سياسيون لبنانيون عن خطاب الحريري: يرسم خارطة جديدة للتحالفات
سعد الحريري رسم في كلمة بمناسبة ذكرى اغتيال والده الـ15 مرحلة سياسية مقبلة مكرسا سقوط التسوية.
توقع سياسيون لبنانيون، السبت، أن تؤدي كلمة زعيم تيار المستقبل سعد الحريري رسم خارطة جديدة من التحالفات في البلد الذي يواجه وضعا اقتصاديا هشا وحراكا في الشارع يرفض النخب التقليدية.
واعتبر الساسة أن كلمة الحريري تفتح الباب مجددا للتلاقي وترميم العلاقة مع حلفائه القدامى، في ما كان يعرف بـ"فريق 14 آذار"، أي "الحزب التقدمي الاشتراكي" و"حزب القوات اللبنانية".
وكان الحريري قد رسم، في كلمة بمناسبة ذكرى اغتيال والده الخامسة عشرة الجمعة، خريطة جديدة للمرحلة السياسية المقبلة مكرسا سقوط التسوية السياسية الذي سبق أن عقدها مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، وأدت إلى انتخاب الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية وقتها.
توقعات السياسيين جاءت عقب ردود الفعل على كلمة الحريري حيث قال باسيل، في تغريدة له من دون أن يسمي الحريري، على"تويتر": "مهما فعلت وقلت لن تطالني، وكيف ما كنت لن أقبل بأن أكون مثلك.. تفرّقنا بعض القيم والمبادئ، لكن سيجمعنا التفاهم الوطني.. ذهبت بعيدا لكنك ستعود، لكن الفرق أن طريق العودة سيكون أطول وأصعب عليك".
في المقابل، كتب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط عبر "تويتر" قائلا: "وإن كنا اليوم قلة مع سعد الحريري لكن لا لاغتيال اتفاق الطائف الذي صاغه رفيق الحريري (الاتفاق الذي عقد في السعودية وأنهى الحرب الأهلية)، ولا للتقسيم المبطن تحت شعار اللامركزية المالية، ولا لاغتيال لبنان الكبير من قوى الوصاية، ولا للإفلاس من رافضي الإصلاح، ولا لاغتيال العروبة من أعداء الداخل ولا لاغتيال فلسطين من صفقة القرن".
وعلّق وزير الشؤون الاجتماعية السابق، ريشار قيومجيان على كلام الحريري قائلا: "للأسف كل التفاهمات التي أنجزها العهد (في إشارة للتسوية التي جاءت بعون لمقعد الرئاسة) سقطت، وهذا ما أعاق مسيرته وأدى للأزمة المالية والاقتصادية التي نعيشها، ولا أحمل العهد المسؤولية كاملة؛ إذ لها أسباب مباشرة وغير مباشرة، لكن السبب المباشر هو ممارسات أزلام العهد (في إشارة على ما يبدو لحلفاء عون) التي أوصلت الأمور إلى هنا".
وأضاف ريشار وهو قيادي في حزب القوات اللبنانية: "متفقون مع تيار المستقبل على الأمور الاستراتيجية، وفي التكتيك لكل منا نظرته ورؤيته، فنحن حزبان مختلفان والعمل السياسي ينحو اليوم باتجاه هموم الناس وحاجاتها وتختلف وجهات النظر ربما لكن ذلك لا يفسد للود قضية".
وفي الإطار نفسه، قال مسؤول الإعلام والتواصل في "القوات" شارل جبور لـ"العين الإخبارية": "أظهر كلام الحريري وجود تطابق في الموقف السياسي بينه وبين القوات، وذلك في قراءة موضوعية للأحداث منذ التسوية الرئاسية وظروفها وصولا إلى الأسباب التي أوصلت إلى خروج القوى الأساسية منها".
وتابع القول: "تشخيص الحريري للأحداث يتطابق مع التشخيص الذي سبق للقوات أن أجرته، من هنا لا شك أن القراءة الموحدة تسهم للانطلاق باتجاه مراجعة تمهد لعودة الحرارة السياسية بين الفريقين، حيث إن هذه القراءة للظروف التي أجهضت التسوية وكل المحاولات لقيام دولة حقيقية واستقرار فعلي ونمو جدي لا بد وأن تؤسس طبعا لمزيد من تنشيط العلاقة فيما بيننا بعد إجراء قراءة شاملة لكل المرحلة الماضية".
الموقف نفسه عبر عنه النائب في "تيار المستقبل" محمد الحجار، مؤكدا أن خطاب الحريري يؤسس لمرحلة سياسية جديدة.
وقال الحجار، في حديث إذاعي: "الحريري رأى في التسوية الرئاسية مناسبة لحماية البلد وتأمين الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والاقتصادي والهدف لم يكن أن يصبح رئيس حكومة، ولكن عندما رأى أنها لم تعد تخدم الهدف الذي أنجزت لأجله، استجاب لمطالب الناس المنتفضين في الساحات وقدم استقالة الحكومة".
وأضاف: "الحريري فند وقائع وأرقاما عن التعطيل وكلفته على المديونية العامة، وتحدث عن التسوية وما رافقها في السنوات الثلاث الماضية، والكل يعرف ماذا حصل؟ وكيف حاول تدوير الزوايا؟ نحن لا نتنصل من ماضينا ولسنا مثلهم وكأن الكل متواطئ ضدهم. نملك الوقائع والأرقام ولا نختلق الأكاذيب، يتعاطون مع تيار المستقبل وكأنه تيار السنة، صحيح أن الفئة الواسعة من هذا الجمهور من السنة، ولكن تيار المستقبل يضم فئات أخرى أيضا".
وكرر ما قاله الحريري: "كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يطلب من الحريري التواصل مع باسيل في مختلف الملفات، ولا يوافق على أي توقيع ما لم يقبل باسيل".
وكشف الحجار عن أنه عندما اندلعت الثورة، حاول الحريري مع عون أن يلبيا الحد الأدنى من مطالب الناس المنتفضين، حتى في الملف الأمني كان الرئيس يقول: "تواصل مع جبران لإيجاد حل، باسيل يستقوي بموقع رئاسة الجمهورية وبحزب الله".
ويشير الحجار إلى المظاهرات التي اندلعت في لبنان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وأدت لاستقالة الحريري من رئاسة الحكومة نزولا على رغبة المحتجين الذين طالبوا بتغيير شامل النخب السياسية الحاكمة محملين الساسة مسؤولية تدهور الأحوال في البلاد.
وختم الحجار: "بعد كلام الحريري أمس، لا شك في أن هناك مرحلة سياسية جديدة، وخصوصا مع أطراف كانوا منضوين تحت ما يسمى 14 آذار في الحكومة، واليوم أصبحوا في خارجها. 14 آذار ملك الناس الذين يشجعون على إعادة إحيائها".
وتتجه الأنظار إلى طبيعة التحالفات السياسية في الفترة المقبلة وإمكانية أن يؤسس خطاب الحريري لمرحلة سياسية جديدة مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الحاصلة على الساحة اللبنانية، وأهمها الانتفاضة الشعبية ووجود حكومة محسوبة على حزب الله والتيار الوطني الحر، بعدما اختار الحريري وحلفاؤه أن ينتقلوا إلى موقع المعارضة.
وعن أهمية خطاب الحريري وانعكاسه على المرحلة المقبلة، قالت مصادر قيادية في "الاشتراكي" لـ"العين الإخبارية": "لا شك أن هناك مرحلة سياسية جديدة يفترض أن ترتسم ملامحها في البلد على قاعدة إعادة التوازن المفقود الذي ولدته التسوية الرئاسية بحيث أسيء استخدامها من التيار الوطني الحر للتلاعب بالتوازنات الداخلية وتوتير البلد في كثير من المحطات والمنعطفات".
وأضافت المصادر قائلا: "نأمل أن تكون هذه الخطوة مقدمة لمرحلة جديدة يستعاد فيها التوازن الوطني وتحترم فيها هذه التوازنات بما يحمي الاستقرار في البلد، ويتيح الانتظام للعمل المؤسساتي والديمقراطي من حيث انتظام الموالاة والمعارضة شرط الابتعاد عن الكيدية التي تصر عليها بعض الأطراف".
وعن العلاقة مع "تيار المستقبل"، قالت المصادر: "نحن باشرنا بعقد لقاءات تنسيقية مركزية مكثفة مع تيار المستقبل لتكريس العلاقة النضالية المشتركة التي تجمعنا معه منذ أيام رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري حتى لو تخللها بعض الشوائب في بعض المحطات أنما هناك ثوابت سياسية ووطنية مشتركة نلتقي عليها معه، ونحن حريصون على توسيع أفق هذه العلاقة في مختلف الاتجاهات في المرحلة المقبلة. ولا شك أننا والتيار مكونان رئيسيان لهما وزنهما وحيثيتهما الشعبية في البلد، وهذا التنسيق من شأنه أن يؤدي إلى تفعيل هذا الخط والنهج الوطني السيادي الاستقلالي الذي يريد إدخال البلد في مرحلة جديدة".
وفي كلمته في الاحتفال الذي نظمه "تيار المستقبل" في الذكرى الـ15 لاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، كان سعد الحريري قد نعى التسوية الرئاسية وشنّ هجوما على رئيس "التيار الوطني الحر". قال: "التسوية الرئاسية عاشت ٣ سنين، واليوم صارت من الماضي، وبذمة التاريخ".
وأضاف "لقد قمت بالتسوية لإنهاء الفراغ الرئاسي وإعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية، وأخذت التسوية بصدري، لانتخاب الرئيس، وسرت عكس المزاج العام ولمنع انهيار البلد، في حين أن البعض كان يرى في التسوية توزيعا للسلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لكننا كنا نراها حماية للبلد من فتنة أهلية ومنع انتقال الحريق السوري إلى لبنان".
aXA6IDE4LjIyNi4xNy4yNTEg جزيرة ام اند امز