أحداث مهمة فرضت نفسها على العالم مؤخرا، كوفاة ملكة بريطانيا، وضم روسيا مناطق من أوكرانيا، مع خطاب بوتين الذي يعيد أجواء الحرب العالمية، وطغت على ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.
لم تحظَ هذه الذكرى رقم 21 بما تستحق من اهتمام إعلامي وبحثي مع أنه لا يزال "الحدث الأكبر" والمفصلي في القرن الحادي والعشرين، ويحمل في جَعبته كثيرًا من الدلالات والدروس.
وفي ظل تلاحق التطورات والأحداث الساخنة في بؤر توتر متعددة حول العالم، من المهم قراءة تفجيرات سبتمبر وما صاحبها وتبعها من دورس وعبر.
من هذه الدروس، التي يجب تذكرها دائمًا من تفجيرات 11 سبتمبر، أن الأمن المطلق مستحيل.. ومهما بلغت الدول من قوة فإن ضمان الأمن لا يتعلق فقط بمقوماته المادية أو الأدوات العسكرية والدفاعية، فضلا عن الخطط والاستراتيجيات التقليدية، وإلا ما تعرضت الولايات المتحدة إلى ذلك الاعتداء الإرهابي من داخل أراضيها.
وبعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر، لم يعد محل جدل أن استشعار الأمان والانعزال أو الحصانة مما يجري في العالم، صار من المستحيلات، فقد تحوّل العالم بالفعل إلى قرية صغيرة وأسقطت ثورة الاتصالات كل الحواجز بين أفرادها، بما يعنيه ذلك من تفاعل وتعاون ومنافع، ومشكلات أيضا.
كما أن هناك درسا آخر مهما من 11 سبتمبر، وهو المتعلق بردود الفعل أو مرحلة "ما بعد الصدمة".
فبعد وقوع تفجيرات سبتمبر مباشرة، لم يجد العالم بُدًّا من مجاراة واشنطن في حملتها العالمية لمكافحة الإرهاب.. كانت حملة أمنية بكل المعايير، وحظيت بالفعل باقتناع وإيمان معظم دول العالم بضرورة القضاء على الإرهاب، الذي يستخدم الدين ويتخفى وراءه.
غير أن العقدين، اللذين مضيا بعد تفجيرات سبتمبر، أثبتا أن الاتفاق في رفض ونبذ الإرهاب والتعاون في مكافحته لا يعني بالضرورة التماهي مع واشنطن في سياساتها وتحركاتها بشكل مطلق.. فصحيح أن خطر الإرهاب والتطرف عالمي ولا يستثني أي شعب أو دولة، لكن مواجهة ذلك الخطر بانتقائية وفقا لمعايير مصلحية "أمريكية" وحسب هو أمر جدير بالمراجعة.. وهو ما بدأت بالفعل بعض دول العالم تقوم به، ومنها دول عربية انتبهت إلى ضرورة ضبط بوصلتها السياسية وتوجيه علاقاتها الخارجية وفق مصالحها الوطنية ورؤاها للقضايا والاستحقاقات الإنسانية في العالم ككل.. دون افتراضات مسبقة بأن واشنطن، أو غيرها من العواصم الكبرى في العالم، تتعاطى بمثالية أو وفق الرؤية الشاملة الموضوعية نفسها، التي تبتغي مصلحة الجميع.
هنا تكمن نقطة أخرى مهمة، تتعلق بمدى استيعاب الولايات المتحدة دروسها.. فالإدارات الأمريكية المتعاقبة راحت تعمل على تأمين أراضيها بقدر اهتمامها بتأمين مصالحها في الخارج، انطلاقا من أن التهديدات والمخاطر غير قابلة للتجزئة ولا تقف عند حدود جغرافية.. وابتدعت واشنطن موجة العولمة لتكون مظلة جامعة تضم دول العالم كلها تحت لوائها اقتصاديا وثقافيا، وبالتبعية سياسيا.
غير أن هذا التوجه الأمريكي العالمي ظل ناقصا، فلم تصحبه خطط حقيقية أو حتى محاولات جادة لحل المشكلات وتصفية الصراعات المزمنة، التي تمثل أسبابا جوهرية في كثير من التهديدات العابرة للحدود والأقاليم.
وكأن واشنطن افترضت أن الأساليب الأمنية التقليدية من جهة، والعولمة من جهة أخرى، تكفيان لتوفير الأمن والاستقرار والهدوء لشعوب العالم، وللأمريكيين.. وهو افتراض نظري بالطبع، بعد أن أثبتت تطورات العقدين الماضيين أن المقدمات السليمة هي وحدها التي تُسفر عن نتائج صحيحة.
كذلك هناك درس المبادئ الشاملة، والتي لا يمكن تطبيقها بالتجزئة والانتقائية، كما أنها ليست قابلة للتطبيق بشكل مطلق ومتطرف، وإنما هي بطبيعتها تتطلب موضوعية وتوازنا.. ففي حين نجد أن واشنطن تدعو إلى الحوار والتفاوض والحلول السلمية للمشكلات بين الدول، لكن مع مجيء دونالد ترامب إلى "البيت الأبيض" غيّر النهج واتبع سياسة "الضغط الأقصى" وانسحب من الاتفاق النووي قبل أن تعود واشنطن مجددا في عهد الرئيس الحالي جو بايدن إلى التفاوض والحوار بهدف "احتواء إيران".
الخلاصة، ما تحتاج واشنطن إلى إدراكه أن المعالجة الصحيحة للأزمات والمشكلات في العالم لا تكون بالاندفاع، سواء نحو الحوار والتهدئة أو بالتصعيد المتهور، وبالتالي تأزيم المشكلات وتأجيجها كما يحدث الآن مع روسيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة