التوازن بين العقل والعاطفة من سمات الشعوب والأمم الناضجة، سواء في الحياة الشخصية أو المجال العام
التوازن بين العقل والعاطفة من سمات الشعوب والأمم الناضجة، سواء في الحياة الشخصية أو المجال العام، حيث لا تكون طموحات الإنسان أكثر من إمكانياته، ولا تكون شعارات الدولة والمجتمع أعلى بكثير مما يمكن تحقيقه، والعكس في الأمم والشعوب المتخلفة الراكدة، حيث تتغلب العاطفة على العقل، بل أحيانا ينزوي العقل جانباً، ويكون المجال مفتوحاً بصورة كاملة لتحكم العواطف، سواء في الحياة الشخصية، حيث تكون الأحلام أكبر بكثير من الإمكانيات، ويعيش المجتمع والدولة في ظل شعارات زائفة جميلة الشكل، خاوية المعنى، وغالباً ما تكون مأخوذة من القيم العليا لتلك الأمة، أو ذاك الشعب.
وهذه الشعارات غالباً ما تقود إلى تدمير ذاتها، بحيث يتم إسقاط الشعار ذاته، وبناء جدار من الكراهية ضده، على الرغم من أنه كان يوماً ما شعاراً نبيلاً، وحلماً قومياً، وغاية تُفدى بالأرواح، وتتعب في سبيلها الأجساد وتُفنى، والأدهى والأمَر أن هذه الشعارات تتحول إلى معاول هدم، وأدوات تخريب للأمم والشعوب، وتصبح في ذاتها محرقة للقدرات والمقدرات، وللبشر والحجر، وبذلك تصبح كارثة ودماراً شاملاً على الشعوب التي تبنتها.
في الأمم الناضجة أُطلق شعار السوق الأوروبية المشتركة الذي قاد بعد عقود لنشأة الاتحاد الأوروبي، وفي الأمم التي دمرتها الأوهام أُطلق شعار الوحدة العربية، فتحول إلى وسيلة للحرابة والمحاربة بين الدول العربية، بحيث لم تبق بقعة لم تشهد حرباً أو تآمراً أو خديعة أو خيانة، وهذا ليس عيباً في الشعار ذاته، ولكن العيب فيمَن أطلقه في غير وقته، واستخدمه لغير أغراضه، واختفى خلفه لممارسة كل أنواع الجرائم.
مأساة العرب أنهم ما زالوا يصدّقون الشعارات، ويعطون الفرصة للمجرمين واللصوص في أن يختبئوا خلفها لنهب الأوطان، وتدمير البنيان، وإهلاك الإنسان، شعارات العرب صارت دروعاً واقية لأكابر المجرمين للقيام بجرائمهم والنجاة من العقاب
ولنأخذ شعاراً واحداً كمثال على بؤس الشعارات في العالم العربي، وتحولها إلى دروع يختبئ خلفها أكابر المجرمين، تعالوا ننظر في شعار صبيان جماعة الحوثي، ونتأمل دلالاتها، وعلى وزنها نقيس باقي شعارات العرب في نصف القرن الأخير، شعار الحوثي يقول: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"، ثم ظهر بعد ذلك إضافة لهذا الشعار تضمنت "قاطعوا أمريكا، قاطعوا إسرائيل"، تحول الشعار الأساسي للحوثيين إلى تعويذة، وعقيدة تظهر مصاحبة لوجودهم أكثر من أي شعار آخر، فتوضع على البنادق والمدافع، وعلى السيارات العسكرية، وعلى نقاط التفتيش، وتدريجياً تحولت إلى علم للحركة الحوثية واختفى بجوارها العلم اليمني، وصارت نقاط التفتيش تغرس الشعار في برميل وسط الشارع لتأكيد السلطة والقانون الحوثيين.
