كثيرون من أهلنا يؤمنون بنظرية المؤامرة «بهوس» وهم الأقدر على التحدث بإسهاب شديد عن مخططات ومؤامرات أعداء مصر بالخارج الساعين لإيذائها
كثيرون من أهلنا يؤمنون بنظرية المؤامرة «بهوس» وهم الأقدر على التحدث بإسهاب شديد عن مخططات ومؤامرات أعداء مصر بالخارج الساعين لإيذائها، وهؤلاء ـ أعداء الخارج ـ يشكلون الخطر الأصغر الذى يهدد وطننا، ومن السهل هزيمتهم هزيمة نكراء.
الصعوبة الحقيقية ستجدها حاضرة على جبهة أعداء الداخل، فهؤلاء هم الخطر الأكبر الذى يستحق جل انتباهنا وتركيزنا الكامل ، للعمل على رفع أيديهم الملفوفة حول عنق بلدنا، وأعداء الداخل ثمانية.
العدو الأول: تجار الوطنية الذين يطلقون حناجرهم أمام كاميرات الفضائيات، وعبر مقالاتهم النارية فى الصحف السيارة، وتكاد عروقهم تنفجر من كثرة صراخهم، واستهجانهم، وتخوينهم للناس بالحق وبالباطل، ويمنحون نياشين وأنواط الوطنية لمَن يسايرهم ويروج أفكارهم الغثة، وينزعونها عمَن يسير فى اتجاه يخالف اتجاهاتهم، ويوحون إليك من كلامهم وتصرفاتهم بأنهم حراس أشداء على الوطنية التى يغارون عليها غيرة الحبيب الولهان على حبيبته مع أنهم أبعد ما يكونون عنها، لأنهم أصحاب مطالب ومصالح وأهواء وجاهزون للتلون بحسب اللون السياسى السائد، فهم ليسوا أهل مواقف بل أهل مصالح ومنافع.
العدو الثانى: دعاة اليأس والقنوط الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب، ولا يكفون عن التقليل من قيمة أى انجاز يتحقق على أرض الواقع، ويرفضون ما يُطرح من مشاريع كبرى بدعوى أنها عديمة الجدوى، ولا يفعلون شيئا سوى التبكيت والعويل، وأن استقصيت عن اقتراحاتهم ومشروعاتهم البديلة فلن تعثر عليها، فوظيفتهم فى الحياة هى الرفض لمجرد الرفض، والمعارضة لمجرد المعارضة، هؤلاء خنجر مسموم تطعن به مصر بيد بعض أبنائها الذين ارتضوا أن يكونوا أبواقا لجماعات وأحزاب كريهة بغيضة تريد بقاء بلادنا محلك سر.
أما العدو الثالث: فهو إحجام المسئولين الكبار والصغار عن امتلاك شجاعة اتخاذ قرارات حاسمة، خشية العواقب المتمخضة عنها، ومن بينها توجيه اتهامات إليهم بإهدار المال العام وخلافه، وتشريفهم فى «أرميدان» إلى جوار المجرمين والقتلة وأرباب السوابق والبلطجة، وحكى لى مسئول كبير أن بعض الوزراء يخافون من التوقيع على أى أوراق توضع أمامهم. الخوف من حسم القضايا والأمور الشائكة انتظارًا لما يصلهم من تعليمات من المسئول الأعلى يتسبب فى استفحال المشكلات وتحولها لوحش كاسر تستهلك مواجهته الطاقات، والأذهان، والوقت، فلو أن المسئولين فى المحافظات قاموا بواجباتهم، كما ينبغى، لما كان حال المحليات مثلما نراه الآن من انهيار فى الخدمات العامة، وتفشى الأمراض، وقلة فرص العمل المتاحة، وإثقال كاهل العاصمة وغيرها من مدننا الكبرى بآلاف النازحين من القرى الباحثين عن مصدر رزق حلال، واحتلالهم الشوارع والأرصفة لبيع بضائع مجهولة الهوية والمصدر، وكم سيكون عظيمًا ومثمرًا توقف المسئولين عن تصدير بياناتهم وتصريحاتهم بعبارة « بناء على تعليمات السيد الرئيس»، فهم يحملون الرجل أكثر من طاقته، وهو يحتاج لمَن يساعده وليس لمَن يزيد من الأعباء عليه.
العدو الرابع: اختلال آليات اختيار القيادات فى بعض المواقع، فلا يزال المعيار الحاكم والشائع على ما سواه هو التربيطات والشللية، والاستلطاف، والاستظراف، ومن ثم نفقد كفاءات ومواهب كثيرة تُجبر وتُكره على الانزواء فى ركن بعيد، أو يصيبها الإحباط، أو تبحث عن بلد يقدر الكفاءات للهجرة إليه. وتعد هذه المسألة عاملا مهمًا وراء ضعف أداء عديد من المؤسسات المدعوة للتفتيش عما تحت يدها من عناصر ذات كفاءة والاعتماد عليها، فإن برهنت عمليا على كفاءتها وقدراتها القيادية فهذا ما نرجوه ونبحث عنه، وإن حدث العكس يكفينا شرف المحاولة، والتدليل على أن الكفاءة هى القاطرة للمناصب وليس خفة الدم، والحنجلة، وشغل التلات ورقات.
العدو الخامس: سياسة رد الفعل وليس الفعل، فنحن ننتظر وقوع المصيبة، ثم نبدأ فى التحرك، نتحرك بعد أن يكون الوقت قد تأخر ووقعت الواقعة، ونثقل بما ينتج عنها من أضرار وكوارث تضربنا اقتصاديًا وماليًا وسياسيًا، وأتعجب لماذا لا نكون مستعدين وجاهزين بتشكيل خلايا أزمة تعمل من الثانية الأولى وتعد سيناريوهات المواجهة بدلا من الارتباك والتخبط؟
على سبيل المثال لماذا انتظرنا صدور قرار حاد ضد مصر من البرلمان الأوروبى الذى ناقش قضية مقتل الطالب الايطالى ريجينى الأسبوع الماضى، وأين كانت دبلوماسيتنا الاستباقية، وبعد أن جرى ما جرى انتظرت وزارة الخارجية 24 ساعة للاعلان عن الرد المصرى، لماذا الانتظار؟ كنت أتوقع أن تهيئ الخارجية نفسها وهى تعلم بموعد ومكان صدوره للرد فورًا عليه. هناك عتاب على الخارجية بهذا الشأن، فدول أقل منا مكانة وثقلا تنجح فى اجهاض قرارات تخصها من خلال التحرك السريع داخل المنظمات والهيئات الدولية، أو تخفف من حدتها وآثارها السلبية كأضعف الايمان.
العدو السادس: عدم الانضباط الاجتماعى، فالمصريون أساتذة فى فنون الانتقاد والهجوم والاشارة لمواضع السلبيات ومكامن الخلل، لكنهم يحجمون عن الكلام المباح عن دورهم فيما نقاسيه من متاعب، فنحن نجأر بالشكوى ليلا ونهارًا من المرور وأحواله الباعثة على الغيظ وحرقة الأعصاب والدم، بينما لا نلتزم بأبسط قواعد المرور، ولا نحترم الاشارات الضوئية، ونسير عكس الاتجاه، ونشتكى من الزبالة المتراكمة، ثم نلقى دون أن يهتز لنا طرف بقمامتنا فى أقرب مكان للمنزل، وبعدها نتساءل عن سر عدم تقدمنا.
العدو السابع: الاستهزاء بالأصوات الصادقة الداعية للتغيير، ومن المعارضين الذين يعارضون من فوق أرضية وطنية خالصة وليس أرضية تركية، أو قطرية، أو اخوانية، فجزء حيوى وضرورى من اصلاح مصر يتصل بتشييد نظام سياسى صلب عماده الديمقراطية، والانتخابات الحرة، وتداول السلطة، والمعارضة القوية، وبرلمان عَفِى يعى سلطاته ومهامه.
ويبقى العدو الثامن وهو الفاسدون، وهؤلاء ليسوا مقصورين على من يتلقى رشوة لإنهاء مصلحة ما، بل أيضا الذين يتقاعسون عن العمل بحجة « على قد فلوسهم»، ومن يرى الخطأ ولا يشير إليه، ويسعى لإصلاحه، ومن ينشرون الشائعات والأخبار المغلوطة، ومن يهيجون زملاءهم للاضراب وإسكات الماكينات .. الخ. ياسادة هؤلاء هم ألد الأعداء فماذا نحن فاعلون؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة