سيأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للخليج العربي في زيارة استهلالية للمنطقة وسيزور فيها السعودية وإسرائيل ودولة الفاتيكان في إطار توجه أمريكي معلن بالحرص على إجراء حوار يضم الأديان الثلاثة
سيأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للخليج العربي في زيارة استهلالية للمنطقة وسيزور فيها السعودية وإسرائيل ودولة الفاتيكان في إطار توجه أمريكي معلن بالحرص على إجراء حوار يضم الأديان الثلاثة، مع التركيز علي فكرة التوافقات والتسامح ومواجهة التطرف والإرهاب، وبناء استراتيجية أمريكية عربية إسلامية متكاملة الأركان، وهو ما يوضح لماذا حرصت الإدارة الأمريكية علي القيام بهذه الزيارة بعد تجاوز المئة يوم من عمر الإدارة الأمريكية ، وفي توقيت بالغ الأهمية ومع استمرار المواجهات في سوريا واليمن وليبيا، وعدم التوصل لنقطة توافق يبدأ منها مسار المفاوضات العربية الإسرائيلية والتي قد تتضح عقب إتمام الزيارة أو أثناءها ..
في كل الأحوال علينا تفهم ما يجري داخل الإدارة الأمريكية وكيف تخطط وترسم سياستها لكي نتعرف على أبعاد الحركة الأمريكية الراهنة في المنطقة العربية إجمالا وفي منطقة الخليج العربي علي وجه الخصوص، وفي ظل تداخل التوجهات الانعزالية للرئيس ترامب تارة، والغامضة تارة أخرى، بل ومحاولته تفعيل شعار "أمريكا أولا"، وكذا أيضا ضعف خبرته في السياسة الخارجية، الأمر الذي قد يرجح أن يكون لمستشاريه الموقف الحاسم في توجهاتها، ويعظم أيضا من أهمية التحرك العربي عبر مجموعة عمل تجاه هؤلاء المستشارين.
الأهم من ذلك أن مسألة استغلال الفرص التي تطرحها إدارة ترامب في المنطقة العربية وفي الخليج العربي، وتقليل ما قد تنتجه من قيود ومحاذير سيرتبط بالأساس بآليات التعامل الخليجي مع الإدارة الأمريكية، ومدى قدرة دول الخليج العربي على المسارعة ببناء خطوط تواصل وتفاهم تصب في إطار المصالح الخليجية سواء في أثناء زيارة الرئيس ترامب أو بعدها.
ثمة مجموعة من السمات العامة لإدارة دونالد ترامب وتوجهاتها سواء السياسية أو الاقتصادية يجب أن توضع في الاعتبار، بعض تلك التوجهات يتعلق بالرئيس شخصيا والبعض الآخر يتعلق بفريق المستشارين الذين يعملون معه، إضافة إلى طبيعة السياقات المؤسسية التي تحدد مدى قدرة الرئيس الأمريكي على التأثير في ملفات السياسة الخارجية، وثمة اتفاق عام على ضعف خلفية الرئيس الأمريكي ترامب حول قضايا السياسة الخارجية، فهو قادم بالأساس من عالم المال، دون أن يتعرض لخبرات سياسية مؤسسية في النظام الأمريكي، إذ أعلن من قبل إفلاسه 6 مرات أثناء عمله في البيزنس واستطاع العودة من جديد لعالم الأعمال، الأمر الذي يضفى قدرا من الغموض والمخاطرة في تقييم شخصيته التي تقترب من فكر القوميين البيض الانعزاليين في الولايات المتحدة.
ويجب الانتباه للوضع الراهن لفريق العمل بجوار الرئيس ترامب وأهميته الكبيرة في صناعة القرار خاصة مع ضعف خبرة الرئيس الأمريكي ترامب في ملفات السياسة الخارجية، حيث يضم هذا الفريق مجموعة متناقضة من شخصيات يمينية متشددة ومعتدلة، ولكن يغلب عليها الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط، كما أن لديهم خبرات واسعة في مجال مكافحة التطرف والتطرف.
والواقع أن عملية صناعة القرار في الولايات المتحدة تعتمد على دور المؤسسات أكثر من شخص الرئيس، وبالتالي لن تتغير شخصية ترامب في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية وفي الخليج العربي تحديدا، بل سيلتزم بتوجيهات المؤسسات الأمريكية وعلى رأسها الكونجرس والدفاع والاستخبارات، كما أن بعض الشخصيات التي تعمل بجواره يقومون بدور هام في صنع السياسات مع الوضع في التقييمات العربية بأن الرئيس ترامب يتمتع فعلا بالكاريزما والقدرة علي المواجهة، وهو ما قد يقوم به لاحقا في ملف التعامل مع إيران وإسرائيل تحديدا .
وعلي جانب آخر ثمة إدراك لدى ترامب بأن الفراغ السياسي الناجم عن انهيار بعض الدول في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الثورات يهيئ الفرصة أمام نمو الجماعات الإرهابية، وأن الأداة العسكرية هي الوسيلة الأمثل للقضاء على هذه الجماعات، كما ينظر الرئيس ترامب إلى كثير من الجماعات الإرهابية على أنها صناعة أمريكية، ومن ثم فرؤية الرئيس ترامب لإشكالية مكافحة الإرهاب واضحة ، فهو يتعامل مع كل أشكال الإرهاب على أنها شيء واحد لا بد من مواجهته، حيث لا يفرق بين إسلاميين معتدلين ومتشددين ويدعم ترامب فكرة استقرار الدول.
إذن هناك فرصة جيدة للتعامل مع هذا الرئيس من منطلق المصالح العربية واستثمار توجهاته التي ربما ستقترب في بعض الأحيان من الأطروحات العربية برغم كل ما يقال عن حدود التجاذب والتباين مع المواقف العربية الأمريكية المطروحة، ومن ثم فإن من الضروري صياغة قواسم مشتركة عربية، وفي الملفات الأكثر إلحاحا علي المستوى العربي مع العمل علي بناء موقف عربي يقترح حدا أدني من الاتفاق خاصة في الملفين الإيراني النووي، والتعامل مع تبعات الملف السوري علي أن يمتد ذلك إلي سائر الملفات العربية الأخرى، ووفقا للأولويات العربية وحسب درجة الأهمية المطروحة .
هناك فرصة جيدة للتعامل مع هذا الرئيس من منطلق المصالح العربية واستثمار توجهاته التي ربما ستقترب في بعض الأحيان من الأطروحات العربية
إن صياغة معادلة حسابات النفقة والتكلفة والعائد قد تكون جيدة للعالم العربي في التعامل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي يسعي بالفعل لإحداث اختراقات في المواقف والسياسات الأمريكية الراهنة، وهو ما يجب تشجيعه بالفعل وتقديم الدعم المباشر في هذا السياق خاصة في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، إذ يسعي لتحقيق نجاح غير مسبوق لم يحققه أي رئيس أمريكي من قبل، وهو ما قد يدفعه لتكرار ذلك في ملفات أخري وليس مطلوبا أن نحصل من الإدارة الأمريكية علي خطاب تطمينات أو ضمانات لتطويق إيران أو تقييدها، خاصة مع تعقد الحسابات الأمريكية الإيرانية التي ستدفع الإدارة الأمريكية للتعامل مع واقع الاتفاق النووي، وليس تجميد بعض بنوده أو الدخول في مواجهة ولو دبلوماسية مع إيران، وإنما المطلوب التحذير والتنبيه علي مخاطر التدخلات الإيرانية السافرة في سوريا والعراق واليمن والبحرين..
لدينا فرصة ذهبية لفرض رؤية عربية علي الإدارة الأمريكية، وعدم الوقوف في دائرة التلقي ورد الفعل بل والتعامل من منطلق الشراكة والمبادرة ليس فقط في ملف مواجهة الإرهاب والتطرف والتماهي مع أفكار الإخاء والتسامح والتوافقات التي سيطرحها الرئيس الأمريكي ترامب علي قادة الدول العربية والإسلامية، إنما أيضا بتقديم الرؤية والمنهج في التعامل مع التحديات الراهنة في الإقليم بأكمله، ويقينا لدينا كنظام عربي وإسلامي ما يمكن أن نتقدم به، ونقدمه لهذه الإدارة .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة