الحراك الجزائري يدخل عامه الثاني.. نجاحات أكيدة ومستقبل ضبابي
عام يمر على أضخم مظاهرات شعبية وأطولها في تاريخ الجزائر.. "العين الإخبارية" تستعرض أبرز محطات الحراك الشعبي بالجزائر
ساعات قليلة فقط ويتم الحراك الشعبي في الجزائر عامه الأول، الذي انطلق في 22 فبراير/شباط 2019، ليكون ذلك التاريخ محطة حاسمة ومفصلية في تاريخ هذا البلد العربي، الذي خرج شعبه مطالباً بالتغيير الجذري للنظام وسياساته.
- هل يغير الحراك الشعبي خارطة الانتقال السياسي في الجزائر؟
- "العين الإخبارية" ترصد المراحل الانتقالية التي مرت بها الجزائر
22 فبراير/شباط، اعتبره الجزائريون عيد لميلاد التغيير في بلادهم، وإن كان إطفاء الحراك الشعبي "شمعته الأولى" لن يكون فقط باستذكار ارتدادات "الزلزال السياسي"، فرغم تراجع الزخم ما زال متواصلاً، ليسجل بذلك "أطول احتجاج شعبي في تاريخ الجزائر".
حراك بدأ بـ"غضب" على "ترشح أو ترشيح" الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة، رغم وضعه الصحي المتردي، فخرجت الملايين لتهز عرشه نظامه الذي حكم 20 سنة كاملة، وأُدخلت غالبية أركان نظامه السياسية والمالية والأمنية السجون بتهم فساد وتآمر، عقب استقالته، حيث بات أول رئيس في تاريخ الجزائر تجبره احتجاجات شعبية على الانسحاب من السلطة.
ودخلت الجزائر في أزمة سياسية خطرة "كادت تعصف بوجودها" وفق تصريحات مسؤوليها، كان فيها للجيش دور "حاسم وحازم" في إنقاذ البلاد بمرافقة مطالب الحراك الشعبي وتجنيبها الوقوع في فخ أزمة التسعينيات، رغم اعتراض جزء من الشارع على ذلك الدور.
وعقب مخاض عسير، تجاوزت الجزائر أزمتها السياسية وشبح الفراغ الدستوري بانتخاب ثامن رئيس للبلاد، "شكل بداية قطيعة مع ممارسات وسياسات العهد البائد"، كما قال عبدالمجيد تبون الذي خلف بوتفليقة في قصر "المرادية" الجمهوري.
وفي هذا التقرير، تستعرض "العين الإخبارية" أبرز المحطات التي مر بها أول حراك شعبي في الجزائر، من خلال 3 مراحل رئيسية.
المرحلة الأولى.. مظاهرات تنهي حكم بوتفليقة
مرحلة بدأت في 18 يناير/كانون الثاني 2019، بعد استدعاء الرئاسة الجزائرية الهيئة الناخبة لإجراء انتخابات الرئاسة في 18 أبريل/نيسان، ومعها بدأت التكهنات حول ترشح بوتفليقة لخامس عهدة في مشواره السياسي، بسبب وضعه الصحي الذي ألزمه التواري عن الأنظار إلا نادراً.
حسم بوتفليقة موقفه، أو "حُسم له الموقف"، وأعلن في رسالة نقلتها وكالة الأنباء الرسمية في 10 فبراير/شباط 2019 ترشحه لولاية خامسة، وهو على كرسي متحرك.
"ترشح صامت" كحال الولاية الرابعة التي لم يسمع فيها الجزائريون صوت رئيسهم، ولم يروه فيها إلا نادراً وهو يستقبل بعض زعماء الدول بوجه شاحب وجسم ضعيف، وذراع بالكاد تتحرك.
لم يكن رد فعل الجزائريين على رغبة رئيسهم في إكمال "ربع قرن" في الحكم "صامتاً مثل ترشحه"، وبدأت الاحتجاجات الشعبية تخرج من مدينة إلى أخرى ومن محافظة لمحافظة، قبل أن تتلاحق الأحداث على نحو درامي.
وفي 19 فبراير/شباط 2019، خرج غالبية سكان محافظة خنشلة (شرق) في مظاهرة حاشدة، قاموا خلالها بإنزال صورة ضخمة لبوتفليقة على واجهة مبنى كبير وسط المدينة، وقاموا بتحطيمها، ثم اقتحم مجموعة من المحتجين مقر البلدية وشرعوا في إسقاط إطارات تحمل صورة "الرئيس المغضوب عليه" رافضين ترشحه للرئاسيات، في مشهد غير مألوف في هذا البلد الغني بالنفط.
سرعان ما انتقلت تلك المشاهد والمظاهرات إلى مدن أخرى، من خراطة وقسنطينة ومنطقة القبائل (شرق) والعاصمة وبومرداس (وسط) ووهران وغليزان ومستغانم (غرب).
الجمعة 22 فبراير/شباط 2019، كانت البلاد على موعد استثنائي، واتسعت رقعة الرافضين لترشح بوتفليقة لتشمل جميع محافظات ومدن البلاد، في سابقة لم تشهدها البلاد من قبل، وخرج الجزائريون في مظاهرات مليونية قدرت أعدادها بأكثر من 15 مليون متظاهر، مرددة شعاراً واحداً "لا للعهدة الخامسة".
لم تصل أصوات الجزائريين إلى الرئاسة التي سارت و"كأن شيئاً لم يحدث"، وغادر بوتفليقة البلاد في 24 فبراير/شباط متوجها إلى جنيف لإجراء فحوصات طبية "روتينية" بـ"اسم مستعار"، قبل أن تتوالى الأخبار عن تدهور وضعه الصحي، ودخلت البلاد في حالة من الترقب، وتضاربت الأنباء حول حقيقة مرض الرئيس المترشح البالغ من العمر 81 عاماً.
وفي 10 مارس/آذار 2019، عاد بوتفليقة إلى الجزائر، لم يجد خلالها استقبالاً رسمياً كالمعتاد، بل وجد استقبالاً شعبياً من نوع آخر؛ مظاهرات حاشدة تطالبه بالعدول عن الترشح لولاية رئاسية جديدة.
ولامتصاص غضب الشارع، أعلن الرئيس الجزائري السابق في 11 مارس/آذار "عدوله" عن الترشح لولاية خامسة، وتأجيلا مفاجئا لانتخابات 18 أبريل/نيسان، وأعلن اتخاذ قرارات عدها "استجابة لمطالب الشعب ولتهدئة تخوفات الجزائريين"، كما ورد في رسالته.
وفي خطوة لاحقة أقال حكومة أحمد أويحيى، وكلف وزير داخليته نورالدين بدوي بتشكيل حكومة لم تظهر إلا قرابة شهر من تعيينها، كما قرر التمديد لولايته الرئاسية الرابعة بتاريخ غير محدد، ربطه بندوة وطنية مستقلة وشاملة، مع منح البرلمان صلاحيات التأسيس لنظام سياسي جديد.
خطوة لم تهدئ الشارع الثائر كما أريد لها، خصوصا عندما تضمنت رسالة بوتفليقة اعترافاً بـ"عدم علمه بالترشح لولاية خامسة"، قال فيها إنه "لا محلَّ لعهدة خامسة، بل إنني لم أنوِ قط الإقدام على طلبها، حيث إن حالتي الصحية وسِنّي لا تتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري".
فأدى الجزائريون الواجب بدلاً عن رئيسهم في "إنقاذ البلاد من جهات غير دستورية تحكم البلاد من وراء الستار"، وتواصلت المظاهرات الرافضة لـ"التمديد للعهدة الرابعة"، ورفعت من سقف مطالبها إلى "رحيل النظام بأكمله".
وفي 30 مارس/آذار، كشف الجيش الجزائري عن "عقد أشخاص معروفين اجتماعاً مشبوهاً لتشويه سمعة الجيش"، اتضح فيها بعد أنه مخطط لـ"الانقلاب على قيادته"، عقب اجتماع ضم عدة شخصيات على رأسها السعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس المخلوع، والفريق محمد مدين رئيس جهاز المخابرات الأسبق، وبشير طرطاق منسق الأجهزة الأمنية، وشخصيات سياسية وأمنية أخرى، بمشاركة "وفد من المخابرات الفرنسية".
وأجبرت التطورات الجيش الجزائري على عقد أكبر اجتماع لكبار قادته منذ أكثر من 25 عاماً، على خلفية الأزمة العاصفة التي تمر بها الجزائر، ويدعو إلى "التفعيل الفوري للمادة 102 من الدستور" التي تقر حالة شغور منصب الرئيس.
وأصدرت وزارة الدفاع مساء الثلاثاء 2 أبريل/نيسان 2019 بياناً حاسماً وصفت فيه حاشية بوتفليقة بـ"العصابة التي نهبت البلاد"، دعت خلاله للتعجيل في إعلان شغور منصب الرئيس، ورفضها الخروج عن الإطار الدستوري.
وبعد ساعتين من ذلك، قدم عبدالعزيز بوتفليقة استقالته رسمياً بعد 20 سنة من حكمه للبلاد، وأخطر المجلس الدستوري بقراره إنهاء عهدته بصفته رئيساً للجمهورية التي كان مقرراً أن تنتهي في 27 أبريل/نيسان، تبعها في اليوم التالي بـ"رسالة اعتذار من الجزائريين عن التقصير"، وأكد فيها مرة أخرى أنه "لم يكن ينوي الترشح"، وهو ما أكد بحسب المراقبين أن "بوتفليقة لم يكن الرئيس الفعلي للجزائر على الأقل خلال العام الأخير من ولايته الرئاسية".
المرحلة الثانية.. أبواب السجون تُفتح أمام رموز نظام بوتفليقة
في 9 أبريل/نيسان 2019، أقرت غرفتا البرلمان الجزائري (مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني) حالة شغور منصب رئيس البلاد، وكلف عبدالقادر بن صالح رئيس مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) بتولي رئاسة البلاد مؤقتاً لمدة 90 يوماً تطبيقاً لأحكام المادة 102 من الدستور التي تفرض توليه الرئاسة في حالات وفاة الرئيس أو استقالته أو عجزه.
لم يرضَ الشارع بتولي بن صالح رئاسة البلاد، وعدوه واحداً من رموز النظام المطالَب بالرحيل، وانتقلت مطالب المتظاهرين إلى رحيل ما كان يعرف بـ"الباءات الأربعة"، وهو الحرف الذي تبدأ به أسماء 4 مسؤولين، وطفا على لائحة مطالب المتظاهرين "مطلب ثابت" وهو "ترحلون جميعاً".
رضخ كل من بلعيز الطيب رئيس المجلس الدستوري ثم بوشارب معاذ رئيس البرلمان لمطالب المتظاهرين، وبقي "باءان" إلى آخر يوم في عمر الأزمة، وهما بن صالح عبدالقادر رئيس البلاد المؤقت وبدوي نورالدين رئيس الوزراء.
أعلن بن صالح تنظيم انتخابات رئاسية في 4 يوليو/تموز، قبل أن يتقرر إلغاؤها للمرة الثانية، بسبب "عدم وجود مرشحين" بحسب الفتوى القانونية للمجلس الدستوري، وهي الانتخابات التي رفصها الحراك الشعبي.
مرحلة، قرر فيها الجيش الجزائري مرافقة مطالب الحراك، ومنع قائده الفريق أحمد قايد صالح الأجهزة الأمنية من "استعمال القوة ضد المتظاهرين مهما كان نوعها"، وأعلن الحرب على جناحي الدولة العميقة.
وتحركت الأجهزة الأمنية والقضائية تحت إصرار المتظاهرين على محاسبة رموز نظام بوتفليقة، وشرعت في التحقيق مع كبار المسؤولين في عهد بوتفليقة في قضايا فساد متعددة ومتشعبة، بالإضافة إلى تهمة التآمر.
"حدث ما لم يكن متوقعاً أو ما كان في حكم المستحيل"، وبدأت المرحلة الثانية من تحقيق مطالب الحراك الشعبي.. "سجن ومحاسبة رموز نظام بوتفليقة"، بعد أن تم الزج بأركان نظامه في غياهب السجون.
وفي 4 مايو/أيار 2019، أمر القضاء العسكري بسجن كل من السعيد بوتفليقة ورئيسي جهاز المخابرات السابقين الفريق المتقاعد محمد مدين والجنرال بشير طرطاق، ولويزة حنون رئيسة حزب العمال، ووجه لهم تهمة "التآمر على سلطتي الدولة والجيش"، قبل أن تصدر أحكام بسجنهم 15 عاماً في 25 سبتمبر/أيلول 2019.
ثم جاء الدور على أحمد أويحيى رئيس الوزراء الأسبق المثير للجدل الذي أمر القضاء المدني بسجنه مؤقتاً في 12 يونيو/حزيران بتهم فساد، تبعه رئيس الوزراء الأسبق عبدالمالك سلال بالقرار والتهم ذاتهما في 13 يونيو/حزيران، حكم عليهما بـ15 سجناً و12 سجناً على التوالي، قبل أن تستأنف القضية يوم 12 فبراير/شباط الماضي مع عدد من الوزراء السابقين ورجال أعمال في قضية "مصانع تركيب السيارات".
وتبعته أحكام مماثلة في حق مسؤولين عسكريين وأمنيين ووزراء ورجال أعمال بتهم فساد وتبديد المال العام والثراء غير المشروع واستغلال المناصب وتهريب الأموال وسوء استغلال الوظيفة.
وارتفع مع ذلك عدد الشخصيات المحسوبة على نظام بوتفليقة الموجودين في السجن بتهم فساد والتآمر إلى أكثر من 40 شخصية نافذة، بينهم شقيقه السعيد بوتفليقة، و10 مسؤولين عسكريين وأمنيين رفيعي المستوى، ورئيسا وزراء سابقان و12 وزيراً سابقاً، و13 رجل أعمال، ومئات الموظفين في بعض الوزارات والبنوك والشركات الحكومية.
المرحلة الثالثة.. رئيس جديد
في 15 سبتمبر/أيلول 2019، حدد الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح 12 ديسمبر/كانون الأول موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية، بعد أن نصب لجنة للحوار والوساطة بين السلطة وممثلين عن الحراك والطبقة السياسية.
قرار جاء عقب مصادقة البرلمان الجزائري في 12 من الشهر ذاته على مشروع قانون لاستحداث "سلطة مستقلة للانتخابات" سحبت للمرة في الأولى صلاحيات مراقبة وتنظيم الانتخابات من وزراتي الداخلية والعدل والمحافظين والمجالس المحلية.
انقسم الشارع الجزائري بين مؤيد ومعارض للانتخابات، خصوصا بعد الكشف عن القائمة النهائية للمرشحين الخمسة الذين اعتبرهم الرافضون "خمسة وجوه من نظام بوتفليقة، أو ولاية خامسة بخمسة أسماء من عهد بوتفليقة".
ومع ذلك، تراجع زخم المظاهرات، وانقسم الجزائريون إلى 3 جبهات وفق المتابعين؛ جبهة رافضة للعملية الانتخابية ومصرة على تغيير النظام بكامله ما زالت تنزل للشارع كل جمعة، وجبهة ثانية اقتنعت بأن الانتخابات الرئاسية هي الحل الأنسب لأزمة سياسية طالت أعادت شبح أزمة التسعينيات.
وطرف ثالث يرى فيما تبقى من الحراك "وسيلة ضغط من الدولة العميقة للعودة إلى المشهد"، وفي الانتخابات بظروف غير مهيأة "مؤشرا على بقاء دار لقمان على حالها"، وعاد إلى دار العزوف عن السياسة.
جرت الانتخابات في موعدها بتعهد الجيش للمرة الأولى بألا يكون له مرشح فيها، وبأن "عهد صناعة الرؤساء قد ولى"، وانتخب عبدالمجيد تبون بالأغلبية المطلقة بنسبة 58.15 %.
ومع ذلك، واصل آلاف الجزائريين مظاهراتهم في عدد من محافظات البلاد، مجددين مطالبهم بـ"التغيير الجذري"، ومشككين "في نوايا السلطة الجديدة في إحداث التغيير"، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه تبون داخلياً، وسط غموض حول مآلات الوضع السياسي في الجزائر، وقدرة النظام الجديد على الصمود أمام ضغط الشارع، وانقسام داخله (الشارع) حول أسباب استمرار الاحتجاجات بين من يراها طبيعية ومشروعة، ومن يعدها مخترقة وموجهة من أطراف داخلية وخارجية "لاستعادة نفوذها".
aXA6IDMuMTM1LjIwNC40MyA= جزيرة ام اند امز