مرة أخرى نتابع تحليلا لأداء إعلام الإخوان وملتحقيهم، التقليدي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ليُفضي بنا إلى ملاحظات جديدة تتعلق أيضا بالحالة النفسية والعصبية للقائمين على هذا الإعلام، من مقدمين ومعلقين وضيوف.
وتنعكس هذه الحالة مباشرة على كل الأدوات التليفزيونية والفنية، التي تُبث وتُنشر من خلال هذا الإعلام.. ويتعلق الأمر هذه المرة بما يمكن تسميته مشاعر وأداء الانهزام والانتقام.
فمن ناحية أولى، كل المادة الإعلامية والأداء الشخصي لإعلام الإخوان تفصح بجلاء عن مشاعر هزيمة قاسية تسيطر على هذا الإعلام وكل القائمين عليه، وتظهر متكررة في موضوعاته ومفرداته واستخلاصاته.
فسقوط حكم الجماعة الإرهابية بثورة الشعب المصري العظيمة في 30 يونيو 2013، بعد عام واحد من الفشل الذريع وسعي وانتظار اقتربا من 85 عاما من تأسيس الجماعة عام 1928 للقفز على حكم مصر، أصابها وقيادتها وأنصارها وحلفاءها بصدمة غير مسبوقة في كل تاريخها انعكست على إعلامها خلال السنوات التسع الماضية.
فالجماعة اعتادت تأريخ مسيرتها منذ تأسيسها بطريقتها ومصطلحاتها، التي "تبيّض" تاريخها وتلوث تواريخ كل من وقف ضدها من أنظمة وحكومات وقوى سياسية وأفراد.
ومنذ صدامها الأول مع الدولة المصرية بعد اغتيالها القاضي أحمد الخازندار عام 1948، ما استوجب حلها والقبض على المسؤولين عن الاغتيال بقرار من حكومة محمود فهمي النقراشي، الذي اغتالته الجماعة بدوره بعد أسابيع قليلة، والجماعة تصك مصطلح "المِحنة" لتختزل ما جرى في أن الجماعة كانت دوما "مجنيا عليها" و"ضحية" لحكومة أو نظام هو الذي وجّه لها ضرباته دون أي ذنب منها.
وتكرر استخدام مصطلح "المِحنة" من جانب الجماعة لوصف صداماتها مع الدولة عام 1954 عندما حاولت اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، وعام 1965 بعد محاولة الانقلاب المسلح، التي قادها سيد قطب.
أما ما جرى للإخوان وحكمهم في مصر في يونيو 2013 فقد دمر روايتهم لتاريخهم ومعها مصطلح "المحنة"، الذي لم يستخدم قط لوصف ما جرى لهم في ثورة شعب مصر العظيمة.
وهنا يظهر الجذر الحقيقي لملامح الهزيمة القاسية في إعلام الإخوان، فالذي واجههم هذه المرة وأطاح بحكمهم وأنهى حلمهم ليس حكومة أو نظاما سياسيا، بل عشرات الملايين من المصريين، الذين خرجوا في مشهد غير مسبوق في التاريخ المصري الحديث، لإسقاط حكمهم وإخراج جماعتهم من الساحة المصرية إلى غير رجعة.
لم يجد الإخوان وإعلامهم للهروب من مشاعر الهزيمة الساحقة والعميقة بداخلهم سوى مصطلح "الانقلاب"، لوصف ثورة شعب مصر وتبرير هزيمتهم وطردهم من واقع مصر ومستقبلها، إلا أنه لم يستطع إعلامهم إخفاء مظاهر هذه الهزيمة في كل أدائهم الإعلامي، هم والملتحقة بهم.
أما الشعور الثاني العميق والمكمل لشعور الهزيمة الساحقة لدى إعلام الإخوان، فهو الرغبة العارمة والمَرَضية في الانتقام.
الانتقام شعور طبيعي داخل الجماعة منذ اغتيالها القاضي "الخازندار" ورئيس الوزراء المصري "النقراشي"، وكان يدفعها هذا الانتقام دوما وعقب كل صدام مع الدولة المصرية لمحاولة الانتقام بعد شهور أو سنوات، مما تظن أنه "المحنة"، التي كانت الجماعة تقدم نفسها فيها باعتبارها "ضحية".
لكن عظم وجِدة ثورة يونيو 2013 أربكا إعلام الإخوان إرباكا شديدا، فتعاظمت به لديهم مشاعر الانتقام مما جرى لهم وخرج عن كل قاموسهم المعتاد وتفسيراتهم التقليدية.. وجاوز هذا الشعور بالرغبة في الانتقام لدى هذا الإعلام الإخواني من النظام السياسي القائم في مصر ورموزه، ليصل إلى المفترض أنه بلدهم كله وإلى شعبهم بشكل خاص، فلم يعد لديهم سوى مشاعر وقاموس الشماتة في كل ما يظنون أنه سلبي أو مسيء للبلد والشعب، مترافقا معه شعور عميق بالرغبة في الانتقام منهما عبّر عن نفسه طوال الوقت بالمبالغة في وصف ما يحدث -حتى لو كان هزيلا ولا يستحق الإشارة- وتقديمه باعتباره "كارثة" مؤكدة ستطيح بمصر وشعبها فورا أو بعد وقت قصير.
الانهزام والانتقام مشاعر مؤكدة وظاهرة لكل ذي عين في إعلام الإخوان وملتحقيهم والقائمين عليه، ومن فرط سيطرتها عليهم طوال ما يزيد على تسع سنوات، صارت على ما يبدو، ليس فقط واحدة من أبرز خواصهم، بل مكون ثابت في تركيباتهم النفسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة