"3 سنوات ونصف مع ناظم حكمت".. كتاب يروي حياة أشهر شعراء تركيا بالسجن
الكتاب يتضمن تجربة الشاعر أورهان كمال في السجن مع الشاعر ناظم حكمت، أحد أبرز شعراء تركيا في العصر الحديث.
صدرت عن دار "المتوسط" في مدينة ميلانو الإيطالية، ترجمة عربية لكتاب "ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت"، للشاعر التركي أورهان كمال، ترجمها أحمد زكريا، وملاك دينيز أوزدمير.
ويتضمن الكتاب تجربة الشاعر أورهان كمال في السجن مع الشاعر ناظم حكمت، أحد أبرز شعراء تركيا في العصر الحديث، وتكشف وجها إنسانياً مبهراً للشاعر الشهير الذي بلغت إنسانيته إلى حد أنه كان يُعلم سجانه الرسم.
ناظم حكمت الذي وُلد في 1902، عارض الإقطاعية التركية، وشارك في حركة أتاتورك التجديدية، ولكن بعدها عارض النظام الذي أنشأه أتاتورك، وسُجن حتى 1950، وفرّ إلى الاتحاد السوفيتي، لأن أشعاره كانت ممنوعة في تركيا، إلى أن أعادت له بلده الاعتبار بعد وفاته في عام 1963.
وترك الشاعر الشهير أثراً في الشعر العربي، فنجد أصداء من طريقته الشعرية في العديد من الشعراء، مثل: عبدالوهاب البياتي، وبلند الحيدري، ونزار قباني، وتُرجمت قصائده الشعرية إلى أكثر من 50 لغة، وحصلت أعماله على العديد من الجوائز.
كتب "حكمت" بعدة أسماء مستعارة خلال فترات منعه، مثل: أورخان سليم، وأحمد أوغوز، وممتاز عثمان، وأيضا أرجومينت آر.
كما أنه قد أصدر كتاباً بعنوان "الكلاب تعوي والقافلة تسير"، وتم نفيه من تركيا عام 1951، وبعد حوالي 46 عاماً من وفاته، تم إلغاء تلك القضية، وذلك بقرار صادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 5 يناير/كانون الثاني 2009، وتم العثور على قبر ناظم حكمت في موسكو.
وينقل الكتاب تجربة أورهان كمال إلى جوار ناظم حكمت في سجن "بورصة" عام 1940، وكان قد تم القبض على "كمال" وهو طالب، بتهمة الاحتفاظ بديوان "حكمت" في حقيبته، ونشأت خلال فترة حبسهما معاً في عنبر (52) صداقة نادرة، يكشفها الكتاب.
وأورهان كمال، شاعر وروائي تركي، ولد عام 1914، وتوفي عام 1970، وعرف بكتاباته الواقعية، وهو أحد أشهر أدباء تركيا، واشتهر برواياته التي تناقش قضايا الفقر هناك.
وتكمن أهمية الكتاب في تناوله للجوانب الشخصية للكاتبين على مدار 3 سنوات ونصف، بالإضافة إلى العلاقة الأدبية بينهما، حيث كان ناظم حكمت معلماً له في الفلسفة والأدب واللغة الفرنسية.
وخلال تلك الفترة، نصح "حكمت" الشاعر الشاب أورهان كمال، بكتابة الروايات والقصص، وبعدها بدأ "كمال" في نشر القصص، وقد بدأ كتابة هذا الكتاب عقب خروجه من السجن مباشرة عام 1943.
وواصل "كمال" بعدها تبادل الرسائل مع "حكمت" الذي غادر تركيا بعد إطلاق سراحه عام 1951، متجهاً إلى الاتحاد السوفيتي، حيث أمضى هناك سنوات عمره الأخيرة، ولم يتمكن من العودة إلى بلاده أبداً.
ويتضمن الكتاب آراء وتأملات "حكمت" في تجربة الحياة والسجن، ويمكن اعتباره نصاً توثيقياً نادراً عن تصوراته الفنية والأدبية، ورؤيته لمفهوم الالتزام الأدبي.
هذا إلى جانب إشارات حول تجاربه في رسم المساجين والعسكر، فضلاً عن لوحات مائية مستلهمة من تجربة السجن ذاتها، بل أكثر من ذلك، كان يعطي دروس رسم للشاويش المداوم على حراسته، لكي يجد موضوعاً بينهما.
ويصف أورهان كمال كيف تصرف ناظم حكمت مع رفاق السجن حين وفد إليه، حيث كان بسيطاً، والجميع يتحدث براحة وسهولة، ويطلعه على رسائل يكتبها لزوجته التي كان يحترمها بلا حدود، ويحبها بشكل مختلف تماماً عن حب أي زوج لزوجته.
وكان "حكمت" يكتب لزوجته نثراً ممتلئاً بالشعر، خالياً من الزخرفة اللغوية، كذلك كان حميمياً يبهج من يسمعه، ويجدد الروح، ويحبب في الحياة بأكثر الأوقات تشاؤماً، وكان يتحدث في كل شيء، عن الحرب والحب والشعر، ويستعمل مصطلح "الواقعية والواقعية الفعالة".
والأهم أنه طلب من أورهان كمال أن يعتني بموهبته، ويضعها تحت رعايته، مشيراً إلى أهمية أن يتثقف، ووصف كمال تلك التجربة قائلاً: "كانت أشعاره تتدفق في كلمات قليلة، لكنها تستطيع أن تتحدث عن أشياء كثيرة، في حين كانت أشعاري عاجزة عن ذلك، ومليئة بالكلمات الزائدة من أولها إلى آخرها".
وقال "كمال": "في شعر ناظم حكمت حتى القوافي يكون لها وظيفة، فهو يأخذ موضوعاته بجدية مذهلة، فالفنان عنده في وضع المسؤول دائماً، لأنه كان يصدق أن الشاعر (مهندس الأرواح)، وكان يعتني باحتياجات أصدقائه، ويحترم المجتهد، وأي شخص مؤمن بقضيته، كما أن حبه للإنسان كان أبدياً".
وتكشف نصوص الكتاب اعتناء ناظم حكمت بتيار الشعر الجديد، وانحيازه المطلق لفكرة التجديد، وسعيه لإمكانية اقتراب الشعر من النثر، والاستفادة من أي تطور، فهو القائل: "ينبغي أن يفهم الناس الشعر، ويصبح الشعر لهم"، فقد سعى لكتابة أشياء واضحة بلا زخارف لغوية.
وتوضح النصوص والرسائل المرفقة بالكتاب إلى أي حد كان ناظم حكمت منحازاً للقيم الإنسانية، وطفلاً إلى حد أن أمه كانت تأتي إلى السجن لزيارته وتتأمل لوحاته وتبدي ملاحظات سلبية بشأنها، ثم تقوم برسمه أمام المساجين، ففي الأوقات التي كان يتعب فيها من الشعر كان يرسم ويتكلم.
aXA6IDE4LjIyNC41NS42MyA= جزيرة ام اند امز