تعودت على مناقشة القراء الذين يختلفون معى فى الرأى فى ضوء احترام حق الاختلاف، وممارسة التحليل النقدى فى ضوء آداب الحوار
تعودت على مناقشة القراء الذين يختلفون معى فى الرأى فى ضوء احترام حق الاختلاف، وممارسة التحليل النقدى لآراء المعارضين فى ضوء آداب الحوار حتى لو تجاوز بعضهم فى التعبير عن آرائهم تحت تأثير الغضب أو الإحباط أو اليأس نتيجة تغير الأوضاع التى كانوا يحبذونها، وخصوصا بعد سقوط حكم الإخوان الديكتاتورى فى 30 يونيو.
ويشهد على ذلك تعليقاتى على آراء القراء الذين كانوا يختلفون معى فى الرأى وخصوصا هؤلاء الذين يتبنون وجهات نظر الإخوان المسلمين بغير أدنى نظرة نقدية، أو يوافقون على كل ممارساتهم حتى التى حدث إجماع على أنها ممارسات منحرفة مضادة لقيم الديمقراطية. وقد أدى هذا الاتجاه العقلى المتعصب إلى ظاهرة تستحق التحليل النقدى وهى إنكار أن ما حدث فى 30 يونيو من احتشاد جماهيرى استجابة لحركة «تمرد» لإسقاط حكم الإخوان لم يكن سوى انقلاب عسكرى قامت به القوات المسلحة بقيادة السيسى حين كان وزيراً للدفاع.
وفى هذا تجاهل صارخ للحقائق الثابتة التى أصبح العالم فى الشرق والغرب يؤمن بها، بعد أن تيقنت مختلف الدول أن 30 يونيو هى موجة ثورية ثانية لم تقم إلا لتصحيح الانحرافات الجسيمة فى حكم الإخوان المسلمين، والذى قام على أساس إقصاء كل القوى السياسية، والانفراد بالحكم، والمضى بسرعة فى تنفيذ المخطط الاستراتيجى للجماعة فى «أخونة الدولة وأسلمة المجتمع».
وأنا فى الواقع أكتب هذا المقال لمناقشة الآراء التى تم طرحها فى رسالة إليكترونية أرسلها لى الدكتور على فرج الأستاذ بجامعة لويزفيل الأمريكية، والذى تعود على أن يدخل معى فى مناظرات متعددة للدفاع المطلق عن جماعة الإخوان المسلمين وحكمها المشوب بالانحراف الديموقراطى، وكذلك رداً على قارئ كريم أرسل لى رسالة على عنوانى بجريدة الأهرام ووقعها هكذا (م. م. م. م. م) حرصا على نفسه وهذا حقه المشروع. وليسمح لى القارئ الكريم - الذى أتجاوز عن الأوصاف السلبية التى وصفنى بها - لكى أعرض عليه وعلى الصديق على فرج وجهة نظرى المتكاملة فيما حدث بعد 25 يناير إلى 30 يونيو وما بعدها.
نجح الإخوان فى تمرير الاستفتاء الشهير الذى صاغت بنوده لجنة أغلبها ينتمون فكراً أو عضوية إلى جماعة الإخوان المسلمين، والذى كان مضمونه «الدستور أولاً أو الانتخابات أولاً». تمت الانتخابات وقام الإخوان بإضفاء شرعية دينية مزعومة على الانتخابات وسموها «غزوة الصناديق»! ويقصدون صناديق الانتخابات!
ونجحت «الغزوة» لأسباب متعددة منها الحشد الإخوانى المنظم، ومنها أن قطاعاً من الشعب أرادوا أن يعطوا الفرصة للإخوان للحكم وخصوصاً أنهم طوال سنوات ما قبل ثورة 25 يناير رفعوا شعار «الإسلام هو الحل»، بالإضافة إلى دعم تيار ليبرالى - وإن كان أعضاؤه البارزون قليلى العدد - ولكن منهم شخصيات شهيرة، والذين هرعوا إلى فندق «فيرمونت» ليبايعوا الدكتور محمد مرسى فى جولة الانتخابات الثانية بعد أن أخذوا عليه المواثيق بألا يستأثر الإخوان بالحكم.
ولا ننسى فى هذا الصدد أن الدكتور محمد مرسى حين كان مرشحا لمنصب رئاسة الجمهورية أدلى بتصريح تليفزيونى مهم ذكر فيه أن حكم الإخوان سيكون «مشاركة لا مغالية». وأذكر أننى اتصلت به تليفونياً عن طريق عصام العريان وقلت له لو طبقتم هذا المبدأ بأمانة فيمكن للناس أن يعطوكم ثقتهم.
وبعد ما حصل الإخوان على الأكثرية فى مجلس الشعب والشورى هم وحزب النور السفى صرح الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان بأنه «يبدو أن حلم حسن البنا فى استرداد الخلافة قارب على التحقق». ومعنى ذلك أن الإخوان المسلمين مصرون على قلب الدولة المدنية المصرية وتحويلها إلى دولة دينية بحيث تكون مصر مجرد ولاية من الولايات فى الخلافة الإسلامية المرتقبة. وكان هذا التصريح أول إشارة تنذر بخطورة الموقف لو نجح الإخوان المسلمون.
ثم رشح الإخوان بعد ذلك «خيرت الشاطر» لرئاسة الجمهورية - خلافا لوعدهم السابق بأنهم لن يقدموا مرشحا - وحين ظهر أنه ممنوع من مباشرة حقوقه السياسية رشح الدكتور محمد مرسى والذى نجح فعلا فأصبح رئيسا للجمهورية.
وعلى الفور باشر «مكتب الإرشاد» - والذى كان هو الحاكم الفعلى وليس الدكتور محمد مرسى - تطبيق مشروعه الاستراتيجى، وتم تشكيل لجنة تأسيس للدستور غالبيتها من الإخوان وظهر للعيان أنهم يريدون الهيمنة المطلقة على وضع الدستور وإقصاء كل القوى السياسية وعلى رأسها «جبهة الإنقاذ» من الإسهام الفعال فى وضع الدستور ولذلك انسحبت العناصر الليبرالية من اللجنة.
وتتالت الأحداث بعد ذلك وخصوصا حين حكمت المحكمة الدستورية العليا بحل اللجنة التأسيسية للعوار فى تشكيلها وحل مجلس الشعب.
وهنا بدأت مرحلة الانحراف السياسى الخطيرة التى مارسها مكتب الإرشاد. فقد صدرت الأوامر بحصار المحكمة الدستورية العليا لمنعها من إصدار أحكامها ببطلان اللجنة التأسيسية وحل مجلس الشعب، وتولت حركة «حازم أبو إسماعيل» المتحالف مع الإخوان حصار مدينة الإنتاج الإعلامى لإرهاب الإعلاميين، وتمت إقالة النائب العام وتعيين نائب عام إخوانى وفكر مكتب الإرشاد فى تعديل قانون السلطة القضائية بوضع حد أقصى لسن القضاء حتى يتسنى له فصل آلاف القضاة وتعيين عدد من المحامين الإخوانيين محلهم.
كانت هذه الخطوات المبدئية هى مقدمة الغزو الإخوانى المرتقب لكل مؤسسات الدولة بحيث يضمن مكتب الإرشاد تغيير طبيعة الدولة.
بعد صراع بالغ الحدة والعنف - وخصوصا بعد الاعتداءات الإخوانية الإجرامية على المتظاهرين السلميين أمام قصر الاتحادية - أصدر مكتب الإرشاد «الإعلان الدستورى» الشهير والذى تم فيه إعلان الدكتور مرسى رئيس الجمهورية ديكتاتورا مطلق السراح لأنه جمدّ عمل المؤسسات القضائية وحصن اللجنة التأسيسية وحصن مجلس الشعب من الحل.
ومعنى ذلك أن مكتب الإرشاد هو الذى نزع ـ عن طريق هذا الإعلان الباطل الذى رفضته جموع الشعب المصرى ـ الشرعية عن حكم الإخوان بجملته وعن الرئيس المنتخب.
ولا أريد أن أعيد سرد ما حدث فى 30 يونيو وما تلاه من إعلان خريطة الطريق فى 3 يوليو، والتى تضمنت ثلاث خطوات حاسمة هى إصدار دستور جديد وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية. وتمت كل هذه الخطوات وآخرها انتخاب برلمان جديد بتشكيل ديمقراطى فريد.
وقد تحول إنكار الإخوان للثورة الشعبية فى 30 يونيو إلى ممارسة صريحة للإرهاب الموجه ليس للسلطة فقط ورموزها، ولكن ضد الشعب المصرى نفسه.
ومن يتابع قنوات الإخوان التليفزيونية سيكتشف أن الجماعة لا تؤمن بالوطنية، كما أنها تهاجم القوات المسلحة على وجه الإطلاق، وتظن وهما أنها يمكن أن تعود للسلطة من جديد. وهذا فى الحقيقية وهم باطل وتخيلات مريضة لن يتاح لها التحقق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة