مسجد شنقيط.. أيقونة موريتانيا الصامدة أمام عواصف الصحراء
في قلب الصحراء، ظل المسجد العتيق في شنقيط الموريتانية صامدًا لقرون في مواجهة زحف الرمال والعواصف العاتية.
ويعد مسجد شنقيط أقدم مسجد في موريتانيا على الإطلاق، ويرجع بناؤه إلى عام 660 هجريا، بينما يشير مؤرخون إلى أن عمره يمتد لـ6 قرون.
ويختلف المؤرخون على التاريخ الدقيق لإنشاء مسجد شنقيط، فيما تجمع روايات كثيرة على بنائه مع تأسيس مدينة شنقيط نفسها نحو عام 660 هجريا.
وتعني كلمة شنقيط "عيون الخيل" وتنسب إلى الشعب الموريتاني "الشناقطة"، وعاشت مدينة شنقيط التاريخية في ازدهار قبل اندثارها وقيام شنقيط الحالية.
وللوصول إلى المسجد، يتعين قطع مسافة 540 كيلومترًا من العاصمة نواكشوط باتجاه ولاية آدرار بالشمال الشرقي، ويسلك المسافرون طرقًا شديدة الوعورة.
وتحرص الوفود والشخصيات العربية والأجنبية التي تزور موريتانيا على زيارة المسجد تقديرًا لدوره التاريخي، رغم مشقة السفر وطول المسافة ووعورة الطرق.
مسجد شنقيط في موريتانيا
تأسس مسجد شنقيط على يد الجدين الجامعين لقبيلتي الإقلال يحيى جد إدو علي ومحمد قلي، وهو أقدم مساجد البلاد والوحيد الذي بقي على حالته حتى الآن.
وصنفته المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم "يونيسكو" كتراث بشري عالمي، ويعد الواجهة التراثية لموريتانيا بفضل بنائه وصموده في منطقة صحراوية.
ويتكون المسجد من فناء مفتوح، ويأتي على شكل المستطيل، ويضم مصلى للرجال وآخر للنساء، ويقال إن المصلين يؤدون الصلاة على الرمال لعدم فرش المسجد.
ويتسم المسجد ببساطة التصميم، ليلائم الطبيعة الصحراوية من حوله، وسقفه مصنوع من جذوع النخيل والأشجار، فيما يعلو منبره عن الأرض بـ3 درجات خشبية.
مئذنة المسجد
مئذنة المسجد لم يدخل عليها أي ترميم أو تغيير منذ بنائه، وتحمل جدرانه نقوشاً لأسماء بعض المتوفين، لتذكير المصلين بالدعاء لهم وللأموات.
ويقول المؤرخون إنه لم يتبق من المسجد الأصلي سوى المئذنة، وهي مشيدة من حجارة محلية داكنة اللون من شنقيط، وأخرى فاتحة جُلِبت من المدن المجاورة.
ومع ذلك، لم تخل مئذنة المسجد من الزخرفة والنقوش، وتزيّن ببيض النعام زواياها الأربعة، وهو عنصر زخرفة صحراوي، فيما تبدو قمتها على هيئة عمامة مربعة.
بُنيت منارة المسجد على فترتين، إذ بنيت قاعدتها أولاً بالتزامن مع بناء المسجد، وبعد مرور 200 سنة بني الجزء العلوي من المنارة لتأخذ صورتها النهائية الحالية.
ويعتبر الموريتانيون هذه المنارة جزءاً من هويتهم لقيمتها التاريخية والرمزية، ويكثر استدعائها وتوظيفها في الأعمال الفنية الموريتانية المعاصرة كرمز متعدد التعبيرات.
تراجع حالة المسجد
وفي يناير/ كانون الثاني 2015، أثارت صورة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز داخل مسجد شنقيط جدلا وغضبا واسعين في البلاد، بسبب تراجع حالة المسجد العتيق الواقع وسط البلاد.
وتزامنت زيارة الرئيس وأدائه الصلاة على الرمال الناعمة في مسجد شنقيط وقتذاك مع احتضان المدينة لمهرجان المدن القديمة، الذي كان يهدف إلى إنقاذ هذه المدن ومآثرها من الاندثار والإهمال.
واتهم الموريتانيون المسؤولين والقائمين على حفظ التراث بإهمال المعالم التاريخية في البلاد، واعتبروا أن ظهور المسجد من دون أثاث في المهرجان وأمام ضيوف البلاد "إساءة إلى صورة وسمعة موريتانيا".