أنا القمر.. قصص شعبية صينية عامرة بالعجائبية
إضاءة على كتاب "أنا القمر" الذي قدم فيه المترجم المصري الراحل طلعت الشايب دُررا من القصص الصينية المرصعة بالخرافة والحكمة.
تعد الصين من أقدم من استخدم فن "الخرافة" في تاريخ الأدب؛ حيث يعود هذا الاستخدام للقرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد، حسب المؤرخين، والخرافة هي وسيط أدبي لنقل حكمة السنين وتراكمها عبر مختلف الأجيال والعصور.
المطلع على تاريخ الأدب الصيني يلمس فيه حضورا متينا للخرافة، سواء في الشعر أو النثر، منذ قديم الزمن، وتطورت الخرافات مع الوقت واتخذت أشكالا وبناءات فنية أكثر معاصرة، منها ما تناوله الكتاب الصيني فنج زونج، 1903-1976، في كتابه الملهم "خرافات".
كرّس المترجم المصري الراحل طلعت الشايب مشروعا خاصا مستوحى من كتاب زونج، قام فيه بترجمة مختارات من النصوص التي قدمها زونج إلى اللغة العربية، وصدرت له بعنوان "أنا القمر - قصص شعبية صينية للصغار والكبار"، وذلك ضمن سلسلة "الروائع" عن قطاع الثقافة بدار "أخبار اليوم" المصرية.
قدّم الشايب مختارات من قصص زونج بمقدمة خاصة كتبها بعنوان "عندما تنطق الطيور والحيوانات بالحكمة"، وفيه عرّج على تاريخ الخرافة، وتوقف مليّا عند تناولها في الثقافة الصينية، وأثنى على الأسلوب الذي قام فيه زونج بتقديم الحكمة والدروس الأخلاقية على ألسنة الطير والحيوان والجماد، فتجد في القصص بقرة وكلبا يتفقان على الهرب، وفي نهاية تلك الخرافة تكشف لنا أن الملكية والتعلق بها هما سبب كل بلاء.
تجد في الخرافات الصينية كذلك "أشجارا تتكلم عن دور الفرد في الجماعة، تلتقي ضفدعا رديء الصوت كأنه شاعر يُزين للطاغية أعماله بقصائد أكثر رداءة، تجد قمرا يتكلم ونمرا يتشدق بالحديث عن الكرامة ويسخر من القاضي" حسبما جاء في مقدمة المترجم.
كتب زونج معظم نصوص كتابه "خرافات" في الثلاثينيات والأربعينيات، وحسب الشايب فإنه كان مجبرا على استخدام لغة مقنعة ورموز يفضح بها مساوئ تلك الفترة، فكانت الخرافة الشكل الفني الأنسب لهذه الفترة، فترة "الرعب الأبيض" في الصين، عندما اضطرت رقابة "الكومينتانج" الكتّاب الصينيين إلى اللجوء إلى هذا الأسلوب.
"البقرة والحبل" كانت أولى قصص زوفنج التي اختار الشايب أن يستهل بها مختارات كتابه، وفيها: "اتفقت البقرة والكلب ذات مساء على الهرب من الحقل والانطلاق في فضاء الحرية. وفي الموعد المحدد جاء الكلب حسب الاتفاق، وراح يعالج بأسنانه الحبل الذي يربط البقرة بالوتد، ولكن البقرة أثنته عن ذلك قائلة: يكفي أن تفك العقدة، إنه حبل متين، وأنا أريد أن أحتفظ به، كما أنه كل ما أملك في هذه الدنيا، فعل الكلب ما طلبته البقرة، وترك الحبل معلقا في رقبتها.. وانطلقا معا.
في الوقت الذي كان الكلب قد قطع فيه مسافة طويلة، كانت البقرة قد توقفت في منتصف الطريق بعد أن اشتبك الحبل بصخرة كبيرة. وهكذا كان من السهل على صاحبها الذي يتبعها، أن يمسك بها ويعود بها إلى الحقل مرة أخرى.
وفي طريق العودة، كانت البقرة تقول لنفسها وهي حزينة: لقد أخطأت خطأ جسيما عندما حاولت أن أحتفظ بالحبل، وإن تعلقي بالملكية هو سبب محنتي!".
أرفق المترجم طلعت الشايب كذلك إلى مختاراته من كتاب "الخرافات" نصوصا أخرى متفرقة نشرت في مجلة "الأدب الصيني" في طبعتها الإنجليزية، منها تلك القصة لفنج زو فنج وعنوانها "الطائر والتفاحات المعطوبة".
"بقيت ثلاث تفاحات على الشجرة، نسيها الجميع هناك حتى أصابها العطب كما وصفتها الشاعرة اليونانية "سافو" بحزن شديد ذات يوم. عصفت الريح، فأطاحت بالتفاحات التي سقطت فوق بعضها متدافعة بالمناكب متنابذة بالألقاب.. فزاد العطب.
ذهبت التفاحات الثلاث تحتكم لطائر لكي يفصل بينها، نظر الطائر مليّا ثم قال:" كيف لي أن أقضي بينكن وأنا لا أعرف ماذا حدث ولا سبب الشجار؟ كل ما أراه أمامي هو أنكن جميعا فاسدات معطوبات. لا فضل لواحدة على الأخرى، وكلما حمي القتال بينكن زاد الفساد والعطب!".
aXA6IDMuMTMzLjEwOC4xNzIg جزيرة ام اند امز