معركة "شقحب".. ذكرى رمضانية للانتصار على حفيد هولاكو

واحدة من المواقع الحربية الشهيرة في التاريخ الإسلامي التي انتهت بهزيمة التتار، ووافقت شهر رمضان سنة 702 هجرية.. تعرف عليها.
لم يكن شهر رمضان المعظم شهرا للعبادة والصيام فقط، بل كان للدفاع عن بلاد المسلمين ضد كل المخاطر والأطماع التي تحيط بالبلاد والعباد، فقد كان شهر رمضان شهر البطولات في التاريخ الإسلامي.
انتصر المسلمون في جميع المعارك والحروب التي خاضوها في رمضان منذ بداية التاريخ الهجري، وتحديدا منذ غزوة "بدر" في العام الثاني، و"فتح مكة" في العام الثامن، وموقعة القادسية في عام 15، موقعة" شقحب" سنة 702 هجرية، مرورا بفتح "الأندلس" في عام 92 هجريا، ومعركة "الزلاقة" في عام 479، و"حطين" في عام 584، و"عين جالوت" في عام 685 هجرية، والعديد من المعارك والمواقع الحربية التي زخرت بها الحضارة الإسلامية طوال مراحلها التاريخية.
بدأت موقعة" شقحب" سنة 702 هجرية في 2 رمضان سنة 702هـ / 20 إبريل 1303م، واستمرت ثلاثة أيام بسهل شقحب بالقرب من دمشق في سورية. كانت المعركة بين المماليك بقيادة الناصر محمد بن قلاوون سلطان مصر والشام والمغول بقيادة قتلغ شاه نويان (قطلوشاه) نائب وقائد محمود غازان إلخان مغول فارس (الإلخانات). انتهت المعركة بانتصار المسلمين، أنهى طموحات محمود غازان في السيطرة على الشام والتوسع في العالم الإسلامي.
فعندما وصلت الجيوش التترية إلى دمشق بعد أن قاموا بنهب واحتلال حمص وبعلبك عام 702هـ/1303م، وأثاروا الذعر في قلوب الناس وشعروا بالخوف بسبب فتك التتار بالمدن التي دخلوها، ولا سيما أن احتلالهم لبغداد، وإسقاط الخلافة العباسية عام 656 هجريا حاضرة في أذهان الناس.
وتصادف قدوم شهر رمضان في نفس العام فأحس الناس بالاطمئنان والاستبشار أن الله سوف ينصرهم في الشهر الكريم، وكان التتار وقتها تحت قيادة "قازان" حفيد "هولاكو"، وقد وصلوا لقرية يطلق عليها "شقحب" تبعد عن دمشق بنحو 37 كيلومترا.
كان للعلماء والشيوخ المسلمين دور كبير في تشجيع الناس على القتال وبثِّ روح الحماسة فيهم، وكانوا يقرأون آيات القرآن التي تحضُّ على الجهاد والاستشهاد، بعد أن نزح عدد كبير من أهالي حلب وحماة وحمص خوفا من بطش التتار، بالإضافة إلى قدوم طائفة كبيرة من جيش المصريين، فيهم كبار الأمراء في شهر شعبان فقويت القلوب في دمشق.
وبالفعل بدخول شهر رمضان استطاع السلطان الناصر محمد بن قلاوون، سلطان مصر، والخليفة المستكفي بالله، تنظيم الجيش لمواجهة التتار.
في اليوم الثاني من رمضان بدأت المعركة والتحم الجيشان الإسلامي والتتري في سهل شقحب، وقد احتدمت المعركة، وحمي الوطيس، واستعرّ القتال، واستطاع المغول في بادئ الأمر أن ينزلوا بالمسلمين خسارة ضخمة، ولكن تبدلت الحال بعد ذلك، وتغيَّر وجه المعركة وأصبحت الغلبة للمسلمين.
وكما يقول المؤرخ ابن كثير: "فلما جاء الليل لجأ التتار إلى اقتحام التلول والجبال والآكام، فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب، ويرمونهم عن قوس واحد إلى وقت الفجر، فقَتلوا منهم ما لا يعلم عدده إلا الله عز وجل، وجعلوا يجيئون بهم من الجبال فتضرب أعناقهم".
استمرت المعركة لمدة يومين طوال اليوم الثاني والثالث من رمضان، وعندما وصل التتار إلى نهر الفرات شاءت الأقدار أن النهر كان في زيادة فلم يقدروا على العبور، وقد هلك العديد ممن قرر العبور.
وفي اليوم الرابع عاد الجنود إلى دمشق وبشروا أهلها بالنصر على التتار، وقد استقبل السلطان الناصر الذي عاد إلى مصر بالفرح واستقبل استقبال الفاتحين، وسط جموع من الأسرى التتار الذين طمعوا باحتلال البلاد، وهكذا فشل التتار في السيطرة على الشام أو التوسع في العالم الإسلامي.