أول ما يلاحظ على تصريحات وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي، مؤخراً، حول رؤية الإمارات لتحقيق الاستقرار وإعادة إعمار غزة أنها اتسمت بالشمول والاقتراب من المأساة الحالية الحاصلة في قطاع غزة من منظور أوسع يتناول القضية الفلسطينية ككل.
يعكس الرؤية بعيدة المدى لدولة الإمارات في تناول القضايا والتطورات، حيث تتطلع السياسة الإماراتية دائماً إلى المدى البعيد والمستقبل وطرح أفكار عملية ومبتكرة لا تتشكل وفق مستجدات وقتية أو أحداث قد تتغير نتائجها بعد فترة زمنية غير بعيدة.
وبنفس المنطق، فإن الوزيرة ريم الهاشمي في نقلها الدقيق لموقف دولة الإمارات من تطورات الوضع في غزة، ذهبت مباشرة إلى عمق القضية الفلسطينية وحددت جوهر المشكلة المزمنة فيها، وكذلك التبعات المترتبة على عدم حلها. فربطت "إحلال الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة" كغاية تسعى إليها بالتأكيد كل الدول المحبة للسلام والاستقرار والتنمية، بإيجاد "حل مستدام وعادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي" وتحميل المحتل مسؤولية التجاوب مع الإرادة الدولية.
وفي هذا الموقف الإماراتي الذي يتسم بالحزم هو: رد واضح وقاطع على أي مقولات وتفسيرات تتردد أو محاولات لوضع عناوين زائفة للخطوات التي اتخذتها بعض دول المنطقة، ومنها الإمارات، بإنهاء القطيعة مع إسرائيل وترك الباب موارباً أمام إقامة علاقات طبيعية وسلمية معها. وقد سبق لدولة الإمارات التأكيد على أن هذا التوجه التعاوني والانفتاح بروح إيجابية على التعاون مع أي دولة في العالم، ليس توجهاً مطلقاً أو دعوة مجانية لإقامة علاقات وسلام سياسي وتعاون اقتصادي بلا مبادئ ينطلق منها أو قواعد تحكمه.
طالما أكدت دولة الإمارات أن السلام الكامل مع إسرائيل مشروط بحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً ونهائياً.
بوضوح، كانت كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي، تحتاج بالفعل ذلك الرد من جانب دولة الإمارات. وإن لم تُشر الوزيرة ريم الهاشمي بشكل محدد إلى كلمة نتنياهو، ربما لأنه لم يذكر دولاً بالاسم، فذكر فقط أن الاتفاقات الابراهيمية فتحت الطريق نحو تشكيل تحالف بين إسرائيل و"دول عربية" وأضاف جملاً غامضة تحمل كثيراً من العمومية وتحتمل الالتباس في معناها وتوحي بأن تلك "الدول" العربية متحالفة مع تل أبيب بشكل كامل ومطلق، وأن ثمة تنسيقاً أو تعاوناً في تحركات إسرائيل تجاه غزة ومجمل القضية الفلسطينية.
ولأن تلك الإيحاءات في حقيقتها مزاعم لا أساس لها وادعاءات زائفة، فإن نتنياهو تجنب تحديد الدول التي يقصدها. لكن لقطع الطريق على أي تفسيرات أو تأويلات وتوضيحاً للحقائق، بادرت الإمارات (على لسان الوزيرة ريم الهاشمي) إلى إعادة تأكيد مواقفها الثابتة والمبدئية تجاه الوضع في قطاع غزة والقضية الفلسطينية ككل.
وليس أدل على ذلك، من اشتمال الموقف الإماراتي الذي أوضحته وزيرة الدولة للتعاون الدولي، على تفاصيل محددة ودقيقة بشأن مستقبل القضية والحل الوحيد النهائي الذي يضمن إنهاء ذلك الصراع. وهو الحل القائم على مسار سياسي بالأساس، ينطلق من فكرة "الدولتين" بما يعنيه ذلك من إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش في سلام واستقرار جنباً إلى جانب دولة إسرائيل.
وحرصت دولة الإمارات على توضيح ضرورة الالتزام في تطبيق هذا الحل، بالقانون الدولي والاتفاقيات الثنائية. وذلك لتجنب أية محاولات أو تصورات تخالف القانون الدولي، أو خطط مستقبلية من شأنها الانتقاص من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، سواءً مادياً على الأرض أو قانونياً بفرض حلول وتفاهمات مُجحفة.
من النقاط المهمة التي ينبغي التوقف عندها في تصريحات الهاشمي، أن الغاية المشتركة للفلسطينيين والإسرائيليين بالتوصل إلى حياة آمنة وسلام مستدام، لا يمكن إدراكها بالعودة إلى "الوضع المأساوي الذي كان سائداً قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".
وهو ما يعكس إدراك الدولة لطبيعة المتغيرات والمفاجآت التي صاحبت وأعقبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، وما ترتب عليها من تداعيات لا يمكن إنكارها وتتطلب حتمية التعاطي معها بواقعية وعقلانية أيضاً ودون تشنج لصالح جميع دول المنطقة.
وكان لافتاً التشديد على أهمية تحمل إسرائيل مسؤولياتها كدولة احتلال، خصوصاً فيما يتصل بالوضع الإنساني، وعدم إمكانية إعادة بناء غزة أو أن يعيش الفلسطينيون مجدداً تحت الحصار. فضلاً عن ضرورة وقف بناء المستوطنات والعنف في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، وأعتقد أن مثل هذه الشهادة تؤكد نية المساعي الإيجابية لدولة الإمارات.
ولا شك أن في هذا التحديد الواضح من الإمارات للحقوق والمسؤوليات، ما ينفي كلية ونهائياً ما حاول بنيامين نتنياهو تمريره عن وجود تحالف أو تفاهم أو توافق حول السياسات والممارسات الإسرائيلية المرفوضة بالمطلق، ضد المدنيين الفلسطينيين.
غير أن تحمُّل دولة الاحتلال مسؤولياتها، لا يتعارض ولا يغني عن الاستمرار في تقديم المساعدات والعون اللازم للفلسطينيين وربما هذا ما أكدته إرسال أكبر سفينة مساعدات إلى غزة يوم الخميس الماضي وذلك ضمن عملية "الفارس الشهم3"، مع تشجيع كل الأطراف والجهات القادرة على ذلك والمعنية بإحلال السلام والاستقرار في المنطقة وضمان حياة آمنة لكل شعوبها وفي مقدمتهم الفلسطينيون.
ومن هنا جاء التذكير بقيام الإمارات بدور جوهري وحيوي في مساندة الشعب الفلسطيني اقتصادياً وإغاثته إنسانياً ودعمه سياسياً. وتجديد الالتزام والتمسك بهذا الدور كواجب قومي وأخلاقي وإنساني تجاه الشعب الفلسطيني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة