولو بالقتل.
نحن نبحث عن معادلة عادلة مع السلام، فنصنع الخوف لنحقق السلام، نتجنب الإفصاح عن أنفسنا ونصنع شِباك الشكوك غير العقلانية نحو الآخرين ونتعامل بلطف ماكر معهم على اعتبار أننا نحقق مبدأ التعايش والسلام معهم، نُكرَه على قول الحقيقة المواربة الموشومة بالزيف وهما منّا أننا نحفظ السلام لأنفسنا.
نحن نلمس وجه الحقيقة نتحسسه ولكن لا نجرؤ على أن ننظر إليه وأن نقف أمامه مكشوفي الملامح، نحن نبتعد عن الأشياء التي نحبها خوفا من أن يضيع سلامنا مع من نعيش معهم لنضيع في دوامة مخاوف أخرى تنهشنا من كل جهة.
نحن نتجنب التعبير عن أبسط ما يقلقنا نحو الآخر الصديق كي لا نفقده، لأنه في المقابل يعيش نفس التجنب فتصطدم مخاوفنا دون وعي منا ونفقد بعضنا رغم السلام الذي صنعناه من الخوف.
نحن نخاف لنسلم بينما الحقيقة نحن نسلم لنخاف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة