الجزائر في أسبوع.. انفراج أزمة القضاة وجدل حول مرشحي الرئاسة
تعليق إضراب القضاة وقائمة المرشحين الخمسة لانتخابات الرئاسة المثيرة للجدل وإصرار الجيش على الانتخابات.. كانت أبرز أحداث أسبوع الجزائر
"نصفه ساخن، ونصفه الآخر دافئ"، هكذا تدحرجت الأحداث خلال أيام أسبوع الجزائر المنصرم، والتي بدأت بعودة الزخم إلى الحراك الشعبي ثم الإعلان عن القائمة الأولية لمرشحي انتخابات الرئاسة "المثيرة للجدل"، مروراً بانقشاع أزمة القضاء غير المسبوقة.
- الجزائر في أسبوع.. شلل قضائي ومخاض انتخابي ومآلات مبهمة
- الجزائر في أسبوع.. غموض انتخابي وزلزال قضائي وحراك شعبي مستمر
وأحدثت قائمة المرشحين الخمسة لانتخابات الرئاسة صدمة في الشارع الجزائري الذي رأى فيها "ولاية خامسة لبوتفليقة بخمسة وجوه من نظامه".
وعلى الرغم من الضغط الشعبي والسياسي إلا أن الكثير من المؤشرات يؤكد مضي السلطات الجزائرية في اتجاه تنظيم الانتخابات "دَرْءاً للفتن العميقة ما ظهر منها وما بطن" كما تعهد بذلك قائد الجيش.
وبعد أن توقع المتابعون مزيدا من التصعيد في جهاز العدالة، قرر القضاة وقف إضرابهم بعد الاتفاق مع وزارة العدل على زيادة رواتبهم بأثر رجعي من يناير/كانون الثاني الماضي، وسط انتقادات شعبية واسعة لما أسموه "تغليب مصالحهم الشخصية على الوطنية".
قائمة مثيرة للجدل
انتقلت انتخابات الرئاسة الجزائرية التي ستجرى في 12 ديسمبر/كانون الثاني المقبل من جدل "تنظيمها في أقرب الآجال أو أحسن الظروف" إلى نوع آخر مرتبط بـ"الماضي السياسي لمرشحيها الخمسة" الذين انخرطت غالبيتهم في نظام الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.
وكشفت السلطة المستقلة للانتخابات، السبت الماضي، عن القائمة الأولية التي ضمت 5 مرشحين، هم عز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (الموالي)، ورئيس الوزراء الأسبق عبدالمجيد تبون بصفته مرشحاً مستقلاً.
بالإضافة لعلي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات (المعارض) ورئيس الوزراء الأسبق، ورئيس حزب جبهة المستقبل عبدالعزيز بلعيد، والإخواني عبدالقادر بن قرينة رئيس ما يعرف بـ"حركة البناء الوطني".
بينما تقدم 9 مرشحين مستعبدين من انتخابات الرئاسة الجزائرية، الثلاثاء، بطعون أمام المجلس الدستوري ضد قرار لجنة الانتخابات باستبعادهم من قوائم المرشحين لعدم استيفاء الشروط القانونية للترشح لمنصب الرئيس.
قائمة صدمت الرأي العام في الجزائر حتى للجناح المؤيد للانتخابات، الذي رأى فيها "خيارات محدودة ومرفوضة"، الأمر الذي يجعل من سباق الرئاسة الجزائرية رهيناً لتحدي "نسبة المشاركة".
وأظهرت القائمة أن 4 من بين 5 مرشحين كانوا محسوبين على نظام بوتفليقة، مع اختلافات في مصير كل واحد منهم مع ذلك النظام الذي يتواصل الحراك الشعبي لإبعاد جميع رموزه.
وفي الوقت الذي كان ينتظر المتابعون حدوث المفاجأة في الانتخابات بين "مرشح ثقيل وآخر مغمور"، جاءت قائمة السباق الرئاسي بأسماء جميعها من النظام الجزائري.
لكن ذلك يتقاطع مع توقعات محللين سياسيين تحدثوا لـ"العين الإخبارية" عن "عدم إمكانية الجزائر المجازفة بشخصية غير معروفة، لا يمكنها التعامل مع مختلف التناقضات المحيطة والمتداخلة في المشهد السياسي المتأزم".
وعجت مواقع التواصل الاجتماعي بردود الفعل الغاضبة والساخرة من مرشحي الانتخابات الرئاسية.
وانتشرت هاشتاقات بسرعة البرق كان أبرزها "#الخامسة_بواحد_من_الخمسة"، في إشارة إلى "أن صناديق الاقتراع ستفرز ولاية خامسة لبوتفليقة بواحد من الوجوه الخمسة، بغض النظر عن شفافية الانتخابات".
في المقابل، أكد الجيش الجزائري أن الاستحقاق الرئاسي "مسار لا رجعة فيه"، "وبداية قطيعة مع ممارسات نظام بوتفليقة"، واتهمت أطرافاً مشبوهة لم تسمها بـ"تضليل الرأي العام بأفكار لا توجد إلا في مخيلتها".
وأشار خبراء لـ"العين الإخبارية" إلى أن "إصرار الجيش الجزائري على إجراء الانتخابات في موعدها بهذه القائمة من المرشحين، لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو "استمرار أي رئيس جديد للجزائر في سياسة اجتثاث جناحي الدولة العميقة ومحاربة الفساد"، والتي أصبحت بمثابة "الدستور غير المعلن للبلاد وبرنامجها الانتخابي الموحد، والضوء الأحمر الذي يوقف أي محاولات لإعادة النظام السابق تحت أي غطاء".
وقف إضراب القضاة بـ"أثر رجعي"
وبعد نحو 10 أيام من الإضراب المفتوح وغير المسبوق لقضاة الجزائر على خلفية حركة التغييرات التي شملت قرابة 3 آلاف قاضٍ، أنهى الأسبوع المنصرم واحدا من أخطر الألغام الموضوعة في طريق الانتخابات وفق المتابعين، بعد قرار نقابة القضاة، الثلاثاء الماضي، تعليق الإضراب.
قرار لم يتخذ إلا بعد وساطات بين وزارة العدل ونقابة القضاة من هيئات سيادية، كُشف عن بعضها، وهي المجلس الأعلى للقضاء واتحاد منظمات المحامين والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
واتفقت الوزارة والنقابة على زيادة "غير معلنة" في رواتب القضاة بأثر رجعي من يناير/كانون الثاني الماضي، مع إنشاء ورشة عمل للخروج بآليات وقوانين تضمن استقلالية العدالة والفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مع إعادة النظر في التغييرات الأخيرة، وتقديم القضاة الرافضين لها طعوناً لدى المجلس الأعلى للقضاء للنظر فيها.
"نادي القضاة" الذي سارع قبل ذلك إلى إعلان مقاطعته لمراقبة انتخابات الرئاسة المقبلة، والذي يقول المتابعون إنه بات في "وضع حرج" بعد الاتفاق الأخير، انتقد ما توصلت إليه النقابة والوزارة، ووصفه بـ"الخيانة لمطلب استقلالية القضاء".
في مقابل ذلك، ورغم ترحيب كثير من الجزائريين بانتهاء أزمة وصفوها بـ"الشرارة الأولى لوضع متأزم أكثر من الحالي"، إلا أن مواقع التواصل اشتعلت بالتعليقات التي اتهمت القضاة بـ"تغليب مصالحهم الشخصية على الوطنية" وبـ"الابتزاز لتحقيق مصالح ضيقة"، وتساءل آخرون: "أين مطالب استقلالية القضاء بعد رفع الأجور؟".
لكن قانونيين وسياسيين تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، أكدوا أن إنهاء أزمة القضاء في الجزائر كان بداية لحل أزمة أكبر، بعد أن قررت نقابات أخرى إدخال البلاد في شلل كبير، وتلويح نقابة البنوك بوقف عملها في المصارف الحكومية لأجل غير مسمى.
وقررت نقابة البنوك العدول عن إضرابها الذي كان مقرراً الأحد المقبل، بعد اتفاق بين مديريات البنوك العمومية ونقاباتها على معالجة مشاكل الأجور، والتي تم الاتفاق على زيادتها أيضا.
وأشار المتابعون في تصريحاتهم لـ"العين الإخبارية" إلى أن "الإضرابات الأخيرة كانت واحدة من أوراق ضغط الدولة العميقة لإلغاء الانتخابات أو تمرير مرشحها، ومحاولة لإحاطة الاستحقاق الرئاسي بجملة من الاضطرابات الشعبية في عدة قطاعات".
ويبدو أن السلطات الجزائرية قررت الرضوخ لمطالب اجتماعية رغم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، بعد تقديمها تنازلات كبيرة، بهدف تجنيب موعد الانتخابات مصير الإلغاء، وتطبيق الأجندة المسطرة لإنهاء الأزمة السياسية قبل نهاية العام الحالي.