محللون جزائريون: هكذا تُفك عقدة الحوار بين السلطة والحراك
تباين في مواقف الشارع والمعارضة بالجزائر من دعوة تبون للحوار، وخبراء يكشفون لـ"العين الإخبارية" آليات فك عقدة الحوار بين السلطة والحراك
لقيت دعوة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون للحوار الشامل غداة فوزه في انتخابات الرئاسة وأدائه القسم الدستوري ردود فعل متباينة من المحتجين والطبقة السياسية.
- أول مظاهرات بعد تنصيب تبون تدعو لإطلاق سجناء الرأي بالجزائر
- تبون يعين مدير حملته الانتخابية أمينا عاما للرئاسة الجزائرية
وأدى الخميس الماضي عبدالمجيد تبون القسم الدستوري ثامن رئيس للجمهورية في الجزائر، وأصدر بعدها عدة قرارات، أولها "إلغاء لقب الفخامة"، وقبول استقالة رئيس الوزراء نور الدين بدوي وتكليف وزير الخارجية صبري بوقادوم برئاسة الحكومة مؤقتاً.
وكشفت مصادر سياسية لـ"العين الإخبارية" أن "السرعة في قبول استقالة بدوي وتعيين بوقادوم خلفاً له حمل في طياته رسائل للمعنيين بعرض الحوار".
أولها "أن قبول استقالة بدوي تحقيق لأحد أهم مطالب الحراك الشعبي" حيث كان من بين ما كان يُعرف بـ"الباءات المطالَبة بالرحيل"، ويعتبره الحراك الشعبي "جزءا من نظام بوتفليقة خاصة مع ارتباط اسمه بتزوير الانتخابات في عهد الرئيس السابق حينما كان وزيراً للداخلية" كما يقولون.
أما الرسالة الثانية، فهي أن تكليف بوقادوم برئاسة الحكومة مؤقتاً يعني "تجاوز تبون لحرج التعامل مع الأغلبية البرلمانية التي يمثلها حزبا جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي التي يشترط الدستور استشارتها في تعيين الوزير الأول".
وما زالت أحزاب "التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة" من أكثر التشكيلات السياسية التي ما زال المتظاهرون يطالبون برحيلها، ويعتبرون بقاءها في المشهد السياسي "مؤشراً على عدم التغيير"، رغم حصول مرشحهما عز الدين ميهوبي على أرقام ضعيفة وغير مسبوقة في انتخابات الرئاسة بعد اكتفائه بالمركز الرابع من أصل 5 مرشحين.
احتجاجات مستمرة
وبعد يوم من تنصيب الرئيس المنتخب، تجددت الاحتجاجات الشعبية في بعض محافظات البلاد الجمعة، رغم تراجع زخمها مقارنة بمظاهرات الأسابيع الثلاثة الماضية، وتراوحت شعاراتها بين مطالب بإطلاق سراح سجناء الرأي وأخرى أبدت "رفضاً مطلقاً للنظام الحاكم وعرضه للحوار" بهدف الخروج من الأزمة.
وردد متظاهرون في الجزائر العاصمة هتافات عن "عدم اعترافهم بالرئيس المنتخب عبدالمجيد تبون"، وحملوا لافتات ترجمت ذلك، بينها "لن نستسلم"، "لن نتوقف، إما نحن أو أنتم".
وذكر محللون سياسيون وبعض نشطاء الحراك لـ"العين الإخبارية"، أن دعوة الرئيس الجزائري لـ"حوار جاد" رسمت خارطة جديدة في مشهد الأزمة السياسية، خاصة في الحراك الشعبي الذي تحددت فيه هويات "الرافضين له وعدم المعترفين بمصدره"، والذين كانوا ينتظرون فرصته سواء من الحراك أو الأحزاب "قناعة منهم بأنه الحل الأنسب للأزمة السياسية، أو لأطراف تعودت على التموقع حسب الظرف السياسي".
وطالبت عدة شخصيات معارضة بالجزائر بـ"انتقال الحراك الشعبي من مرحلة الرفض في الشارع إلى الانضواء في تشكيلات سياسية منظمة تكون قوة رفض واقتراح في آن واحد وتملأ فراغ غالبية الأحزاب الحالية" التي يقول المراقبون إنها "فاقدة للثقة الشعبية".
ترحيب واسع
وأحدثت دعوة الرئيس الجزائري للحوار الشامل مع الطبقة السياسية والحراك الشعبي "ترحيباً واسعاً" وغير متوقع في سرعته وحجمه، وأبدت أحزاب سياسية قاطعت انتخابات الرئاسة "موافقتها" على المشاركة فيه، بالإضافة إلى نشطاء بارزين في الحراك.
ومن بين تلك الأحزاب، "جبهة القوى الاشتراكية" وهو أقدم حزب معارض بالجزائر، وحزب "جيل جديد" المعارض، وحزب "الحرية والعدالة" الذي يقوده وزير الإعلام الجزائري الأسبق محمد السعيد.
وأجمعت ردود الفعل الأولى التي أبدت قبولاً للحوار مع الوافد الجديد إلى قصر "المرادية" الجمهوري من الأحزاب والحراك على أن "الحوار يبقى المسلك الوحيد للخروج بالبلاد من الأزمة السياسية وحالة الاحتقان الشعبي".
ودعت لأن تكون مخرجات الحوار المقبل "تمهيداً للقطيعة مع ممارسات النظام السابق وبداية عهد جديد، وأن يكون حواراً جاداً ودون إقصاء".
شروط مسبقة
ترحيب الكثير من الأحزاب المعارضة وبعض نشطاء الحراك بالحوار لم يكن "شيكاً على بياض" للرئاسة الجزائرية كما علق متابعون، إذ وضعت شروطاً أمام جلوسها على طاولة الحوار لـ"تهيئة الأجواء"، جزء منها رأت فيها "إجراءات تهدئة وحسن نية من السلطة" والجزء الآخر "لغة الحوار خاصة ما تعلق منها بالأولويات".
ومن أبرز تلك الشروط "إطلاق سراح معتقلي الرأي، ورفع القيود عن وسائل الإعلام المحلية والحريات".
وأعربت تلك الأحزاب الجزائرية المعارضة عن رفضها المشاركة فيما أسمته "أي حوار قد يكون مزيفاً أو لفرض واقع السلطة"، وأبدت بعض منها رفضها المسبق لمشاركة الأحزاب التي كانت داعمة لنظام بوتفليقة كرد منها على الرئيس الجزائري الذي دعا إلى أن يكون الحوار مع الجميع ودون إقصاء.
مقاربة رئاسية
وعود الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الانتخابية تحولت بعد تسلمه مهامه إلى "مقاربة رئاسية" لحل الأزمة السياسية والدخول في عهد جديد "لا مكان فيه لولاية بوتفليقة الخامسة" كما قال، في وقت يقول المتابعون إن الحراك الشعبي المتبقي ومقاطعة 60% من الناخبين أكبر رهان يواجهه تبون في بدايات ولايته الرئاسية.
وتحددت معالمها في أول خطاب وجهه تبون للجزائريين يوم أدائه القسم الدستوري الخميس الماضي، أول من غازله فيه "الحراك الشعبي"، خاصة عندما قال "أتوجه مباشرة إلى الحراك الذي كان مباركاً على الجزائر، لأمد يدي له بحوار جاد، من أجل الجزائر فقط".
وتابع: "حان الوقت لتكريس الالتزامات دون إقصاء أو تهميش أو نزعة انتقامية، وللعمل مع الجميع بعقلية ومنهجية جديدة".
وتجمع الطبقة السياسية في الجزائر على أن الرئيس الجديد ورث تركة ثقيلة جداً من النظام السابق، ستكون بمثابة "الألغام" التي تهيأ لها تبون بـ"كاسحة التعديل الدستوري الجذري" الذي شدد على أنه "المفتاح الوحيد لتحقيق مطالب الحراك الشعبي وإعادة الثقة بين السلطة والشعب".
وجعل الرئيس الجزائري من تعديل الدستور أولوية ولايته الرئاسية، وكانت أيضا جزءا أساسياً في مقاربة الرئاسة الجزائرية التي ستطرحها للحوار الشامل مع ممثلين عن الحراك والطبقة السياسية.
ويرتكز على "تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية ويحصن البلاد من السقوط في الحكم الفردي، ويحدد حصانة الأشخاص ولا يمنح للفاسد أي حصانة من الملاحقة القضائية، ويمنح الرئيس ولاية قابلة للتجديد مرة واحدة".
بالإضافة إلى تعديل قانون الانتخاب الذي أثار الكثير من الجدل، من خلال "تجريم تدخل المال في العمل السياسي حتى يتمكن الشباب من الحصول على فرصة الترشح، وتكون حملتهم الانتخابية من تمويل الدولة حتى لا يقع فريسة للمال الفاسد".
شروط تهدئة
سيف الإسلام بن عطية، أحد أبرز نشطاء الحراك، كان واحداً من المرحبين بدعوة الرئيس الجزائري للحوار الجاد والشامل من "منطلق أنه الحل الأنسب لتجاوز الأزمة السياسية" كما قال في فيديو نشره عبر صفحته الخاصة على "الفيسبوك".
لكنه في المقابل ألقى بالكرة في مرمى السلطة الجديدة في "إنجاح الحوار أو إفشاله" كما قال في تصريح لـ"العين الإخبارية".
ويرى بن عطية أن "على السلطة الجزائرية اتخاذ إجراءات تهدئة متفق عليها داخل الحراك قبل مباشرة أي حوار، بينها إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن العاصمة وانفتاح إعلامي حقيقي يمكن أن تهدأ الأمور تدريجياً، وندخل في حوار جدي".
وتابع موضحاً "أما إذا أصرت السلطة على القمع الذي شاهدناه في عدد من ولايات الغرب، وعلى الانغلاق الإعلامي، بل حتى السقطات الإعلامية في الإعلام الحكومي والحديث عن السكان الأصليين، وإن تواصلت الأمور بهذه الطريقة أعتقد بأننا بعيدون عن التحديات الكبرى".
وأضاف أن "الكرة الآن في ملعب السلطة الجديدة، وننتظر هل ستتعقل أن ستتبع نفس الأسلوب الذي سارت عليه السلطة الفعلية طيلة 10 أشهر من تسيير الأزمة".
وعن مسألة تمثيل الحراك الشعبي في الحوار، يرى سيف الإسلام بن عطية أنها "مسألة حساسة جداً وتثير الكثير من النعرات والانقسامات داخله، ولا يمكن لأي أحد أن يمثله، سواء المتواجدين في السجن الذين نحترمهم أو في خارجه، وإن كانت قضية إطلاق سراحهم مطلباً رئيسياً للحراك، والفكرة المطروحة الآن هي فكرة حراك – حراك للخروج بأرضية مطالب تُرفع إلى السلطة، ويبقى الحراك هو الفيصل بين كل الأطراف".
وفي حال إطلاق سراح سجناء الرأي، اعتبر الناشط في الحراك الشعبي بالجزائر أن ذلك "سيكون الماء التي ستطفئ النار وتطفئ غضب الشارع".
بقايا حراك
المحلل السياسي الدكتور جعفري قدم قراءة تفصيلية للواقع الجديد الذي تشهده الجزائر بعد انتخاب رئيس جديد، وردود الفعل المتباينة على دعوته للحوار.
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "أول شيء يجب الحديث عنه، هو إطلاق تسمية الحراك الشعبي على ما هو موجود اليوم في الشارع هو نوع من التضليل، والحراك الشعبي كان مليونياً شارك فيه جزء كبير من الشارع الجزائري الناقم على الأوضاع السابقة وعلى رأسها العهدة الخامسة التي كانت مفجر الأحداث، وهناك نوع من السطحية في وصفه بالحراك، بل هو جزء منه وينقسم هو الآخر إلى أجزاء".
وتابع قائلاً: "هناك جزء فعلاً يتبنى فكرة الحوار الجاد والموضوعي ويمكن استرجاع جزء كبير مما هو موجود اليوم في الشارع، وجزء آخر لا يعتمد الانتخابات وسيلة من وسائل الوصول على السلطة أو التداول عليها، وحله ليس في الحوار السياسي، وحله بعدما تقوم دولة الحق والقانون ولا بد أن يخضع له بالوسائل التي تملكها الدولة فيما يتعلق بالضبط الاجتماعي".
وأضاف أن "هناك جزءا من الحراك ذهب للانتخابات لكثير من الأسباب، من بينها الحفاظ على استمرارية الدولة ومؤسساتها وغلق الباب أمام التدخل الأجنبي، وللخروج بأخف الأضرار، وذلك من أجل ثلاثية الحفاظ على الأمن والسلم الوطنيين، والحفاظ على الشرعية الدستورية وعلى الطابع الجمهوري للحكم".
وفي هذه الحالة – يضيف الأكاديمي الجزائري – "يمكن استرجاع جزء الحراك من خلال الحوار، بينما لا يمكن استرجاع الجزء الذي لا يؤمن بالانتخابات، وهو الذي يعمل على تأجيج الوضع ويطعن في شرعية رئيس، جاء بمشاركة قرابة 10 ملايين جزائري في الانتخابات، ومن سوء الأدب إساءة الأدب للشعب".
شرعيتان كاملة وناقصة
وعاد المحلل السياسي لمسألة انتخاب عبدالمجيد تبون رئيساً للجزائر، وأشار إلى أنه "يملك اليوم شرعية دستورية كافية لكي يحكم، لكنه لا يملك الشرعية السياسية والشعبية الكافية لكي ينتصر في برنامجه، وهذا هو الفرق".
ويرى أن "اكتمال شرعية الرئيس الجديد تكون بإسناد شعبي قوي لا يتأتى إلا من خلال حوار جاد وبنّاء وموضوعي، تمكنه من استرجاع تلك الكتلة الكبيرة، سواء من أولئك الذين ما زالوا في الشارع، أو من الذين فضلوا الانسحاب من الشارع والبقاء في بيوتهم لكنهم رافضون لهذا الوضع الجديد".
ضمانات لانتهاء الحراك
الدكتور يحيى جعفري أعطى أيضا تفسيرات وأسباباً لاستمرار خروج المحتجين إلى الشوارع، والتي عدها "أسباباً تغذي بقاءه، في مقابل آليات إرضاء للحراك تنهي جزءاً كبيراً منه".
وقال إن "هذا الحراك خُلق لكي ينتهي وليس ليبقى، هو وسيلة من وسائل الضغط على السلطة وسيتفتت مع الزمن، وهناك أمور تغذيه، من بينها الانغلاق الإعلامي، وفي حال رفع القيود عنه فإن جزءاً كبيراً من الحراك سينتهي، وإذا تم إطلاق سراح السجناء بسبب آرائهم ينتهي أيضا جزء كبير منه، بالإضافة إلى دستور يعكس طموحات الشعب الجزائري في التوازن بين المؤسسات واستقلالية السلطات وتعزيز الحريات، وإذا تم معالجة كل أسباب بقاء جزء من الحراك فإنه سينتهي، ولذلك فإن انتهاءه هو بيد السلطة في عمومه التي تملك مفاتيح إنهائه نهائياً، جزء منها متعلق بحوار جاد، والآخر بتفعيل أدوات الضبط الاجتماعي والدولة تملك الاستخدام الشرعي للقوة".
وختم الأكاديمي يحيى جعفري حديثه بالقول إن "الشعب الجزائري فهم بعد مهزلة العهدة الخامسة والعصابة أنه حقق حوالي 70% و80% من مطالبه، وبقيت اليوم أمور أخرى يمكن استدراكها، في وقت حافظنا على الطابع الجمهوري والسلم الوطني وأدخلنا العصابة إلى السجون، والرهان في المرحلة المقبلة على دستور تعددي ديمقراطي ويتنازل الرئيس عن كثير من صلاحياته لرئيس الحكومة في التعديل المقبل الذي يتم تعديله من الأغلبية البرلمانية التي أتوقع من كتلة الحراك الشعبي، وعلى انتخابات برلمانية شفافة، ونملك قدرة على الاستدراك".