"السراديب".. مأوى العائلات من سفك الدماء في الغوطة الشرقية
هؤلاء العائلات وأطفالهم لا يعرفون سوى الحرب والدمار والموت.. مأساة الغوطة بلا نهاية.
عقب 48 ساعة متواصلة من القصف الجوي وقذائف المدفعية، اتخذ باسم قرارًا بنقل أسرته إلى سرداب المبنى الذي يعيشون فيه، حتى رغم علمه بأنه لن يحميهم من المأساة التي يعيشونها في الغوطة الشرقية.
- الغوطة الشرقية.. هيستريا العنف تجسد مذبحة القرن الـ21
- بالصور .. مقتل 250 مدنياً في أكبر حصيلة بالغوطة
باسم (33 عامًا) طبيب تخدير في أحد المستشفيات القليلة المحاصرة هناك، وتعاني زوجته من سوء التغذية لدرجة تجعلها عاجزة عن إرضاع طفلهما.
من ثم يشعر باسم بالقلق عليهما في السرداب سيئ التهوية، وكان يعلم أن المأوى المؤقت لن يحميهم من ضربة مباشرة من القنابل أو الصواريخ، وفقاً لصحيفة "تلجراف" البريطانية.
أكبر مجزرة
هناك نحو 400 ألف مدني –نصفهم من الأطفال– محاصرون في الغوطة الشرقية بينما يكثف النظام السوري وحلفاؤه الروس من غاراتهم الجوية، وقُتل أكثر من 250 مدنيًا منذ يوم الأحد الماضي فيما يُعد القصف الأكثر كثافة منذ سنوات، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال المرصد إن ما لا يقل عن 58 طفلًا من بين القتلى، بما في ذلك 15 طفلًا لقوا حتفهم، أمس الثلاثاء.
وأشار المرصد إلى أن هذه المجزرة تشكل أعلى معدل للوفيات خلال 48 ساعة في الصراع السوري منذ الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في 2013.
- مقتل وإصابة أكثر من 200 في قصف جديد على الغوطة الشرقية
- ببيان خالٍ من الكلمات.. "يونيسيف" تعجز عن وصف مأساة أطفال سوريا
ضحايا القنابل
في مدينة دوما، وصف طبيب مُنهك الجهد المبذول لعلاج ضحايا القنابل، حيث يبدو أن أعدادهم بلا نهاية، وبسبب النقص الشديد للإمدادات يضطر الأطباء لإعادة استخدام المعدات الطبية التي من المفترض أن تُستخدم مرة واحدة فقط، وتقديم الأدوية منتهية الصلاحية للمرضى.
وقال الطبيب -الذي لم يذكر اسمه- إن هناك حالات يكتشفون أنها حية بعد ظنهم أنها متوفاة، مستشهدًا برضيع جاء بعد غارة جوية وكان لونه أزرق ولا يتنفس ولكن كان قلبه يعمل، وعندما فتح فمه وجد أن حلقه ممتلئ بالرمال حتى اللوزتين.
وأزال الطبيب الرمال من فم الرضيع حتى أصبح هناك مساحة في حلقه لتركيب جهاز التنفس، وبدأ الطفل في التنفس ولكن ليس من المعلوم إذا كان سيتمكن من النجاة أم لا، وقتلت هذه الغارة الجوية والدته و2 من أشقائه.
السراديب.. محاولة للنجاة
مع استمرار الصراع لجأت آلاف العائلات إلى السراديب للاختباء من القذف، وعادة ما تكون هذه الملاجئ بلا كهرباء أو مياه جارية، وعندما تقع قنبلة بالجوار يجب أن يغامر متطوع بالخروج إلى الشارع لتطهير أنابيب التهوية من الركام، وغالبًا ما يتشارك العشرات من الناس دلاء قليلة بمثابة دورات مياه.
أبو عبدالرحمن نقل أسرته إلى أحد السراديب منذ 16 يومًا، بعد تعرض منزلهم للدمار، وهو مسؤول عن زوجته و3 أطفال وأرملة شقيقه ونجله بعد مقتل أخيه في سجن تابع للنظام في بداية الحرب.
وحاول المئة شخص الذين يعيشون في المأوى الإبقاء على إحساس الحياة الطبيعية عبر نصب حاجز من الخشب الرقائقي لفصل قسم الرجال عن النساء والأطفال، بينما حاول الأهالي بلا جدوى العثور على الشامبو لعلاج القمل الذي سرعان ما بدأ في الانتشار بين الأطفال.
ووسط القصف وظلام السراديب، لا يزال الأطفال في الغوطة الشرقية يضحكون ويصيحون ويلعبون ويتشبثون بالحياة.
فكشف فيديو من الملجأ طفلًا يُمسك ببالون أحمر اللون وجده في مكان ما في المدينة المدمرة.
وبينما تسقط القنابل والصواريخ على الشوارع خارج سردابهم، يحتضن هيثم طفله إلياس (4 أعوام) ويحكي له قصصًا في محاولة لتخفيف مخاوفه.
وقال هيثم: "أخبره قصصًا عن مذاق الموز أو شكل الملعب أو كيف اعتدنا الذهاب إلى المطاعم الموجودة على بعد كيلومترات قليلة من هنا في دمشق".
لقد وُلد إلياس في 2013، وهو العام الذي بدأ فيه حصار الغوطة الشرقية، وعاش مجمل حياته القصيرة تحت القنابل وحصار رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وأوضح هيثم أن الأطفال ولدوا في هذا الموقف ولم يعرفوا شيئًا قط سوى القذف والجوع والدمار والقتل و"لكن حتى نحن لم نر أي شيء من هذا القبيل قط".