"العين الإخبارية" تفتح ملف الهجرة إلى أوروبا.. لماذا يتنازل أفريقي عن جنسيته ليلعب كرة قدم؟
ألقت تهنئة رئيس جمهورية كينيا، وليام روتو، للمنتخب الأرجنتيني لفوزه بكأس العالم 2022، على من أسماهم بالمنتخب الأفريقي، الضوء على أسباب الهجرة الإرادية للأفارقة لممارسة كرة القدم في أوروبا.
وعقب فوز الأرجنتين على فرنسا، غرد الرئيس الكيني، على حسابه الرسمي بموقع "تويتر" قائلا: "مبروك للمنتخب الأرجنتيني فوزه بكأس العالم"، قبل أن يتابع قائلا: "فريقنا الإفريقي المشارك في كأس العالم لعب مباراة رائعة".
تغريدة الرئيس الكيني حملت في طياتها رسائل اجتماعية ورياضية، وفتحت المجال أمام تساؤل بشأن أسباب الهجرة الإرادية لأوروبا، وتنازل بعض الأفارقة ربما عن جنسياتهم من أجل أن يلعب كرة القدم لنادٍ أوروبي.
هروب اقتصادي
وفي هذا الشأن، تفند الدكتورة رانيا محمد بهاء الدين، أستاذ الاجتماع السياحي بجامعة المنصورة المصرية، أسباب التباين في سلوكيات الأفراد بين المشاعر الحماسية الكارهة لأوروبا من جهة، والتناقض في الأفعال في بعض الأحيان متى تعلق الأمر بالارتقاء الاجتماعي أو الاقتصادي من خلال السفر الخارجي لأي دولة أوروبية.
وتنوه بهاء الدين، في حديثها لـ"العين الإخبارية"، إلى أنه في الخلفية الاجتماعية تظل فكرة الرفض الشعبي لأي سلوكيات ارتكبها المستعمر في قديم الزمان حاضرة في ذاكرة الشعوب بشكل جمعي ويسهل استحضارها من آن لآخر، وهذا الشعور يظل متفاقما ومفهوما بشكل كبير في ظل التطور المشهود واتساع وسائل التواصل الاجتماعي بين الشعوب، وسهولة استحضار ومعرفة الماضي بشكل ميسر، فضلا عما هو مخزن في الموروث الشعبي للشعوب التي عانت لسنوات طويلة من ويلات الحروب والاستعمار.
وأضافت أستاذ الاجتماع السياحي أن الأعمال الدرامية كانت عاملا مساعدا على تأصيل فكرة الاستغلال الأوروبي للشعوب الإفريقية بشكل كبير، وليس من الآن فقط بل من سنوات عدة، ويظل حاضرا ويستحضر بشكل كبير في أي مناسبة سواء كانت رياضية أو غير رياضية متى كان تفيد تلك الدول.
وحول أسباب الهجرة الإرادية للأفارقة إلى قارة أوروبا، تقول بهاء الدين إن هذا الأمر ربما يرجع في الأساس إلى أن التأجيج السياسي الذي يلجأ إليه بعض السياسيين، لن يستطيع التأثير الكلي على رغبة الشعوب في النهوض بأنفسهم والارتقاء بمستوى معيشتهم اقتصاديا واجتماعيا ورياضيا، ولذاك فإنهم سيجنحون في أي فرصة حقيقة للتقدم والرقي للهجرة الإرادية من أجل مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.
الأكاديميات الأوروبية في أفريقيا
ويرجع المحلل الاجتماعي والسياسي التونسي المقيم في فرنسا، نزار الجليدي، أسباب رغبة الأفارقة للجوء إلى أوروبا، إلى ما يسميه بقانون الحاجة وقانون الضعف.
وأشار الجليدي إلى أن هذا القانون يفرض سطوته على بعض دول قارة أفريقيا، وبناء عليه يلجأ أي محتاج أو ضعيف متى سنحت له الفرصة إلى الهجرة إلى دول أوروبا بشكل كبير، كونها توفر بكل تأكيد معيشة اقتصادية واجتماعية أفضل بكثير من كثير من الدول الإفريقية، ولهذا يلح أبناء أفريقيا على الهروب من دولهم.
سبب آخر يدفع أبناء القارة السمراء إلى الهجرة إلى أوروبا وبالتحديد في المجال الرياضي وكرة القدم بوجه خاص، وهو لجوء العديد من المدارس والأكاديميات الرياضية الأوروبية إلى إقامة مقرات لها داخل الكثير من دول أفريقيا، بهدف استثمار موهبتهم لاحقاً ويتم استقطابهم وربما أسرهم إلى أوروبا متى ظهرت موهبتهم في سن صغيرة، وبالتالي يحصلون على الجنسية ويمثلون منتخبات أوروبية رغم أصولهم الإفريقية، بحسب الجليدي.
لكن الجليدي يؤكد لـ"العين الإخبارية"، أن العقلية الأفريقية بشكل جمعي ما زالت ترى بشكل كبير أن الكثير من الدول الأوربية كانت سببا رئيسيا في عدم تقدمهم ونهب ثرواتهم، غير أن هذه الرؤية لا تؤثر كثيرا في قرار الهجرة إلى أوروبا وإلى الدول التي استعمرتهم متى كانت الفرصة سانحة لذلك.
استغلال وحوافز
وعلق الباحث المصري في الشأن الإفريقي خليل منون، على أسباب ظاهرة انتشار تمثيل لاعبي كرة قدم من أصول أفريقية منتخبات أوروبية، بأن السبب في ذلك يرجع إلى قدرة القارة الأوروبية وبشكل علمي ومدروس على استغلال الموارد البشرية الأفريقية خلال القرنين الماضيين.
ويضيف منون لـ"العين الإخبارية"، أن الاستغلال الأوروبي كان منظما من خلال مؤسسات رياضية تتفوق بكثير عن من تنافسها أفريقيا، الأمر نفسه امتد للمجالات العلمية والدراسية من خلال بعثات لطلاب من أفريقيا إلى أوروبا، وبمجرد تبين نبوغ أي منهم يحصل على امتيازات لا يحصل عليها في بلده الأصلي، وبالتالي يمثل بلده الأوروبي الجديد بعد تجنيسه.
في الوقت نفسه تفرغ القارة الأفريقية من الأكفاء، وتستنزف ثرواتها البشرية التي هي عماد قارتها لصالح أوروبا، ما ينتج تطورا أوروبيا متلاحقا وتراجعا إفريقيا في الجهة المقابلة.