الجزائر 2020.. عسر سياسي بكورونا والثورة المضادة
قبل أيام من انتهاء 2020 التي كانت حبلى بالتطورات، ترصد "العين الإخبارية" أبرز الأحداث التي شهدتها الجزائر على مدار سنة لم تكن كغيرها.
بين 2019 و2020، تناقضت حركية الأحداث بالجزائر، من حراك شعبي وسياسي "غيّر ما استطاع إليه سبيلا"، إلى جمود فرضته جائحة كورونا خلطت معظم الحسابات والتكهنات.
جائحة أربكت أجندة سياسية سُطرت مع نهاية 2019 لإحداث إصلاحات سياسية عميقة على إرث نظام عبد العزيز بوتفليقة، ووجدت كورونا من ينافسها أو يساعدها على كبح جماع التغيير بـ"ثورة مضادة".
- أزمات متزامنة.. الجزائر بين ثورة مضادة وإرث ألغام نظام بوتفليقة
- تركيا تجند "ذباب الإخوان" ضد موقف الجزائر حول ليبيا
فاستحقت 2020 أن تكون سنة الولادة العسيرة لإصلاحات وُلدت أصلا في غياب 85 % من شهود الهيئة الناخبة، كان بينهم رئيس البلاد عبد المجيد تبون راعي تلك الإصلاحات، كانت أيضا "جائحة كورونا" البطل الأبرز في 2020.
إلا أن التطورات الأمنية المتلاحقة على حدود البلاد، حتمت على الجزائر حراكاً دبلوماسياً في 2020، قابلته حركية قضائية نشطة ضد أركان النظام السابق وفجرت معها فضائح وغرائب جديدة، كان فيها عبد العزيز بوتفليقة الحاضر الغائب، وكأنه بذلك عوّض غيابه عن المشهد طوال السنوات الـ7 الأخيرة من حكمه.
وقبل أيام من انتهاء أيام 2020 التي كانت حبلى التطورات، ترصد "العين الإخبارية" أبرز الأحداث التي شهدتها الجزائر على مدار الأشهر الـ12 لسنة ليست ككل السنوات.
كورونا.. العدو المجهول
6 أحرف من جائحة فاجأت وصدمت العالم، وأربكت الحسابات السياسية للوافد الجديد إلى قصر المرادية، عبد المجيد تبون، ثامن رئيس للجزائر، أضافت إلى قائمته المثقلة بالمشاكل تحدياً جديداً.
وبالكاد، خرجت الجزائر من أزمة سياسية معقدة نهاية 2019، فدخلت في أزمة صحية أوائل 2020 أكثر تعقيداً، عندما تسلل فيروس كورونا إلى البلاد وسرعان ما انتشر من محافظة لأخرى، إلى أن تحول لوباء لم تشهده الجزائر في تاريخها.
ولما كان الجزائريون ينتظرون من 2020 قطف ثمار حراك 2019، خرجت عليهم كورونا التي أسقطت بعضاً منها، وأجلت نضوج أخرى، حتى إنهم احتاروا بين إنقاذ الثمار أو إنقاذ أرواحهم من جائحة قد تغلغل إلى أجسادهم.س
وجدت السلطات الجزائرية نفسها أمام خيارين أحلاهما مر، إما التعامل مع الوضع الصحي وتأجيل البرنامج السياسي، أو المجازفة بتسريع وتيرة إصلاحات سياسية راهن عليها الرئيس عبد المجيد تبون لإحداث التغيير الجذري الذي طالب به الملايين.
لكن توحش الجائحة كان أقوى من مطالب التغيير، وحاصرت كورونا المطالبين بالتغيير والساعين لإحداثه، في منازلهم وقصورهم الرئاسية، وفرضت تغييراً من نوع آخر، وهو "تغيير الأولويات" من السياسية إلى الصحية.
الدستور.. ولادة عسيرة
لم تجد السلطات الجزائرية إلا تكييف توقيتها على زمن الكورونا، وتأجل الاستفتاء على الدستور من الربع الأول لـ2020 إلى نهايته، ومعه قانون الانتخاب وحل البرلمان والمجالس المحلية إلى العام المقبل.
دستور أثار الجدل منذ أن كُشف عن مسودته الأولى مايو/أيار الماضي، أنسى الجزائريين مؤقتاً في جائحة كورونا، أو أن الجائحة ذاتها منحتهم فرصة تصفح ما فيه في حجرهم الصحي الإلزامي.
كسر الجزائريون روتين كورونا بنقاش وجدل حول مسودة الدستور، رفضوا ما رفضوه، وقبلوا ما اقتنعوا به، إلى أن جاء الأول نوفمبر/تشرين الثاني بحسابات أخرى لم تكن على بال حتى من عارض وثيقة الدستور النهائية.
سجلت الجزائر في ذلك التاريخ أدنى نسبة مشاركة في استحقاق انتخابي بتاريخها بنحو 23 % من الهيئة الناخبة شاركوا بالتصويت في استفتاء التعديل الدستوري، مقابل مقاطعة غير مسبوقة فاقت 85 %، أي ما يعادل 18 مليون ناخب.
لكن الدستور الجديد لـ"الجزائر الجديدة" مر بـ66 % من موافقة المصوتين، زاده تأكيد المجلس الدستوري على صحة النتائج.
تباينت القراءات لمضمون الدستور الجديد وحتى لنتائج الاستفتاء عليه، لكن المؤكد بحسب المراقبين أن ضمن الحد الأدنى من التغيير، بتقليص صلاحيات الرئيس وتفكيك ألغام مستقبلية قد تكون أوراقاً رابحة ضد من تسميهم السلطات الجزائرية "أطرافاً خارجية وعملائهم في الداخل".
صحة الرئيس.. الهاجس القديم الجديد
لم يعد بعدها مضمون الدستور الجديد من يطرح الإشكال أو الجدل، بل ترسيمه والبدء في تنفيذه هو الذي وضع الجزائر أمام إشكال قانوني جديد، نتيجة الوضع الصحي للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
يفرض الدستور الجزائري أن يوقع رئيس البلاد على مشروع الدستور بعد حصوله على الأغلبية الشعبية المطلوبة، وأن ينشره في الجريدة الرسمية، لكن وضع تبون الصحي وضع سلطات الجزائر في حرجين أحدهما سياسي والآخر قانوني.
ولم يمنع ظهور زوجة تبون للمرة الأولى منذ 3 عقود خلال استفتاء تعديل الدستور، من تبديد مخاوف الجزائريين على مستقبل بلادهم نتيجة مرض رئيسهم بعد أن اخترقت كورونا قصر الرئاسة وأصابته ثم نقلته إلى ألمانيا للعلاج نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وعاد معها "كابوس صحة الرئيس" الذي لازم أيام الجزائريين طوال 7 سنوات من حكم بوتفليقة، وإذ به يعود في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2020، وسط تطمينات رسمية بتحسن وضعه وقرب عودته للبلاد وممارسة صلاحياته.
بوتفليقة.. الحاضر الغائب
رغم أنه استقال في أبريل/نيسان 2019، إلا أن اسمه بقي متداولاً على ألسنة المسؤولين الجدد والجزائريين، والأكثر في أروقة المحاكم.
فقد شهدت الجزائر طوال أشهر 2020 حوادث غريبة ومتكررة، بينها ندرة السيولة المالية في المصارف الحكومية، وشح المياه وانقطاع الكهرباء، إلى حرائق الغابات وكثرة الجرائم، قبل أن يخرج تبون باتهامات لفلول النظام السابق، وبرز معها مصطلح جديد بالساحة السياسية وهو "الثورة المضادة".
ثورة مضادة سارت جنباً إلى جنب مع جائحة كورونا لإرباك الإصلاحات السياسية والاقتصادية وفق الرواية الرسمية، وزادت من تعكير يوميات الجزائريين، من الصعوبات المعيشية التي فرضها فيروس كورونا إلى "فيروس الفلول" الذي تمكن من اختراق "الجهاز المعيشي" لنحو 45 مليون جزائري.
في المقابل، لم تهدأ أروقة القضاء من محاكمات رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة بتهم فساد ثقيلة ومتنوعة، بل تسارعت وتيرتها، وتحدت مخاطر كورونا بمحاكمات عبر تقنية التواصل المرئي، ومع ارتفاع إصابات كورونا، زادت سنوات سجن أركان النظام السابق.
وسجلت الجزائر للمرة الأولى في تاريخها أحكاماً فاقت الـ"نصف قرن" ضد سياسيين ورجال أعمال وأمنيين وعسكريين، بينهم رئيسا الوزراء الأسبقين الذين حطما الرقم القياسي في عدد قضايا الفساد المتورطين بها، أو بسنوات السجن التي سيكملان بها حياتهما، قاربت سنوات "خدمتهما للنظام" كما قالا في إفادتهما أمام المحكمة.
"مايا".. الأسطورة التي تحققت
"كرنفال في دشرة" أو "احتفال فلكلوري في قرية صغيرة" هو عنوان أشهر فيلم بالجزائر، جلد الواقعين السياسي والاجتماعي بالجزائر تسعينيات القرن الماضي، كانت فيه "بطلة مخفية" اسمها "مدام دليلة" (السيدة دليلة).
ذلك الفيلم، أضاف إلى قاموس الجزائريين عددا من مصطلحات السخرية الجديدة، عندما حاكى واقعاً سياسياً معيناً بشخصيات فنية وأخرى "أسطورية" بينها "مدام دليلة"، وهي تلك السيدة التي قال عنها بطل الفيلم "عثمان عريوات" بأنها تلك "السيدة النافذة والقوية التي تحرق الأخضر واليابس، وتبتلع المشاريع والأموال، ولا يجرؤ أي مسؤول على الوقوف في طريقها"، لكنها تبقى مثل "الشبح أو الجن" الذي يصدقه الإنسان لكنه لا يراه، ليجسد واقعاً بين الأسطورة والخيال.
لكن قضايا الفساد الأخيرة، كشفت عن "مدام دليلة" أخرى، لم تكن أسطورة هذه المرة، بل "حقيقة مرة" اسمها "مدام مايا"، نجحت في أمرين اثنين وهما "تحويل الأسطورة إلى حقيقة" و"تكوين ثروة هائلة" برضى كبار المسؤولين أو رغماً عنهم.
زعمت بأنها "ابنة بوتفليقة السرية" رغم أن سنها يتعدى نصف قرن، في وقت كان فيه بوتفليقة الرئيس الجزائري الوحيد الذي عاش وحيداً بلا أسرة أو أبناء.
لم تكن إلا "زليخة نشناشي" التي شكلت قضيتها فضيحة من نوع آخر بنظام حكم بقي 20 عاماً، اخترقت الرئاسة وحتى كبار المسؤولين الأمنيين، لتحصل على ما أرادت، وتناقش معهم قضايا البلاد المصيرية.
اتضح من قضيتها أن شقيق ومستشار الرئيس السابق السعيد بوتفليقة لم يكن وحده "البلاء والابتلاء" وحده الذي حل على الجزائر كما يقول أهل هذا البلد العربي، بل عصابة متشعبة ومتشبعة بالفساد.
ووسط كل هذه الأحداث المثيرة والمثقلة بالهموم والمصاعب، لم يسبق وأن انتظر الجزائريون انتهاء أيام سنة مثلما انتظروا "مغادرة 2020 بدون رجعة بكل تفاصيلها"، آملين في عام جديد ينسيهم كل أنواع الفيروسات التي تهاطلت عليهم من كورونا إلى الفساد وأن يحصلوا فيه على لقاح للتغيير الذي انتظروه بما تبقى من صبر.
حراك دبلوماسي
كان واضحاً من خطاب تنصيب الرئيس الجديد للجزائر في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، أن الدبلوماسية الجزائرية قررت العودة إلى محيطها وإقليمها المتوتر.
وقد فرضت الأزمتان الليبية والمالية على دبلوماسية الجزائر العودة للنشاط مجددا، وبات الملفان أولوية قصوى في أجنداتها.
وسرعان ما تحولت الجزائر العاصمة إلى قبلة، كسرت جمود السنوات الأخيرة من عهد بوتفليقة، وغياب الدبلوماسية الجزائر عن نيران وصلت إلى حدودها، وفق تعبير المسؤولين الجزائريين.
فقد استضافت الجزائر طوال 2020، أكثر من 20 وزير خارجية، و3 قادة دول، ورئيسا وزراء، كانت خلالها الأزمة الليبية والوضع في الساحل في صدارة المباحثات مع السلطة الجديدة في الجزائر.
عودة الدبلوماسية الجزائرية أخلطت أوراق أجندة النظامين التركي والقطري في ليبيا، إذ كان موقف الجزائر صريحاً وواضحاً على غير العادة "رفض التدخل العسكري والسياسي" في أزمة جارتها الشرقية التي تربطها معها ثاني أكبر مسافة حدودية.
باتت تلك الحدود مصدر قلق لدى الجزائر، بعد أن أتخمها النظام التركي بجنوده ومرتزقته وآلاف الدواعش الذين استقدمهم من الشمال السوري، فاستعملت الجزائر أوراقها الدبلوماسية وحتى العسكرية.
تحركت دبلوماسياً مع جيران ليبيا لـ"إنهاء سياسة الأمر الواقع" التي حاول الرئيس التركي رجب أردوغان فرضها على ليبيا وجيرانها، وزادت من رفع درجة تأهبها العسكري والأمني إلى الدرجة القصوى على حدود ليبيا.
كانت تلك وفق الخبراء الأمنيين والمحللين السياسيين، رسالة واضحة من الجزائر، بأن أمن ليبيا من أمنها وليس من أمن بلد يبعدها بآلاف الأميال وهي تركيا، وأن المنطقة لن تكون مساحة خصبة للإرهابيين أو ورقة ضغط ضد دولها لاستدراجهم إلى أجندة مشبوهة.
نجحت الدبلوماسية الجزائرية على مدار 2020 في العودة إلى عمقيها الاستراتيجيتين ليبيا ومالي، بعيدا عن سياسة المحاور التي سعى أردوغان ونظام "الحمدين" بكل طرق الترهيب والترغيب لجر الجزائر إليها.
ويقول المراقبون إن الجزائر من بين أكثر الدول المحيطة بليبيا التي تعلم حقيقة المخطط التركي القطري الإخواني المشبوه، الذي لا يستهدف ليبيا فقط، بل المنطقة برمتها.
خطة تقوم على تركيع الدول ومن ثم ابتلاعها بأنظمة إخوانية ترهن سيادة دولها ومستقبلها لأطماع لم تعد خفية، فاختارت الدبلوماسية الجزائرية البحث عن حل من رحم ليبيا الجريحة، بعيدا عن أطماع أردوغان التي باتت تحاصر الجزائر من كل زوايا المنطقة.