بين مطرقة "نصرة الإسلام" وسندان "داعش" باتت دولة مالي بقيادة المجلس العسكري الحاكم في "حكم المجهول".
فقد أطلقت ما يسمى "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الإرهابية في مالي تهديدا بـ"شن عمليات إرهابية ومحاصرة العاصمة باماكو"، في تطور جديد يفاقم أزمات مالي، ويجعلها عرضة لخطر الإرهاب، أكثر من أي وقت مضى.
وفي مقطع فيديو نشره التنظيم الإرهابي، الخميس، هدد المدعو "أبويحيى" عضو ما يسمى "مجلس شورى" "نصرة الإسلام والمسلمين" الإرهابية بإطلاق عمليات مسلحة للتحالف الإرهابي.
وذهب التنظيم الإرهابي أبعد من ذلك عندما هدد بـ"محاصرة العاصمة باماكو في الأيام المقبلة".
"داعش" على الأبواب
يأتي ذلك، بعد نحو أسبوع فقط من تطور مفاجئ وغير مسبوق شهدته العاصمة المالية عقب تنفيذ تنظيم "داعش" الإرهابي هجوما على مقر المجلس العسكري الحاكم في مالي.
وفي 22 يوليو/تموز الماضي، أعلن الجيش المالي -في تغريدة عبر موقع "تويتر"- عن تمكنه من صد هجوم إرهابي نفذه مسلحون بسيارات مفخخة استهدفت قاعدة "كاتي" العسكرية التي يقيم فيها الحاكم العسكري الانتقالي آسيمي جويتا والتي تبعد عن باماكو بنحو 15 كيلومترا.
وقاعدة "كاتي" هي التي كانت معقلا لتنفيذ الانقلابين العسكريين الاثنين اللذين حدثا في مالي سنتي 2012 و2020.
وتمكن التنظيم الإرهابي في سابقة هي الأولى من نوعها من الوصول إلى ما يسمى "قلب الجهاز العسكري" ومكان إقامة الجنرال جويتا.
وذكرت وسائل الإعلام المحلية المالية، أن أصوات إطلاق نار مكثف سمعت في القاعدة العسكرية "قبل أن يتم احتواء الوضع بعد ساعة من ذلك"، فيما سارع الجيش المالي بنقل المجلس العسكري الحاكم إلى العاصمة باماكو، وفق تقارير إعلامية دولية.
وهذه المرة الأولى التي تتمكن فيها التنظيمات الإرهابية المتمركزة في مالي من الوصول إلى القاعدة العسكرية "الأكبر والأهم" في هذا البلد الأفريقي.
وتزامن ذلك أيضا، بعد مرور يوم واحد فقط، على كشف الجيش المالي عن قيام إرهابيين ينتمون لتنظيم "القاعدة" الإرهابي بهجمات إرهابية "منسقة" ضد معسكرات للجيش المالي على بعد مئات الكيلومترات من العاصمة أسفرت عن مقتل وإصابة 15 جندياً.
ما هو تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين"؟
يقتل ويُرهب باسم الإسلام والمسلمين، وهو المصنف كواحد من أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم ومنطقة الساحل والصحراء تحديداً، كونه يضم "أكبر تحالف يدين بالولاء لتنظيم القاعدة" الإرهابي، منذ تأسيسه في مارس/آذار 2017.
ويضم التحالف الإرهابي 4 جماعات إرهابية وهي "أنصار الدين"، و"كتيبة المرابطون"، و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى"، و"كتائب تحرير ماسينا".
ويقود التنظيم الإرهابي "إياد آغ غالي" وهو أحد قادة الطوارق في مالي، الذين أعلنوا التمرد العسكري على الحكومة المالية في تسعينيات القرن الماضي بقيادة الحركة الشعبية "لتحرير الأزواد".
وقدرت تقارير أمنية وإعلامية دولية عدد عناصر "جماعة نصر الإسلام والمسلمين" الإرهابية بين 1500 و2200 إرهابي من جنسيات مختلفة.
ويشكل التنظيم الإرهابي تهديداً مباشراً لـ6 دول أفريقية "على الأقل" -بحسب تقارير دولية- هي: الجزائر، مالي، النيجر، موريتانيا، بوركينافاسو، وتشاد، إضافة إلى القوات الفرنسية المتمركزة في مالي والنيجر.
وكشف خبراء أمنيون عن أسباب تحالف 5 حركات مسلحة في تنظيم واحد والذي سموه "النمط الجديد للتنظيمات الإرهابية"، وفسروا ذلك بالضغوط والخناق اللذين فرضتهما عليها دول الساحل والصحراء والقوات الأمريكية والفرنسية وكذا الخناق الجزائري بالشمال، مستفيدة في ذلك من "امتلاكها قدرات تنظيمية كبيرة" ساعدتها على التحالف والتمدد في عمق الساحل خاصة في مالي والنيجر.
وأشارت تقارير استخباراتية دولية إلى "الخبرة العسكرية" التي تمتلكها قيادات في التنظيم الإرهابي خاصة التي انشقت عن الجيش المالي، أو التي لها "خبرة في تنفيذ الهجمات الإرهابية"، وهو العامل الذي ساعدها على تنفيذ هجمات إرهابية دقيقة.
ويستفيد التنظيم الإرهابي من عدم قدرة السلطات المالية على السيطرة على جزء من أراضيه، والذي شكل عاملاً كبيراً في قدرته على اختراق الحدود خاصة من جهة النيجر.
تبادل الأدوار الإرهابية
تزامن غريب ومريب بين تقاطع أجندات "القاعدة" و"داعش" ليس في مالي بحسب، بل في عمقها السياسي والعسكري وهي العاصمة باماكو.
تزامن قد يكون لافتا جدا مع تحليل سابق "انفردت" به "العين الإخبارية" مع البروفيسور الجزائري المختص في الشؤون الأمنية والجماعات الإرهابية إدريس عطية، عندما توقع أن يكون المشهد المقبل في أفريقيا "متبادلاً للأدوار بين داعش والقاعدة".
الأرضية الدستورية
وقال عطية في هذا الشأن: "المشهد المقبل معقد وسوف يشهد عمليات إرهابية كثيرة على غرار ما تقوم به بوكو حرام في نيجيريا وغرب أفريقيا، والأمر نفسه بالنسبة لهذه التنظيمات الإرهابية سوف نشهد تحولا في وضعيتها وأدوارها وربما حتى تبدلا في أجنداتها العقائدية من القاعدة إلى داعش والعكس".
الخبير ذاته عاد ليشرح في تصريح جديد لـ"العين الإخبارية" حقيقة ما يحدث من تطورات متلاحقة في مالي.
البروفيسور إدريس عطية المختص الجزائري في الشؤون السياسية والجماعات الإرهابية أوضح أن "مالي تشهد حركية اجتماعية كبيرة جدا وعلى رأسها الوجود العسكري الفرنسي، والعمل الإرهابي ربما يصبح أداة للحيلولة دون أن تعود مالي إلى الأرضية الدستورية".
وتابع قائلا: "مالي شهدت انقلاباً أولا ثم ثانياً، اليوم من يدير الشؤون السياسية والعسكرية هو المجلس العسكري في مالي، وبالتالي فإن التأثير على هذه التوجهات هو محاولة خلق حالة فراغ سلطوي أو سياسي".
ويرى الخبير الأمني والسياسي الجزائري أن "هذا النوع من الإرهاب أداة فقط لإحداث حالة من الفراغ الأمني والسياسي، وبالتالي فإن هذا الإرهاب يُنظر له كأداة فقط تحاول أن تزعزع هذا العمل".
وأشار المختص الجزائري في الشؤون الأمنية أيضا إلى أنه "ينبغي أن نعود إلى الأجندة التي وضعها الاتحاد الأفريقي من أجل أن يضبط البوصلة السياسية في مالي من أجل العودة سريعاً للقاعدة الشرعية الداخلية".
وأردف قائلا: "مع ذلك فإن الإرهاب يحاول أن يكسر هذه القاعدة الدستورية ويبحث عن استمرارية هذا الفراغ السلطوي في مالي، وبالتالي نؤكد أن فرنسا والعديد من القوى الدولية ترفض عودة مالي إلى الشرعية السياسية"، على حد قوله.