لماذا يلجأ جيش إسرائيل لجنود مصابين بالتوحد للمهمة الأكثر سرية؟
لماذا يجند الجيش الإسرائيلي جنودًا مصابين بالتوحد؟ سؤال طرحته صحيفة «التلغراف» البريطانية، كاشفة عن «مميزات» يتمتع بها هؤلاء الجنود، جعلتهم في أكثر الوحدات العسكرية «سرية».
فلكونهم لديهم تفوق نوعي على الآخرين، فهذا سبب كافٍ جعل من هؤلاء المجندين المصابين بالتوحد، الخيار الأمثل للجيش الإسرائيلي، لتسليمهم مهمة الدفاع عن حدود الدولة العبرية، لكن دون مهام قتالية.
فماذا نعرف عن هؤلاء المجندين؟ وأين يخدمون داخل الجيش؟
تقول صحيفة «التلغراف» البريطانية، في تقرير لها، إن عدد المجندين المصابين بالتوحد الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي (من القوات الجوية إلى البحرية إلى الجيش) في مواقع غير قتالية يبلغ نحو 400 شخص، مشيرة إلى أن جزءًا صغيرًا منهم فقط يعملون في اثنتين من أكثر وحدات الاستخبارات السرية التابعة للجيش.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن الوحدتين هما «9900» المسؤولة عن تحليل وجمع المعلومات الاستخباراتية من الأقمار الصناعية وطائرات المراقبة على أن يتم إرسالها بعد ذلك إلى القوات في ساحة المعركة، أما الوحدة الثانية فهي «8200» ومهمتها أشبه بجهاز الاستخبارات البريطاني، وتتمثل في تقديم رؤية استخبارية متكاملة مع المعلومات التي توفرها المصادر البشرية القائمة على العملاء.
وقبل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي «شوهت» سمعة وكالات الاستخبارات الإسرائيلية، كان المحللون يعتبرون الوحدتين: 9900 و8200 من بين أقوى الوحدات من نوعها في العالم، حيث تحافظ على سلامة المدنيين من الهجمات الداخلية، والتهديدات الخارجية.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن الالتحاق بأي من الوحدتين كان منذ فترة طويلة مصدر فخر لأي إسرائيلي، لكنّ فقط أصحاب العقول الذكية والأكثر اهتمامًا بالتفاصيل، هم من كانوا يلتحقون بهما، وهذا هو السبب وراء اختيار المراهقين المصابين بالتوحد في كثير من الأحيان.
ويقول اللفتنانت كولونيل روتيم صباغ، رئيس دائرة «ميتاف» في الجيش الإسرائيلي، التي تتعامل مع المجندين الجدد: «من الواضح أن لديهم تفوقا نوعيا على الجنود الآخرين، ولهذا السبب يجدون أنفسهم في وحدات الأمن الرقمي والاستخبارات».
وأوضح المسؤول العسكري الإسرائيلي، أن القدرات التي ترتبط غالبًا بالتوحد؛ كالقدرة على التركيز، وتذكر تفاصيل محددة بشكل جيد للغاية، تساهم في تفوقهم.
ما إجراءات ضم المجندين؟
تقول «التلغراف»، إنه بمجرد الموافقة على تعيين جندي مصاب بالتوحد في فريق استخبارات - وهي عملية يمكن أن تستغرق وقتًا، يتم استخدام ذاكرته الفوتوغرافية ومهاراته المعرفية في مجموعة من الوظائف؛ أبرزها: تحليل الصور الجوية، وجمع البيانات الجغرافية، ورسم الخرائط ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى مهام أخرى.
«وفي المقابل، فإن هؤلاء الأفراد، الذين ربما لم يتصوروا أبدًا، عندما كانوا أطفالًا، أن يلعبوا مثل هذا الدور الحيوي لبلدهم يستمتعون بخدمة عسكرية مليئة بالتحديات ومثيرة للاهتمام»، يقول المقدم صباغ، مضيفًا: «ما نحب أن نقوله في الجيش هو أن هذا مكسب للجانبين».
«استقلالية عالية واحتياجات أقل»، هذه هي قيمتهم بالنسبة للجيش الإسرائيلي؛ الذي عمد إلى إنشاء فريق كامل ضمن الوحدة 9900، من الجنود المصابين بالتوحد، أطلق عليه اسم: «برنامج رويم راشوك (RR)» - الذي يعني بالعبرية: «ما وراء الآفاق البعيدة».
ويقول الجيش الإسرائيلي: «إن العمل المنجز في برنامج RR يتم إلى حد كبير بالتعاون مع الفروع الأخرى للوحدة 9900. إنهم يستخدمون صور الأقمار الصناعية وخرائط لفهم المشهد الجغرافي لإسرائيل والدفاع عن حدودها».
لكن الالتحاق بـ8200، أو 9900، أو أي من وحدات الاستخبارات العديدة الأخرى التابعة للقوة ــ وبعضها سري للغاية إلى الحد الذي يجعل الإسرائيليين يرفضون الاعتراف بوجودها.
وتقول الصحيفة إنه على هؤلاء الراغبين في الالتحاق بالوحدتين، الحصول على مكان في برنامج Titkadmu التابع للجيش الإسرائيلي، والذي يحدد ما إذا كان الشخص المصاب بالتوحد مناسبًا للخدمة فيهما، ويقدم الدعم لأولئك الذين يتم قبولهم.
لماذا المصابون بالتوحد؟
وتشير الأبحاث إلى أن المصابين بالتوحد يمكن أن يكونوا مجهزين تجهيزًا جيدًا للتعامل مع متطلبات الخدمة في وحدة مثل 9900.
فـ«مجموعة متزايدة من الأبحاث تظهر أن المصابين بالتوحد يتفوقون على الأطفال والبالغين الطبيعيين عصبيًا في مجموعة واسعة من المهام الإدراكية، مثل اكتشاف نمط ما في بيئة مشتتة للانتباه»، تقول لوران موترون، أستاذ الطب النفسي بجامعة مونتريال، في مقالة نشرتها صحيفة «ديلي ميل» البريطانية.
وأضافت أن معظم الأشخاص المصابين بالتوحد «يتفوقون في المهام السمعية (مثل تمييز درجات الصوت)، والكشف عن الهياكل البصرية، والتلاعب العقلي بالأشكال المعقدة ثلاثية الأبعاد».
وشهدت إسرائيل، مثل العديد من الدول المتقدمة، ارتفاعا في حالات التوحد في العقود الأخيرة. ووفقا للجمعية الإسرائيلية للأطفال والبالغين المصابين بالتوحد، فإن تشخيصات مرض التوحد تتزايد بمعدل 13% سنويا.
من بين هؤلاء المنضمين لهاتين الوحدتين، العريفة (ن) التي تبلغ من العمر 19 عاما، والتي فقدت شقيقتها في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إن تلك المجندة واحدة من العديد من الإسرائيليين الذين أثبتت «قدراتهم المعرفية» أنها لا تقدر بثمن
وتقول العريفة «إن»: «لقد زاد عبء العمل عليّ بشكل كبير منذ بداية الحرب. إنه عمل على مدار الساعة. ولكي أقوم بعملي، يجب أن أكون أكثر وعياً».
لكن ما هي وظيفتها بالضبط، لا تزال غامضة وسرية، إلا أن هذا الغموض ينبع من حقيقة أن العريفة «ن»، البالغة من العمر 19 عامًا فقط، تخدم في وحدة استخبارات تابعة للقيادة الجنوبية لجيش الدفاع الإسرائيلي، وهي مهمة تتفوق فيها، بحسب الصحيفة البريطانية.
وتؤكد العريفة «ن» أنها «لا تستطيع حقًا التحدث عن معظم جوانب منصبها»، ولا تقدم أي معلومات حول وحدة الاستخبارات التي تخدم فيها، لكنها تزعم أن «الدقة هي صفة أساسية هنا لمتطلبات عملي».
وفي هذه الفترة، تحسنت المواقف المجتمعية تجاه الأشخاص المصابين بالتوحد - لكن ليس بشكل كامل - مما يمهد الطريق للمراهقين مثل العريف «ن» لإثبات جدارتها.
والخدمة العسكرية إلزامية لمعظم الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا في إسرائيل، حيث يُطلب من الرجال الخدمة لمدة 32 شهرًا والنساء لمدة عامين، لكن ليس أولئك الذين يعانون من حالات عقلية أو جسدية، مثل التوحد.