مشهد عبثي وصادم أدّاه المتهم بقتل الطالبة المصرية نيرة أشرف، في أولى جلسات محاكمته، مفاده "رقصة" جديدة لكنها هذه المرة على سمعة وشرف ضحيته التي لم تبرد دماؤها بين أنامله.
لم يكتف قاتل فتاة المنصورة بمشهد الذبح، الذي سيظل طويلا رمزًا للتوحش البشري في أعنف صوره، وتجسيدًا قاسيا لواقع مرير تعيشه النساء في أغلب مجتمعاتنا، بل راح يبحث لنفسه عن مهرب من حبل الإعدام، واختار السبيل الأدنى إنسانية، وهو العبث بسمعة الضحية، تلك التي ما عادت بيننا بعدما سُرق عمرها، ولا تملك قدرة الرد والدفاع عن نفسها المقبوضة.
نهج التضليل، الذي اتبعه المتهم، يبدو أنه خطة مع محاميه للهرب من الظرف المشدد، وهو ما شرحه الصحفي المصري الوليد إسماعيل -المتخصص في هذا الملف- عبر تدوينة له يقول فيها: "دور الدفاع والمتهم في أي جريمة قتل عمد مع سبق إصرار كما في قضية نيرة، سواء على لسان المتهم أو دفاعه أو كليهما معا، تبدأ بزعزعة اعتقاد القاضي في الظرف المشدد، الذي هو سبق الإصرار.. يعني في إثارة أمور حول الباعث على القتل، وهو سبب ارتكاب الجريمة أو ما قبل ارتكاب الجريمة، لأن هدم دلائل الظرف المشدد أو التشكيك فيها أولوية، وليس جريمة القتل نفسها، للهرب من أقصى عقوبة...".
وقد فطنت الجهات القضائية في مصر لخطة المتهم ودفاعه، فقررت حظر النشر في القضية، وهو ما نادت به بعض الأصوات عقب ما أحدثته مزاعم المتهم من زعزعة التعاطف المطلق مع الضحية، ويحزنني أن أقول، بل تعدتها لحالة تعاطف صادمة، ما يفتح هنا باب القضية الكبرى، وهي: هل الحل في الحظر والمنع، لمقاومة التضليل سواء في الحوادث المنظورة قضائيا أو منشورات شبكات التواصل؟
لقد أصبح منهج التضليل إشكالية واقعة ومرصودة، وباتت مسألة السيطرة على أمواج الأخبار المضللة أو المعلومات الكاذبة، خاصة عبر سيل جارف من شبكات التواصل الاجتماعي، أمرا يشغل بال الحكومات والمختصين، وبات البعض ينادي بضرورة سنّ تشريعات للسيطرة على هذه الفوضى، فمثلا الكويت مؤخرا قررت سحب ترخيص 90 صحيفة إلكترونية وإحالة 73 وسيلة إعلامية إلى النيابة العامة على خلفية ارتكاب "مخالفات للقوانين في البلاد"، بينها "نشر أخبار كاذبة".
القضية تناولها تقرير لوكالة "رويترز" لسنة 2022 عن اتجاهات الصحافة والإعلام، حيث جاء فيه أن: "الضغط لتنظيم منصات التكنولوجيا وتأثيرها، يتزايد مع انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت حول فيروس كورونا، بجانب الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في تفاقم بعض الأحداث، ويقود الاتحاد الأوروبي الطريق من خلال قانون الأسواق الرقمية، الذي مرره البرلمان الأوروبي، ويضع قواعد صارمة على الشركات العملاقة، مثل جوجل وأمازون وفيسبوك وآبل، وذلك بهدف الحد من قوة هذه الشركات، ومعالجة النتائج السلبية الناشئة عن سلوك بعض هذه المنصات، بينما تخطط المملكة المتحدة لتمرير قانون الأمان عبر الإنترنت، والذي يهدف إلى معاقبة المنصات التي لا تحد بما يكفي من المحتوى غير القانوني والضار".
أعتقد أن الحظر والمنع أو حتى سنّ قوانين تقيّد عمل وسائل الإعلام أو النشر عبر شبكات التواصل، لن يحمي المجتمع من التضليل، فإمكانية الوصول إلى المعلومات وتعدد المنصات وتنوع سبل تخطي الحجب والحظر، تجعل من هذه الفكرة مجرد إجراء شكلي غير قابل للتطبيق، بل سيزيد من شهوة الجمهور في اللهث وراء ما يعتقدون أنه ممنوع.
الحل، الذي أراه ضرورة، في ظل هذا المشهد الفوضوي هو التركيز على الجمهور، وتطوير مهاراته المعرفية، وتنمية قدراته على التمييز بين ما هو مضلل، وبين ما هو حقيقي، وتمكينه من سبل التنقيح، حينها لن تجد المعلومات المضللة سبيلا للانتشار، بل سيتحول المجتمع إلى رقيب واعٍ وقاضٍ حقيقي أحكامه غير قابلة للاستئناف أو النقض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة