خبيران: الجزائر ليست في ورطة غازية.. و4 مؤشرات لـ"قوة موقفها"
كثُر الحديث في مختلف وسائل الإعلام عن "ضغوط" تواجهها الجزائر فيما يتعلق بإمدادات الغاز نحو أوروبا نتيجة الأزمة الأوكرانية – الروسية.
فما مدى صحة ودقة هذه التقارير؟ وهل استندت إلى معلومات دبلوماسية؟ أم لمؤشرات غازية؟ أم هي الأجندات الدبلوماسية التي حطت بالجزائر وتنتظرها في الأيام المقبلة من مختلف الفاعلين والمتأثرين من هذه الأزمة؟
- الأزمة الأوكرانية.. هل تعوض الجزائر أوروبا عن الغاز الروسي؟
- زيارة وزير خارجية إيطاليا إلى الجزائر.. ما علاقة الغاز؟
تساؤلات بحثت "العين الإخبارية" عن إجابات عنها، وجدتها في تصريح خاص لخبير، وآخر لخبير طاقوي جزائري، كانت منطلقاتهما في تحليل وضع الجزائر الطاقوي من الأزمة العالمية الحالية من مؤشرات طاقوية وحسابات سياسية.
واستبعد خبيران أن تكون الجزائر أمام وضع محرج جراء التداعيات الطاقوية للأزمة الروسية الأوكرانية على سوق الاتحاد الأوروبي.
وقدم الخبيران، أحدهما في تصريح لـ"العين الإخبارية"، 4 مؤشرات لأن تكون الجزائر في "موقع قوة" في خضم احتمال توقف الإمدادات الروسية الغازية نحو أوروبا، مستبعدين في السياق أن تتمكن الجزائر من تعويض حصة موسكو الغازية.
يأتي ذلك فيما تحدثت تقارير إعلامية دولية عن "ضغوط تواجهها الجزائر" من عدة أطراف أبرزها الاتحاد الأوروبي وروسيا وحتى الولايات المتحدة، لتكون "
زيارة إيطالية
في هذه الأثناء، بات "تضارب الأنباء" المصدر المغذي لما بات يسمى بـ"حرج غازي جزائري"، بدء من تصريح "مثير ومتباين" لوزير الخارجية الإيطالي، وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، بين حديثه للإعلام المحلي الجزائري، وما كشف عنه للإعلام الإيطالي.
وفي الوقت الذي تحدث فيه "دي مايو" عن اتفاق بلاده مع الجزائر على توسيع شراكتهما الطاقوية، إلا أنه تحدث لقناة "الراي" الإيطالية عن "اتفاق الجزائر وروما على زيادة إمدادات الغاز الجزائرية نحو أوروبا" رغم النفي السابق لشركة سوناطراك النفطية الجزائرية "أي خطوات لزيادة الصادرات نحو أوروبا" أو على الأقل لتعويض تدفقات الغاز الروسي.
وأشار الوزير الإيطالي إلى أن زيارته للجزائر كانت بـ"بهدف زيادة إمدادات الغاز"، ووصف نتائج زيارته بأنها "أتت بنتائج جيدة بالفعل"، وأكد على "تكثيف أوروبا جهودها للعثور على إمدادات بديلة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا".
وكشف عن أن الجزائر "ستدعم إيطاليا في إمدادها بالغاز وستصبح شراكتنا أقوى على المدى القصير والمتوسط والطويل"، في وقت تقدر نسبة إمداد الجزائر بحاجيات إيطاليا من الغاز نحو 40 %، فيما تقدر الصادرات الروسية نحو روما بنحو 30 %.
زيارة روسية مرتقبة
في المقابل، تحدثت تقارير إعلامية عربية ودولية عن استعداد وفد روسي وصفته بـ"الرفيع" لزيارة الجزائر، خلال الأسبوع الحالي، بالتزامن مع تأكيد الجزائر بأنها ستبقى "مصدرا موثوقاً للطاقة في وقت الأزمات لأوروبا"، وأيضا تصويتها بـ"الامتناع" على مشروع قرار أممي لإدانة الحرب الروسية بأوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما لم تؤكد السلطات الجزائرية أو الروسية لحد الآن أي زيارة بين البلدين.
زيارة أمريكية مبرمجة
في سياق مماثل، كشفت وزارة الخارجية الأمريكية، بأن ويندي شيرمان نائب وزير الخارجية ستحل بالجزائر، الأربعاء المقبل، ضمن جولة موسعة تقودها أيضا إلى المغرب وإسبانيا ومصر وتركيا.
وأوضحت "الخارجية الأمريكية" بأن شيرمان ستلتقي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وبأن أجندة جولتها تتضمن مناقشة التطورات الإقليمية والدولية.
فيما أشارت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ"العين الإخبارية" إلى أن زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي للجزائر مرتبطة بـ"ترأس الوفد الأمريكي في جلسة الحوار الاستراتيجي الـ5 مع الجزائر"، وهو اجتماع سنوي يقام دورياً بين عاصمتي البلدين في شهر مارس/آذار من كل عام، لمناقشة مواضيع مرتبطة بجهود البلدين في الحرب على الإرهاب، إلا أن الصراع في شرق أوروبا قد يلقي بضلاله على الاجتماعي الجزائري – الأمريكي بحسب مراقبين.
خصوصاً وأن للجزائر علاقات استراتيجية وتاريخية مع روسيا، إذ تعتبر الجزائر ثالث أكبر مستورد للسلاح الروسي بعد الصين والهند، فيما تعد موسكو أول مورد للأسلحة للجزائر منذ نحو 58 عاماً وذلك بنسبة 60 % وفق إحصائيات رسمية سابقة.
عقود طويلة
وفي حديث مع "العين الإخبارية" استبعد الدكتور علاوة بلخباط أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر، أن تكون الجزائر في "حرج" طاقوي وغازي مع شركائها الاقتصاديين (الاتحاد الأوروبي) أو السياسيين (روسيا) على خلفية تداعيات الحرب الدائرة بين ورسيا وأوكرانيا.
وأوضح ذلك بالقول: "في اعتقادي الجزائر ليست في أي موقف محرج على الإطلاق، لأن مرتبطة بعقود طويلة ومتوسطة الأمد مع شركائها الأوروبيين وملزمة باحترام هذه العقود، ولا أحد يملك الحق بمنع الجزائر لتمويل الأوروبيين بالغاز بموجب هذه الاتفاقيات، وهي ليست جديدة".
أما الجانب الثاني الذي له الخبير الاقتصادي فهو العلاقات مع روسيا، والتي قال إنها "سياسية بامتياز، والجزائر امتنعت عن التصويت لصالح قرار يدين التدخل الروسي في أوكرانيا، وهو موقف حيادي في هذا النزاع، وعلاقات الجزائر مع موسكو أو مع الاتحاد الأوروبي هي في إطار تعاون وتبادل ومصالح مشتركة، كما أن الجزائر ليس لها ديون من أي جهة لكي تضغط عليها، وفي وضع مالي لا يمكن لأي طرف أن يفرض على الجزائر أي شروط"، وشدد على أن ذلك يؤكد بأن موقف الجزائر "ليس محرجاً بل مرتاح".
وفيما يتعلق بعقود توريد الغاز التي تربط الجزائر بالاتحاد الأوروبي، أوضح الأكاديمي علاوة خلوط بأن الجزائر " لا تملك قدرة كبيرة على زيادة انتاجها الغازي أو النفطي، وتحتاج لفترة طويلة لزيادة انتاجها، وبالتالي فإن فكرة تعويضها للغاز الأوروبي فهي فكرة خاطئة وغير واردة".
وأشار إلى أن كل ما في الأمر هو "استمرار الجزائر في ضخ التزاماتها التعاقدية من الغاز نحو أوروبا، لأن إسبانيا وإيطاليا متخوفة من انقطاعات للإمدادات، كما أن قدرة الجزائر على انتاج الغاز هي محدودة في المنظور القصير، والأمر يحتاج لفترة أطول تحتاج أصلا لاستثمارات ضخمة، وبالتالي لا يمكن تعويض إمدادات الغاز الروسي نحو أوروبا من الجزائر".
وختم حديثه بأن الجزائر "لا يمكنها أن تكون في موقف محرج بالنظر أيضا إلى الطلب الكبير على الغاز في أوروبا، ولا يمكن لأي طرف أن يفرض على الجزائر زيادة أو خفض إمداداتها".
"عقيدة" جزائرية
في هذه الأثناء، رصدت "العين الإخبارية" منشورا للخبير الطاقوي الجزائري مهماه بوزيان عبر صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك" والذي فصّل فيه سيناريوهات الموقف والموقع الجزائري من ارتدادات الأزمة الروسية – الأوكرانية على سوق الغاز العالمي.
وأشار إلى أما سماه "طبيعة العقيدة الوطنية الجزائرية التي تحكم سياستها الخارجية"، والتي حصرها في 5 نقاط.
واعتبر بأن "الجزائر لا تستثمر في مآسي الآخرين، ولا تتعاطى مع حرب الحصص في تجارة النفط أو الغاز".
مضيفاً بأن الجزائر "تعتبر المحرقات هي موارد طاقوية استراتيجية ينبغي التعامل معها في العلاقات بين الدول على أساس تجاري وعلى أساس عقود تمضيها الشركات الطاقوية التجارية، وعلى أساس المصالح المتبادلة".
أما النقطة الرابعة التي فصل فيها الخبير الطاقوي فهي أن "الجزائر تُقاسِم أولويات التفاهمات مع من يُراعي المصالح المستدامة البعيدة المدى، فهو أولى وله الأولوية عن كل باحث عن مصلحة آنية قصيرة أو ضيّقة أو محدودة الأفق، وليس على أساس محاصصات سياسية أو بناءً على أسعار تفرضها دول، فهذا المفهوم خاطئ و لا تتعاطى معه الجزائر".
وأكد على أن "الجزائر لا تنتسب رسمياً أو هيكلياً إلى أي معسكر قائم محدد الأطر والأحلاف والمهام والالتزامات حتى مع روسيا، بما يستوجب من الجزائر المجاهرة بمعاداة أعداء روسيا، فحتى الصين لم تفعل ذلك اليوم، رغم كل التوافقات السياسية والنظرة المشتركة في موازين العلاقات الدولية بين الجزائر وروسيا التي تنشد عالما متعدد الأقطاب، إضافة إلى العلاقات التاريخية الممتازة المتعددة المجالات والمستويات التي تربط الجزائر وروسيا".
والجزئية الثانية التي أشار لها الدكتور مهماه بوزيان في منشوره فهي أن الجزائر "تتماهى في سياستها الخارجية مع القضايا العادلة للشعوب، ومع الحق السيادي للدول على مواردها، وهذا أحد المبادئ الجوهرية التي تأسس عليها منتدى الدول المصدرة للغاز، والجزائر ترفض منطق العقوبات الاقتصادية في التعاطي مع الخلافات السياسية، سوى مع إيران أو العراق أو فنزويلا، أو الصين أو روسيا، كما ترفض الجزائر منطق التمدد العسكري العدائي على حدود الدول الآمنة".
تقارب استراتيجي
واستند الخبير الطاقوي في تحليله أيضا إلى الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيطالي للجزائر، مشيرا إلى ذلك بأن الجزائر "ستتعاطى مع انشغالات إيطاليا كشريك استراتيجي وتاريخي لها، خاصة وأن ما سيربط الجزائر بإيطاليا هو المصالح التجارية، في ظل امتداد الجوار المتوسطي، الذي سيعزز عامل القرب هذه الشراكة، خاصة في بعدها الطاقوي، وليس كحليف سياسي لأوروبا في الأزمة مع روسيا، وليس كحليف عسكري كذلك".
وأكد على أن "هذا التعاون مع إيطاليا سيتم التعاطي معه ضمن تصور ورؤية للأمن الطاقوي، خصوصا تصوّر الجزائر لتعزيز هندسة أمن الطاقة" العالمي أو الجواري مع الشركاء، الذي تأسس على مبدأ التوافقات بما يضمن مصالح الجميع منتجين ومستهلكين، وبما يسمح بتوازن الأسواق واستقرار الأسعار، وفقا للقاعدة الثلاثية الذهبية (إمدادات وأسعار عادلة، ومتوازنة ومستدامة)".
كما أن رؤية الجزائر – يضيف الدكتور مهماه - فإنها "لضمان أمن إمدادات الطاقة، خصوصا إمدادات الغاز الطبيعي عبر الأنابيب أو مسالا، فرؤية الجزائر تقوم على أهمية العمل العقود الطويلة الأجل، بما سيسمح من ضخ استثمارات معتبرة في صناعة الغاز على طول السلسلة، الأمر الذي سيمكن من تجديد الاحتياطيات في مكامن وحقول الدول المنتجة للغاز، وبالتالي الرفع من قدرات الإنتاج والإمداد للشركاء، أي لكل من يدخل في شراكة مع سوناطراك ضمن تعاقدات طويلة الأجل لضخ الاستثمارات أو في عقود للاستكشاف والاستغلال أو تقاسم الإنتاج أو في عقود التوريد لصالح الشركاء والزبائن"
وختم منشوره بالإشارة إلى أنه "وبخلاف هذا المنطق لا يمكن للجزائر عبر الفاعل الاقتصادي والتجاري لها (ألا وهو سوناطراك) الدخول في أية أعمال أو تعاملات لا تحكمها قواعد التجارة والتعاقد الطويل الأجل، ليس لعجز لدى الجزائر، بل لأن صناعة الغاز في كل دول العالم تحكمها، من الجانب التقني، سيرورة إنضاج حقول جديدة للغاز من خلال ضخ استثمارات معتبرة، بناء على معطى ضمان أسواق توريد مستديمة للغاز، والعقود الطويلة الأجل هي الضمان لذلك، فلا يمكن لأي منتج للغاز في العالم (الجزائر أو قطر أو غيرهما) إرهاق قدرات الإنتاج لديه بما فيها قدرات الإنتاج الإضافية بغرض استرضاء جهة ما أو مسايرة أي أحد في إغراءاته أو ضغوطاته".
aXA6IDMuMTM3LjE2Mi4yMSA= جزيرة ام اند امز