مع عودة فوكس نيوز لتنظيم المناظرة كان ترامب يريد اختيار شخصية أخري غير ماجين كيلي، لكن فوكس أصرت على حقها في اختيار الأشخاص
قبل ثلاثة أيام فقط من الجولة الأولي للانتخابات التمهيدية للمرشحين الرئاسيين في ولاية "أيوا" الأمريكية لكل من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، وقف سبعة من المرشحين الجمهوريين للرئاسة على المسرح معًا في المناظرة الأخيرة بينهم قبيل إدلاء الناخبين بأصواتهم.
لكن حديث الساعة لم يكن عن الحاضرين في المناظرة، بل تركز حول من لم يحضرها وهو رجل الأعمال البارز دونالد ترامب الذي يتقدم كل المتنافسين في استطلاعات الرأي العام على المستوي القومي، لكنه في منافسة عنيفة في ولاية أيوا مع منافسه الأول السناتور المحافظ تيد كروز.
أسباب غياب ترامب في ذاتها تستحق الوقوف عندها، فالمناظرة أدارتها شبكة فوكس نيوز التي أصبحت صوت اليمين المحافظ على شاشات التليفزيون، وهي الأقوى حاليًا بين كل الشبكات الإخبارية متقدمة بفارق كبير على شبكة سي إن إن، وكذلك شبكة إم إس إن بي سي التي تميل لتأييد الليبراليين.
لكن فوكس نيوز لم تعد مجرد شبكة إخبارية، بل أصبحت مركز قوة في الحزب الجمهوري، يتملقها كل من يسعي للأضواء أو حشد التأييد من السياسيين الجمهوريين؛ لذلك فإن مقاطعتها من قبل ترامب كانت مخاطرة كبيرة، سبب المقاطعة يعود لمناظرة سابقة نظمتها فوكس نيوز منذ ستة أشهر واصطدم فيها ترامب مع مديرة الحوار ماجين كيلي النجم الصاعد للشبكة الإخبارية، واستمر الصدام بعد المناظرة حيث استخدم ترامب لغته الشعبوية في مهاجمتها، مشيرًا إلى أنها ربما كانت تتسرب منها الدماء في مكان ما من جسدها.
مع عودة فوكس نيوز لتنظيم المناظرة كان ترامب يريد اختيار شخصية أخرى غير ماجين كيلي، لكن فوكس أصرت على حقها في اختيار الأشخاص الثلاثة الذين يديرون المناظرة وكانت منهم كيلي، فبدأ ترامب يتحدث عن إمكانية عدم حضوره المناظرة، هنا أصدرت فوكس نيوز بيانًا لم تكتف فيه بالتمسك بكيلي، لكنها أيضًا سخرت من ترامب، وقوله: إن كيلي لم تكن عادلة في أسلوب معاملتها له أثناء المناظرة، فقال البيان، إنهم علموا من قنوات سرية بأن آية الله (في إيران) وفلاديمير بوتين سيعاملان ترامب بطريقة غير عادلة عند لقائهما به إن أصبح رئيسًا" في تسفيه واضح له.
عند هذه النقطة حسم ترامب تردده وقال: لا للمناظرة.
ومع عدم حضوره طغى السؤال: هل أضره ذلك أم جاء في مصلحته؟
في الحملات التقليدية فإن ذلك يضره بالتأكيد؛ لأنه فقد فرصته للحديث للناخبين مباشرة قبيل التصويت، كما أن المرشحين الآخرين اتهموه بإهانة الناخبين وتجاهلهم، لكن ترامب ليس مرشحًا تقليديًّا، وكل ما فعله في السابق كان من الممكن أن يدمر مرشحين آخرين لكنه زاده قوة، ولاشك أنه قامر بقراره عدم الحضور، ويري بعض المراقبين أنه ربما يكسب هذه المقامرة، فهو أولًا لم يتعرض لهجوم الآخرين عليه كما كان متوقعًا، كما أنه قد يدعم صورته بين الناخبين بأنه رجل قوي لا يبالي بمعاداة أقوى شبكة إخبارية، وعلينا أن ننتظر أيامًا حتى تكشف انتخابات الولاية عن النتيجة النهائية لهذه المقامرة.
لكن غياب ترامب غير الكثير من آلية وطبيعة المناظرة، فقد جعلها أقل إثارة وجذبًا للمشاهدين، وزادت جرعة المناقشة الجدية لبعض القضايا، وقد حاول كل مرشح الاستفادة قدر الإمكان من هذه الفرصة في غياب الشخص الذي يطغي بوجوده على الآخرين، والنتيجة أن أقرب منافسيه تيد كروز كان أكثر الخاسرين، فقد تركز عليه الهجوم بدلًا من ترامب، ودخل في جدل مع مديري المناظرة، مهددًا بإمكانية مغادرته، فتدخل المرشح المنافس السناتور ماركو روبيو وقال مداعبًا، إنه لن يغادر مهما كانت الأسئلة الموجهة ضده. وروبيو كان دائمًا الحصان الأسود في هذه المنافسة. فهو الآن في المركز الثالث في أغلب الاستطلاعات، ويتميز بأنه الاختيار الثاني لأغلب الناخبين، وبالتالي فهو المستفيد الأكبر من تراجع أو انسحاب أي مرشح، وهو يعتمد على أنه ربما يكون المرشح الأقوى بين الجمهوريين في الانتخابات العامة أمام المرشحة المحتملة هيلاري كلينتون. لكنه لم يكن يجيب عن الأسئلة مباشرة، فعندما سأله أحد المحاورين عن كيفية تحقيق وعده بتوحيد الحزب الجمهوري، أخذ يردد كلامًا يحظى بالتصفيق ضد هيلاري كلينتون، وأنه يستطيع هزيمتها دون التطرق للسؤال، ودون متابعة من المحاور لإجباره علي العودة للموضوع، فيما يمثل عيبًا واضحًا في مثل هذه المناظرات.
أحد أهم ما جاء في المناظرة كان فيديو قصير لفتاة تدعي نبيلة نور، وهي تعمل في (يوتيوب) بولاية بنسلفانيا، حيث تحدثت عن زيادة حوادث الكراهية ضد المسلمين لثلاثة أضعاف خلال العام الماضي، وسألت عما يمكن أن يفعله الرئيس القادم لتهدئة المشاعر المعادية للمسلمين. بالطبع كان ينبغي لهذا السؤال أن يوجه لترامب الذي تصدر العناوين بإعلانه ضرورة منع المسلمين من دخول أمريكا لمواجهة التهديد الإرهابي. لكن مع غيابه تم توجيه السؤال لجيب بوش الحاكم السابق لولاية فلوريدا وشقيق وابن رئيسين سابقين، بوش أجاب بعقلانية، مشيرًا إلى خطأ ترامب في ترديد هذا الكلام؛ لأنه لا يساعد أمريكا على إقامة تحالفات مع المسلمين في أنحاء العالم لهزيمة داعش، وقال، إن نبيلة وأمثالها ليسوا هم المشكلة، بل يجب الترحيب بوجودهم. كانت هذه لحظة جيدة لإعادة الثقة للمسلمين الأمريكيين لكن لا أظنها كافية. كما أن بوش ليست لديه فرصة كبيرة في هذه الانتخابات. فرغم أنه ـ من وجهة نظري ـ أفضل المرشحين الموجودين، إلا أن لغته الهادئة لا مكان لها مع ناخبين غاضبين يكافئون الأعلى صوتًا.
بقي أن نري النتائج النهائية لهذه المنافسة ومناورات المرشحين في الاستطلاع الحقيقي للرأي العام الاثنين القادم، عندما يتوجه الناخبون في أيوا إلى صناديق الاقتراع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة