الأكبر خلال 100 عام.. كارثة في إيران تصيب الحياة الاقتصادية بالشلل
إيران خسرت نصف إيراداتها من النفط والسياحة والتجارة والصناعات غير النفطية والخدمات. وتراجعت إيرادات صادراتها بسبب العقوبات وكورونا.
يواجه النظام الإيراني شبح الانهيار في ظل الأزمات الاقتصادية الحادة التي يتعرض لها بسبب تفشي فيروس كورونا والعقوبات الأمريكية التي فرضت قبل عامين.
وتشهد معدلات الفقر والبطالة والتضخم ارتفاعات حادة، ما قد ينتج حراكاً اجتماعياً غاضبا من تردي الأوضاع ومطالب خاصة بالتوظيف وتحسين القدرة المعيشية والإصلاح.
ويتوقع أن تتفاقم تلك الحالة الشعبية من الغضب بعد فشل الحكومة الإيرانية في إدارة أزمة تفشي كورونا وهو ما عمق من الأوضاع الاقتصادية المتردية بالفعل.
وتشير التوقعات إلى أن النظام الإيراني قد يلجأ إلى فرض المزيد من الضرائب بسبب الخسائر الاقتصادية التي تعرض لها، ووصفت بأنها الأكبر منذ الحرب العراقية الإيرانية، وهو مؤشر على حدوث صدام كبير بين الشعب الإيراني ونظامه.
خسائر حادة
وخسرت إيران نحو نصف إيراداتها من النفط والسياحة والتجارة والصناعات غير النفطية والخدمات. وتراجعت إيرادات صادراتها، خاصة من النفط بنحو أكثر من 80% بسبب العقوبات الأمريكية وتداعيات جائحة كورونا.
وأضرت العقوبات والجائحة بالمصالح الإيرانية في العمق كما لم تفعل ذلك الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات. وأحدثت اختلالات قد تظهر في الأمد القريب وتنعكس على استقرار النظام الإيراني.
وفي ظل تراجع الإيرادات تواجه إيران نفاذ احتياطاتها المالية وتآكل ثرواتها السيادية على المدى المتوسط، وقد يتسارع ذلك إذا زادت عزلة النظام إقليميا ودوليا واستمرت سياساته العدوانية.
وحسب تقرير بحثي لمركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) بعنوان ”آثار تداعيات جائحة كورونا والعقوبات الأمريكية على ميزان القوة في إيران”، اتضح جليا من خلال مؤشرات مختلفة صعوبات تعافي إيران من مخلفات وباء كورونا وأثر العقوبات الأمريكية على المدى القريب".
وأكد التقرير: "قد يمتد تعافي الوضع الاقتصادي والاجتماعي الإيراني سنوات طويلة ما لم يحدث انفجار اجتماعي تحذر منه الحكومة الإيرانية نفسها جراء قفزة متوقعة لمعدلات البطالة والفقر التي تدفع إليها إجراءات تقشف استثنائية ستكون مكلفة جدا على التنمية المحلية والبشرية في المدى القريب".
ومن المتوقع أن يزيد اهتمام إيران بتوفير موارد ضرورية لإنقاذ البلاد من الدخول في كساد قد يقود إلى فوضى اجتماعية، ومن المحتمل أن يكون ذلك على حساب انكماش الإنفاق على مخططات توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة.
ومن غير المستبعد أن تتأثر أنشطة البحث والتطوير العسكري وهو ما قد يقلص بشكل طفيف حجم الإنتاج الحربي الإيراني.
إلا أن أهم الأنشطة التي قد يطالها التقشف فهي المنح وخطوط الدعم المقدمة لأصدقاء إيران في المنطقة وأبرزها الحركات والمليشيات المساندة لها.
وقد يتوقف التمويل مؤقتاً في ظل أزمة مالية قد تستنزف احتياطيات النظام الإيراني بما في ذلك أصول صناديق ثروته السيادية لحين أن تتضح مسارات أسعار النفط والمفاوضات الإيرانية مع دول الغرب بشأن تخفيف العقوبات الاقتصادية والملف النووي وتحرير التجارة.
وعلى صعيد متصل، تبقى النظرة مقلقة حول احتمالات مفاجئة تقضي بإمكانية ضغط الأزمات المحلية على سياسات النظام لتصبح أكثر تهورا كأن تحاول نقل الصراع الداخلي إلى دول الجوار عبر افتعال الأزمات.
كارثة كورونا
أربك وباء كورونا توازنات القوة في إيران ليهوي بمؤشرات كثيرة فيها إلى الواقع المتأزم في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات حين اندلعت الثورة الإيرانية.
إذ كشفت جائحة فيروس (covid 19) والتي أودت بحياة بأكثر من 11 ألف إيراني على الأقل كإحصاء رسمي غير دقيق، عن مواطن ضعف كثيرة في النظام الإيراني وتوازناته المالية، والتي من المتوقع أن تؤثر سلباً وبشكل منقطع النظير على الاستقرار الداخلي السياسي والاجتماعي خاصة بعد تعرض البلاد إلى أكبر كارثة صحية وإنسانية منذ 1918.
وأشارت الدراسة أنه من المرجح أيضاً -في ظل تذبذب أسعار النفط وهو شريان اقتصاد إيران- أن تؤدي الجائحة إلى ظاهرة كساد قد تتسبب في عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل، ناهيك عن زيادة عزلة البلاد وتقلص تدفق الاستثمارات.
وسجل قطاع الطاقة والسياحة والتجارة في إيران أكبر ضرر منذ 40 عاماً سيدفع البلاد إلى إجراءات تقشف غير مسبوقة قد تؤدي إلى زيادة الاحتقان الشعبي الداخلي وسخطه على النظام المرتبك في إدارة تداعيات الجائحة المستمرة في الانتشار والمخلفة لشبه انهيار في البنية التحتية الصحية والاقتصادية.
وقد يعمق الوباء بشكل ضخم مديونية إيران الداخلية والخارجية، ما قدي يدفع إلى تقليص الحكومة اضطرارياً المنح والمساعدات الاجتماعية للإيرانيين، فضلاً عن محدودية التوظيف في القطاع العام، ناهيك عن شبح انهيار لمؤسسات كثيرة في القطاع الخاص تضررت بإجراءات الإغلاق للحد من انتشار الفيروس دون جدوى. حيث تراجعت صادرات السلع التجارية الأخرى بواقع نحو 50% تقريبا.
ومن المرجح أن ينعكس تراجع الإيرادات الإيرانية على الإنفاق على سياستها الخارجية، خاصة المرتبطة بتعزيز مجال النفوذ في إقليمها وفي الدول الحليفة، حيث قد يتقلص بشكل كبير الإنفاق على بعض الجهات والمليشيات التابعة لها، كما قد تفقد جزء كبيرا من تمويلات خطة توسع نفوذها الإقليمي بعد بروز أولويات حيوية ما لم يتم الاستجابة فقد يواجه النظام شبح الانهيار.
ومع انتشار جائحة فيروس كورونا الذي أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية وتوقف العديد من الشركات بل وانهيارها، بالنسبة لإيران، التي عانت من العقوبات الأمريكية، فإن المشاكل الاقتصادية تتعمق أكثر.
وعلى الرغم من فتح إيران بحذر جزء من اقتصادها، إلا أن مخاطر تداعيات الانعكاسات السلبية أكبر بكثير من محاولة استيعابها بقرارات التخفيف.
وعلى الرغم من إعادة فتح بعض الشركات وموافقة البرلمان الإيراني على إجراء لتغيير عملته من الريال إلى التومان للحد من التضخم المتزايد لم يمنع ذلك من شعور العديد من الإيرانيين بالاختناق بسبب تفاقم التحديات في الدولة الأكثر تضررا في الشرق الأوسط بالوباء.
ويحذر الخبراء من أن إيران ربما تكون ظروفها الاقتصادية أصعب منذ فترة الحرب التي خاضتها مع العراق، ويعود ذلك إلى الشلل الكبير في أنشطتها الاقتصادية والتجارية بسبب التحديات المريرة لانتشار فيروس كورونا التي أثرت على دخل وحياة الملايين من الإيرانيين فضلاً عن العقوبات الأمريكية التي فرضت قبل عامين، وكل هذه المتغيرات تمثل عوامل اختبار لقدرة الحكومة الإيرانية على التكيف معه.
أزمة اجتماعية
يبدو أن إيران متجهة لفقدان السيطرة على إدارة تداعيات الوباء غير المتوقعة على الاقتصاد والمجتمع والتي بلغت الأزمة التي خلفتها إلى أعمق أزمة منذ قرن تواجهها إيران.
وقد حذر المرشد الإيراني علي خامنئي من أن المشاكل الاقتصادية في البلاد يمكن أن تتفاقم إذا انتشر فيروس كورونا دون رادع.
وبسبب زيادة معدلات الفقر والبطالة والتضخم قد لا يتحمل الشعب الإيراني مزيداً من الضرائب التي تعتبرها الحكومة الإيرانية بديلا عن تراجع إيرادات النفط.
حيث من المرجح أن تقفز نسبة البطالة إلى نحو أكثر 15% مقارنة بنحو 11% في 2019.
وتكافح إيران دون جدوى من أجل كبح تفشي COVID-19 منذ فبراير/شباط الماضي. ويبدو أن النظام الإيراني فشل في “أدلجة” إدارة تداعيات الوباء والتخفيف من أثرها وإيهام الإيرانيين بقدرة النظام على تجاوزها.
يضاف إلى ذلك عدم قدرة الحكومة على تسييس الوباء من أجل كسب تعاطف داخلي وإقليمي، خيار سرعان ما تخلّت عنه في مقابل البحث عن حلول أخرى تمثلت في نقص موارد التمويل التي هوت بسبب انخفاض أسعار النفط.
وبدل البحث عن خيارات براجماتية مصلحية، استمر النظام الإيراني على نهج سياسته الخارجية التصادمية غير معترف بحقيقة أزمة عميقة غير مسبوقة.
هذه السياسية التي زادت من عزلته، إلا أن العزلة التي تسببت بها جائحة كورونا أكبر بكثير، حيث أن جزءا كبيرا من النسيج الاقتصادي الإيراني المتأزم أصلاً يواجه خيارات الانهيار بسبب تراجع الصادرات والنشاط التجاري، ما قد ينجم عن ذلك حملة تسريح كبيرة للموظفين وهو ما قد ينتج حراكاً اجتماعياً غاضبا من تردي الأوضاع ومطالب خاصة بالتوظيف وتحسين القدرة المعيشية والإصلاح.
وتتجه شريحة الفقراء في إيران إلى الزيادة السريعة على الأرجح بسبب تقلص موارد الدخل. وتعاني إيران أصلا من تفاقم مؤشرات عدم المساواة في الدخل بين الأفراد، وهو ما قد ينذر بانفجار أزمة اجتماعية.
ويعاني نحو خمس الشعب الإيراني من الفقر المدقع، مع تحديات اتساع رقعة الفقراء بشكل أكبر في الأمد القريب وهو ما يعقد خطط الإنقاذ الإيرانية لتجاوز الأزمة.
صعوبات التعافي
تواجه صادرات النفط الإيرانية صعوبات في التعافي مستقبلا بعد الإصابة بفيروس كورونا. وحتى قبل اندلاع الجائحة، كانت صادرات النفط الإيرانية في انخفاض نتيجة العقوبات الأمريكية.
ومن المرجح أن يستمر العرض العالمي المفرط للنفط وسط انخفاض حاد في طلب المستهلكين بسبب الفيروس وآثاره الاقتصادية، في خفض الصادرات الإيرانية لأشهر مقبلة خاصة نحو كبار شركاء إيران التجاريين وهما الهند والصين كبار مستهلكي الطاقة في العالم.
وتكافح بدورها الهند بشكل خاص في الحد من انتشار الفيروس وتخفيف آثاره الاقتصادية التي باتت تتسع بزيادة اتساع رقعة العدوى وقرارات الإغلاق وأثرت على حجم ورادتها النفطية المنخفضة من دول نفطية كثيرة أبرزها إيران.
ومن المرجح أن يتقلص نمو الاقتصاد الإيراني بنحو أكثر من (6% سلبي) هذا العام بسبب تأثيرات جائحة كورونا.
وعلى ضوء توقعات صندوق النقد الدولي حول الركود العالمي الأشد خلال القرن المنصرم، انخفضت عائدات النفط الإيراني قبل جولة العقوبات الجديدة من 60 مليار دولار سنويًا إلى ملياري دولار فقط هذا العام.
وفي تصريحات سابقة، اعترف وزير الاقتصاد الإيراني ديز باساند، في وصفه للوضع الاقتصادي الحالي لإيران بأنه “ليس لإيران عائدات من النفط هذا العام!” و”حتى لو ارتفع سعره وعادت صادراته إلى ما كانت عليه، لا تزال الأموال لا تصل إلينا بسبب العقوبات”.
ويشار الى أنه يتم توفير 40% من ميزانية الحكومة مباشرة من عائدات النفط. ولحل المشكلة ترى إدارة روحاني طريقتين للخروج منها من خلال سوق الأسهم والضرائب، حيث تنبأت الحكومة الإيرانية بإيرادات بقيمة 18 مليار دولار من الضرائب في عام 2020 والتي سترتفع بنسبة 26% مقارنة بالعام السابق.
ويبدو أن إيران ستواجه صعوبات في الاستدانة من سوق السندات الدولية نتيجة زيادة الضغوط على التداين وعدم استقرار الوضع الداخلي الإيراني وضبابية مناخ الاقتصاد على المدى القريب، وهو ما يؤثر سلباً على ثقة المستثمرين في مستقبل الاقتصاد الإيراني.
تآكل الاحتياطيات
بدأ صندوق التنمية الوطنية الإيراني (NDFI) يتآكل بفعل توقع تكرر عمليات السحب الاضطراري من أصوله من أجل مواجهة تداعيات أزمة كورونا المتفاقمة والمستمرة في إيران.
وبعد تقلصه إلى ما دون 90 مليار دولار بعد موافقة المرشد الإيراني على سحب مليار يورو، من المتوقع أن يضطر النظام لزيادة السحب إلى غاية 5 مليارات دولار على المدى القريب لتمويل خطط إنقاذ عاجلة للاقتصاد وتمويل المطالب الاجتماعية.
وهذا اللجوء الاضطراري للاحتياطات تدفع إليه مخاوف من عدم إمكانية الحصول على قرض من مؤسسات مالية دولية على غرار صندوق النقد الدولي بسبب العقوبات الأمريكية.
وتتكون إيرادات صندوق التنمية الوطنية الإيراني (NDFI) وهو الصندوق السيادي البارز من اقتطاع 20% على الأقل من إيرادات بيع النفط والغاز، وتزيد نسبة الاقتطاع بنحو 3% سنويا على أن يوافق البرلمان على أي تغييرات في تلك النسبة.
وسجل كذلك حجم أصول صندوق استقرار النفط الإيراني هو صندوق ثروة سيادي تراجعا إلى نحو 24 مليون دولار.