يوضح تأمل وتحليل تحركات جماعة الإخوان في مصر منذ تأسيسها عام 1928 شرق دلتا البلاد، وخلال العقود التسعة التي تلت هذا، أن الجماعة بمختلف أجيالها وتعاقُب قياداتها ظلت تركز على أهداف بعينها تخص الجماعة دون غيرها.. كما تصرف نظرها عن كل ما عدا هذا.
وعلى مدار تلك العقود من عمر الجماعة، يتأكد أنها تلخص أهدافها في هدفين رئيسيين ارتبطا معًا ويمهد أحدهما للآخر:
الأول، هو تدعيم تنظيم الجماعة وتكبير حجمه بزيادة عدد المنضمين إليه في مختلف دوائره.
والثاني، هو توسيع شعبية الجماعة في مختلف طبقات وفئات الشعب المصري بكل الوسائل الممكنة.
فأما عن الهدفين، فهما مرتبطان تمام الارتباط للوصول إلى الهدف النهائي الحقيقي والمستمر للجماعة منذ تأسيسها، وهو الوصول إلى حكم البلاد منفردة ودون شريك، أو ما بات يُعرف في أدبيات الجماعة خلال العقود الثلاثة السابقة باسم "التمكين"، وهو عنوان ومضمون الوثيقة، التي ضبطتها السلطات المصرية لدى نائب مرشد الإخوان، خيرت الشاطر، عام 1992.
فالجماعة ظلت تسعى طوال الوقت لزيادة مساحة شعبيتها في أوساط المصريين، لكي يتسنَّى لها تحقيق الهدف الثاني، وهو تجنيد أعداد أكبر من بين المتعاطفين معها، ليصبحوا أعضاء في مختلف دوائر التنظيم، بما يضيف إليه اتساعًا وحجمًا وقوة.
وفي الوقت نفسه وفي الاتجاه المعاكس، فإن اتساع حجم التنظيم وعدد أعضائه كان يعد في نظر الجماعة الوسيلة المُثلى لتحقيق الهدف الأول، وهو زيادة مساحة شعبيتها بين المصريين، عبر الجهود والتكليفات التنظيمية، التي تصدر بصورة مخططة لأعضاء هذا التنظيم.
وليس فقط تأمل وتحليل تحركات الجماعة منذ تأسيسها هو ما يؤكد ما سبق، بل وأيضًا الوثيقة النظرية التي خططت للهدف النهائي والهدفين الرئيسيين المُفضيان إليه.
ويكفي فقط هنا أن نذكّر بشعار وثيقة "التمكين" لكي نتأكد من صحة تحليلنا للهدف النهائي للجماعة، وهو: "الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة".
وقد صدّق الواقع العملي خلال عمر الجماعة ما جاء نظريا في وثيقة التمكين، من سعي الجماعة المستمر لتحقيق الهدفين الفرعيين المشار إليهما، واتخاذهما كوسيلتين متكاملتين للوصول إلى حكم البلاد دون شريك.
فقد لخصت الوثيقة، ومعها الواقع، هذا بما ذكرته من أربع وسائل وصولا إلى الهدف النهائي:
الأولى تحقيق سهولة الانتشار وضرورة التغلغل ونشر الأفكار والأهداف في طبقات المجتمع المختلفة، خصوصًا الطبقات الفقيرة.. والثانية هي الانتشار والتغلغل واختراق المؤسسات الفاعلة في الدولة والمجتمع، والثالثة هي التعامل مع السلطات الموجودة في الدولة والمجتمع المصريَّيْن بما يحافظ على تحقيق الهدفين المتكاملين والهدف الرئيس، والرابعة هي التصدي لأي محاولة إفشال لأهداف الجماعة بالاستفادة من البُعد الخارجي بتحالفات دولية واسعة ومتغيرة.
ولأن قوة التنظيم وزيادة الشعبية ظلا فقط هما طريق الجماعة للوصول إلى الهدف النهائي لحكم البلاد منفردة، فلم تُعد نفسها ولم تؤهِّل أعضاءها طوال عقود عمرها التسعة، لما يوجبه عليها هذا الحلم/الوهم، أي حكم مصر دون شريك.. فكثيرًا ما لاحظ محللون وباحثون وسياسيون أن الجماعة لم يكن لديها قط، ليس فقط برامج مفصّلة لهذا الحكم المتوهَّم، بل ولا حتى خطوط عريضة له في مختلف المجالات.
فالذي كان لدى الجماعة طوال الوقت هو خطط وبرامج مفصّلة لتحقيق الهدفين الرئيسيين، أي قوة التنظيم وزيادة الشعبية، وليس إدارة بلد كبير بحجم مصر وشعبها بما يحافظ على مصالحهما ومستقبلهما، بل فقط السيطرة عليها دون منازع.
وقد أتى عام حكم الإخوان الفعلي من منتصف عام 2012 إلى منتصف عام 2013، وقبله عام آخر من السيطرة الكاملة لهم على مجلسَي البرلمان المصري "الشعب والشيوخ"، لكي يؤكدا أن الجماعة ظلت لنحو قرن تسعى لـ"السيطرة" على حكم مصر وليس "إدارته" لصالح شعبها وبما تقتضيه ضرورات الحكم، وأن الهدف الحقيقي كان هو هذه السيطرة منفردين، وهو الأمر الذي أكده فشل حكمهم الذريع في إدارة كل الملفات، فسقطوا وأسقطهم الشعب المصري بعد عقود تسعة من الأوهام حول قدراتهم التي تأكد أنها كانت محض سراب سرعان ما انكشفت حقيقته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة