صمت انتخابي بالجزائر.. تحذير وتوجس وانتظار
صمت انتخابي بدأ سريانه بالجزائر اعتبارا من منتصف ليل الثلاثاء، وسط تحذيرات من الجيش وترقب لمجريات الاقتراع النيابي المقرر بعد يومين.
وبموجب المادة 188 من قانون الانتخابات بالبلاد، فإن "الحملة الانتخابية مفتوحة قبل 25 يوما من موعد الاقتراع، وتنتهي قبل ثلاثة أيام من تاريخه"، ما يعني دخول الجزائر في "صمت انتخابي" في انتظار كلمة الصندوق وما ستفرزه من نتائج.
- ثاني خطى الإصلاح.. انتخابات برلمان الجزائر في أرقام
- بأمر السلطة.. تحصين انتخابات الجزائر من إرهاب الإخوان
وعلى مدار 3 أسابيع، جال المرشحون والأحزاب المدن والقرى والقاعات لطرح "بضائعهم" الانتخابية على شكل وعود وحتى "آمال"، وسط اعتراف كثير منهم بصعوبة مهمة إقناع والحديث مع الجزائريين الذين تباينت آرائهم واهتماماتهم ومواقفهم من الحملة الانتخابية والاستحقاق الانتخابي.
متغيرات
انتخابات البرلمان السبت المقبل، يقول عنها مراقبون إنها تجري في ظروف ومتغيرات جديدة يحدوها الأمل بواقع سياسي جديد؛ العنصر المشترك بين الناخبين والمرشحين والسلطة، كلٌ وفق حساباته.
ويرى كل طرف تلك المنطلقات الجديدة من موقعه لعلها تؤدي إلى نتائج سليمة تختلف عن واقع النظام السابق، فالسلطة تسعى لإعادة ترميم الثقة المنهارة للشارع بشعارها "الجزائر الجديدة"، والمرشحون يهدفون لكسب أصواتهم.
أما الناخبون فمنقسمون بين فاقد للأمل في أي تغيير سواء بالصمت والعزوف أو التعبير عن رفض الأجندة السياسية في بعض المظاهرات، ومُصر على المقاطعة، وبين مطالب بمنح الفرصة للوجوه الجديدة التي لم تتلطخ بفساد العهد المنقضي ومتفائلين بما يرونه "إشارات السلطة الإيجابية" من قانون جديد وسلطة مستقلة تشرف على الانتخابات للمرة الأولى.
قانون جديد
ومن أبرز المتغيرات التي جاءت بها الانتخابات التشريعية المقبلة هو القانون الجديد للانتخاب، والذي يعتبره خبراء وسياسيون "وثيقة مغازلة للناخبين ورد الاعتبار للفعل الانتخابي".
ومن أبرز التعديلات التي تضمنها؛ عودة نظام الاقتراع النسبي وإلغاء العمل بالقوائم المفتوحة، مع العمل أيضا بـ"التصويت التفضيلي"، إذ يحق للناخب الجزائري التصويت على أي مرشح في القائمة الانتخابية.
كما فرض رقابة صارمة على مصادر تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب والمرشحين للمرة الأولى، من خلال منع الشركات أو رجال الأعمال من تمويل الحملات الانتخابية في جميع الانتخابات بما فيها الرئاسية.
ومن التعديلات الواردة أيضا إقصاء القوائم الانتخابية التي لا تحصل على نسبة 5% من المصوتين فيما يعرف بنظام العتبة، وإلزام الأحزاب الحصول على مجموع أصوات يفوق 4 % في آخر انتخابات جرت، أو يكون لها 10 منتخبين في البرلمان أو المجالس المحلية، وفي حال عدم توفرها يشترط على الأحزاب جمع 50 توقيعاً عن كل مقعد مطروح للانتخابات.
وأجبر قانون الانتخاب أيضا الأحزاب والمستقلين على "المناصفة في إعداد قوائم المرشحين بين النساء والرجال"، واستثنى في ذلك البلديات التي يقل عدد سكانها عن 20 ألف نسمة.
وفرضت التعديلات الجديدة كذلك أن يكون "ثلث المرشحين من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً" في قوائم الانتخابات التشريعية. وكذا المناصفة بين الرجل والمرأة في القوائم الانتخابية.
أما نظام "المحاصصة السري" أو "الكوتة"، فهو "أكبر غائب" عن الانتخابات النيابية المقبلة بأمر رئاسي واعتراف حزبي، وسط حالة غير مسبوقة لـ"المغازلة" من قبل الأحزاب لرئيس البلاد والناخبين، وأعينهم منصبة على حكومة ما بعد الانتخابات.
"طوفان" المستقلين
الاقتراع المقبل يحمل في جعبته أيضا مفاجآت "قبل موعدها"، إذ يهيمن المستقلون على قوائم المرشحين في سيطرة اصطلح الإعلام المحلي على تسميتها بـ"الطوفان الانتخابي".
وللمرة الأولى في جميع الانتخابات النيابية والمحلية المقامة بالجزائر، يستحوذ المستقلون على أكثر من نصف القوائم البالغ عددها 1483 قائمة، بأكثر من 15 ألف مرشح، منها 837 للمستقلين، وسط توقعات بأن يكونوا الطرف المهمين على مقاعد البرلمان.
وعكس انتخابات 2017، لم تكن مشاركة الأحزاب "قياسية" (51 حزباً بالاقتراع السابق)، حيث يتنافس في الموعد الانتخابي المقبل 28 حزباً فقط من أصل 53 تقدمت للترشح بـ646 قائمة.
واختلفت أسباب غياب الأحزاب بين من عجز عن استيفاء الشروط القانونية للمشاركة في الانتخابات، وبين تيار قرر مقاطعة الانتخابات مبررا ذلك بـ"عدم إمكانية إجراء الاقتراع في جو مشحون من قمع المسيرات واعتقال النشطاء".
وأعلنت 4 أحزاب سياسية جزائرية مقاطعتها للانتخابات التشريعية المبكرة، وهي؛ جبهة القوى الاشتراكية، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وحزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، وحزب العمال.
وفي مقابل ذلك، تبرز لدى السلطة والمرشحين والأحزاب وحتى الشارع جملة من الهواجس التي فرضت نفسها بقوة في انتخابات هذا العام بالنظر إلى المتغيرات والمعطيات الجديدة التي طفت على كافة المشاهد السياسية والاقتصادية وحتى الإقليمية.
الثقة.. الهاجس المخيف
والانتخابات التشريعية المبكرة ستكون أول استحقاق انتخابي لتجديد مقاعد البرلمان بعد سقوط نظام عبد العزيز بوتفليقة، حيث حاولت السلطة تكييف هذه المرحلة الجديدة بوعود وضمانات لنزاهة العملية الانتخابية.
إلا أن الواقع على الميدان كان مختلفاً، إذ مرت الأسابيع الـ3 من الحملات الانتخابية بالمشهد ذاته الذي طبع آخر استحقاق برلماني في عهد بوتفليقة، حيث كانت الحملة باهتة بالقاعات والشوارع قابلتها حملة سخرية واستهجان شعبية عبر مواقع التواصل.
وأقر عدد من المرشحين بصعوبة مهمة إقناع الناخبين ليس ببرامجهم الانتخابية فحسب بل حتى بالحديث إليهم، وباتت فكرة "ستكونون مثل غيركم ممن مروا على البرلمان" اللهجة السائدة بين كثير من شباب البلاد ممن يمثلون أكثر من 70 % من الكتلة الناخبة.
وقابل الشارع المرشحين بأسئلة "تعجيزية" باعترافهم، أبرزها "كيف ستغير وضعي الاجتماعي؟"، ولم يجد الكثير من المرشحين إلا مصارحة الرأي العام بـ"عدم امتلاكهم عصا موسى لتغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشباب"، مكتفين بـ"وعود: لن نعدكم لكننا سنحاول".
وتتزامن الانتخابات التشريعية بالجزائر مع الضغوط المالية التي تعاني منها البلاد جراء تداعيات جائحة كورونا وتذبذب أسعار النفط الذي تمثل عائداته نحو 97 % من إيرادات خزينة الدولة.
المقاطعة
ولعل أكبر هاجس يؤرق نظام الرئيس عبد المجيد تبون هو رهان نسبة المشاركة، إذ تخشى السلطة من تكرر سيناريو الاستفتاء على تعديل الدستور عندما لم يتعد إقبال الناخبين نسبة 23 %، وكانت أدنى نسبة اقتراع في تاريخ جميع الانتخابات بالجزائر منذ استقلالها.
وتباينت قراءات الطبقة السياسية والإعلام المحلي لمدى إقبال الجزائريين على صناديق الاقتراع، حيث أشارت وسائل إعلام محلية إلى نتائج سبر آراء توقعت مشاركة أزيد من 50 % من الناخبين، وتفاءل بعض المرشحين والأحزاب بـ"هبة شعبية" يوم الانتخابات.
إلا أن للمعارضين والمقاطعين رأي آخر، إذ يتوقعون استمرار حالة عزوف الناخبين، بسبب "عدم توفر الشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتنظيم انتخابات نزيهة"، ويطالبون بـ"إلغائها والدخول في مرحلة انتقالية توضع فيها أسس وقواعد سياسية جديدة".
تحذير وعقوبات
والثلاثاء، أعطى الرئيس الجزائري، عقب اجتماع للمجلس الأعلى للأمن، تعليمات لكافة الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية لضمان تأمين العملية الانتخابية خصوصاً بمكاتب الاقتراع.
وسبق ذلك تعهد قيادة الجيش بتأمين الانتخابات، محذرا مما أسماهم "المشوشين من مغبة المساس بالسير الحسن للانتخابات".
وبالتزامن مع ذلك، سنت السلطات الجزائرية قانوناً جديدا قالت إنه "يضع حدا للعمليات التخريبية التي تطال الانتخابات وتضمن السير الحسن للعملية الانتخابية"، وذلك عقب الأحداث التي شهدتها بعض مناطق شرق الجزائر خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2019 والاستفتاء الدستوري المقام في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما قام محتجون بحرق صناديق الاقتراع وإغلاق مكاتب انتخابية.
وينص القانون الجديد على عقوبات صارمة بالسجن تصل إلى 20 عاماً، وغرامات مالية، بحق المتورطين في انتهاك سير العملية الانتخابية.