ولنتأمل العلاقة بين نص الشعار والقيم والمعاني التي يحملها، والممارسات الواقعية للحوثيين، وعلاقة كل ذلك بالإسلام أو بالزيدية أو الجعفرية الإثنى عشرية، وسنجد أنه بعيد عن كلمة الله أكبر التي هي شعار الأذان، ورمز تحرر الإنسان، لأنه عندما تقول الله أكبر فهذا يعني أنك حر لأنه ليس هناك مَن هو بينك وبين الله، فأنت حر في علاقتك بالله، بعيداً عن هذا المعنى العام لكلمة يرددها جميع المسلمين، وليس شعاراً لطائفة منهم؛ سنجد أن جماعة الحوثي هي جماعة الموت واللعنات، فجوهر فكرتها موت ولعنة، ولكن الشعار المخادع يتكلم عن الموت لأمريكا وإسرائيل، ولكنه لا علاقة للحوثي بأمريكا وإسرائيل، ولم يحدث أن احتك بهما أو تصادم معهما، فالشعار إذن للخديعة والتضليل، لأن الحوثيين لم يدخلوا في صدام مع أمريكا، ولا مع إسرائيل، فهم يقولون الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل، وعلى الرغم من فجاجة هذه اللغة، فإنها مخادعة كاذبة مضللة، تم وضعها بخباثة لتضليل العوام، لأن الحوثي جاء بالموت لليمنيين، وأوغل في قتلهم، فهذه الجماعة هي التي خرجت من منطقتها، واستخدمت السلاح لإخضاع جميع اليمن، ولم تأتِ بصندوق اقتراع، ولا بحركة تغيير اجتماعي، هي مليشيا مسلحة من قِبل دولة أجنبية هي إيران، ومدربة من قبل شبه دولة في دولة عربية هو حزب الله، حملت السلاح في وجه اليمنيين، وأخضعتهم بالقوة ورغماً عنهم، إذن الموت ليس لأمريكا وإسرائيل، وإنما الموت لليمن واليمنيين، ولكن الشعار الزائف الكاذب المخادع، تم اختياره لتفجير المخزون العاطفي من الكراهية لأمريكا وإسرائيل، وتوجيه هذا المخزون العاطفي "رصاص وقنابل ونار" إلى صدورهم.
ثم يأتيك شعار اللعنة على اليهود، وهو شعار يمثّل جريمة في حق الشعب اليمني الذي يوجد بين مواطنيه يهود، هم أبناء اليمن من قبل ظهور الإسلام، وهم مواطنون، والحوثيون يسعون لحكم اليمن، فكيف يلعنون مواطنيهم، وهو شعار مخالف للقرآن؛ لأن القرآن لم يلعن جماعة أو طائفة أو شعباً أو ديناً، وإنما لعن الذين كفروا بالوحي الإلهي بعدما تبين لهم أنه الحق، أي لعن سلوكيات، ولم يلعن هيئات أو جماعات، وهنا يزداد الشعار تضليلاً وتزييفاً وخداعاً، لأنه يوظّف الجرائم التي يرتكبها الصهاينة في فلسطين لخلق حالة عداء لكل اليهود، وهناك فارق ضخم بين الصهيونية واليهودية، ولكن العوام لا يفهمون هذا، وأخيراً.. ما علاقة لعن اليهود بحركة انقلابية عميلة لإيران تسرق اليمن.. العلاقة الوحيدة هي ممارسة الاختباء خلف الشعار لارتكاب أبشع جرائم القتل والسلب والنهب لكل ما في اليمن.
أما قاطعوا أمريكا.. فهذا من المضحكات المبكيات، لأن الشعب اليمني تحت حكم جماعة الحوثي العميلة لإيران تحوّل إلى حالة من المجاعة والأمراض والأوبئة، بحيث صار مجموع الشعب - بعد أن نهبت جماعة الحوثي الأموال العامة والخاصة- في حاجة للعون الخارجي، فكيف يقاطع مَن يطلب المساعدة والعون؟! هل هناك تزييف وخداع أكثر من ذلك؟!
مأساة العرب أنهم ما زالوا يصدّقون الشعارات، ويعطون الفرصة للمجرمين واللصوص في أن يختبئوا خلفها لنهب الأوطان، وتدمير البنيان، وإهلاك الإنسان، شعارات العرب صارت دروعاً واقية لأكابر المجرمين للقيام بجرائمهم والنجاة من العقاب.. فمتى تتحرر هذه الأمة من حالة الاستحمار بالشعار؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة