في نهايات 2011 ارتكب متطرف مخالفة مرورية فعّلت منصة تستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة وتوقّع الهجمات الإرهابية.
ورصدت المنصة تذكرة ذهاب بلا عودة للمتطرف وتسلمه أموالا تم تحويلها من مناطق الصراع، كما رصدت تواصله مع مشتبه بهم في تجنيد إرهابيين، وأظهرت أنه استأجر شاحنة بلا سبب يستدعي استخدامه لها.
وقد حوّل النظام الذكي هذه المعلومات للجهات الأمنية، التي استطاعت إحباط هجمة إرهابية في الولايات المتحدة كان وراءها هذا الإرهابي، الذي تمكن الذكاء الاصطناعي من القبض عليه وتحييد خطره.
كان الإرهاب -ولا يزال- من الظواهر المتجددة متغيرة الأسلوب ومتعددة الأسباب، وتبقى التكنولوجيا أهم العوامل المؤثرة في الإرهاب ومكافحته، فاكتشاف المحرك البخاري وتسيير القطارات في روسيا وأوروبا أسهم في انتشار دعاية الجماعات الأناركية ونشر مطبوعاتها وأفكارها التحريضية في القرن التاسع عشر، فكانت شبكة المواصلات الحديدية هي البذرة الأولى لخروج الإرهاب من ثوبه المحلي المغلق، ليعبر حدود الدول والقارات، وغيّر ظهور الإنترنت شكل الإرهاب ونقله نقلة نوعية، حيث وجدت الجماعات الإرهابية لنفسها مرتعا رقميا ومنبرا مفتوحا لبث دعاياتها.
ولم تكن التكنولوجيا نعمةً كاملة لهذه التنظيمات، فمع تطورها تمكنت الدول والأجهزة الأمنية من تطوير أنظمة حماية، واستطاعت الوصول إلى معلومات حساسة عن هذه التنظيمات واختراق شبكات وخلايا التجنيد، وصولا إلى تطوير أسلحة نوعية استُخدمت في تصفية العديد من زعامات الإرهاب.
ويبدو أن النزعة التكنولوجية الجديدة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بدأنا التعامل مع شكل من أشكالها عبر التواصل مع "روبوت" الذكاء الاصطناعي ChatGPT، الذي يجيب عن أسئلة عميقة ويؤدي مهمات معقدة بسرعة عالية.
هذا التسارع يُنبئ عن تغيرات كبيرة مقبلة في شتى جوانب حياتنا، ولا يمكن إغفال ضرورة تبني مثل هذه التكنولوجيا وما تقدمه من فرص وحلول لمشكلات أمنية كالتطرف والإرهاب، خصوصا مع تعلم الآلة وقدرتها على حفظ ونقل وتحليل بيانات هائلة بشكل لحظي، لا يستطيع العقل البشري التعامل معها، خصوصا إذا ما تم تفعيلها في تتبع البصمة الرقمية والتعرُّف على الوجوه وتحديد أنماط وحركات هجمات "الذئاب المنفردة"، حيث ندرة المعلومات وصعوبة التحري عنها، كما سيشكل الذكاء الاصطناعي أداة فاعلة في تعقب حركة الأموال المشبوهة، وسيوفر الكثير من الموارد المادية والبشرية ويقلل المخاطر على الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب.
رغم ذلك، فإن التطبيق الكامل للذكاء الاصطناعي في مجال مكافحة الإرهاب لا يزال محل نظر عند كثير من الباحثين، مع وجود مخاوف مشروعة على الصعيد التقني والاجتماعي والأخلاقي، منها ما يتعلق بحقوق الإنسان والخصوصية وحماية البيانات والتعبير.
وقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن هامش الخطأ لا يزال مرتفعا، فمقابل كل حالة صحيحة لهجوم إرهابي يكتشفها الذكاء الاصطناعي، فإنه يشتبه بمئة ألف حالة بالخطأ، فالهجمات الإرهابية بطبيعتها صعبة التوقع وتقوم على فكرة أن الكل مستهدف في أي زمان ومكان، ومثل هذه الحوادث تصطحب معها ضجيجا من البيانات الرقمية ذات العلاقة، كما أنه لا يوجد "بروفايل" موحد للإرهابيين والتنظيمات الإرهابية، ولا يمكن الجزم باللحظة التي ينزع فيها المتطرف إلى العنف.
الذكاء الاصطناعي، رغم هذه التحديات، سيكون جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وسيكون أداة يجب استغلالها وتطويرها لحل المشكلات الأمنية، وهناك هامش كبير لتطويرها وتحسينها وإدماجها مع استثمارٍ إيجابي في رأس المال البشري ضمن إطار قانوني رصين، واستخدامها على الأقل حاليا كأداة مساندة تعمل بجانب الأدوات التقليدية لمكافحة التطرف العنيف والإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة