اختلط الأمر على مليشيا الحوثي تحت ضغط التحولات الميدانية في أكثر من مدينة يمنية. تقلصت خيارات المواجهة المباشرة في الميدان وتراكمت الإخفاقات، خاصة بعد افتضاح أمر مطار صنعاء.
الواقع تحت إدارة عناصر الحوثي، وما لحق بهم من هزيمة مادية ومعنوية في أحد أبرز علامات البلد الدالة على سيادته المنقوصة، بسبب الدور الإيراني الذي حوّله إلى مخزن للصواريخ وللطائرات المسيرة.
في فضيحة مطار صنعاء بدت مليشيا "الحوثي" مهزومة في مفترقين، الأول عندما عرف اليمنيون خداعها وعدم اكتراثها بأرواح المدنيين، والثاني حين تمزقت الحُجُب المزيفة أمام العالم أجمع وانكشفت صنوف السلاح الصاروخي وغيره تحت بناء المطار وفي محيطه.
كثيرة هي الدلالات التي تُفصح عنها عملية احتجاز سفينة الشحن "روابي"، التي ترفع علم دولة الإمارات، فهي تعكس من جانب حجم الانكسار الذي ضرب عمق المشروع الإيراني، الذي تنفذه مليشيا "الحوثي" ليس على نطاق الجغرافيا اليمنية فحسب، بل تتعداه إلى المحيط الإقليمي، ومن جانب آخر تؤكد واقع التهديد الذي يمثله "الحوثي" على أمن الممرات المائية الدولية، وتُفضح من جانب ثالث عن حقيقة النيّات والدوافع لدى هذه المليشيا حيال أي تسوية سلمية أو مجرد البحث عن سبل تعيد لليمن واليمنيين أمنهم واستقرارهم واستقلالهم، حيث ظلت جميع المبادرات المرتبطة بذلك حبراً على ورق نتيجة التعنت الذي تبديه مليشيا "الحوثي" ومن يديرها.
التعويض بالسلوك العدواني سمة ملازمة لأي مهزوم، أو لأي شخص أو فصيل أو جماعة تستشعر الهزيمة. إذ تتفاوت صيغ النزعة العدوانية بين محاولات الإيذاء المحدود من أجل حجز مقعد على الطاولة، وبين الاندفاعة إلى حدود التهور دون أي حسابات للنتائج.
هذه النزعة، وفقا لعلم النفس، لها اتجاهان، أحدهما عمودي وآخر أفقي تبعا لحالة مَن يتبنّاها: عمودياً تتجلى تحت ضغط الاضطراب الناجم عن فقدانه بوصلة الطريق الآمن، وأفقياً حين يتحول إلى مرتزِق عند مَن يستخدمه وينفذ أوامره وطلباته مقابل الحفاظ على بقائه ووجوده.
في كلتا الحالتين يغيب الوعي عن إدراك خصوصية التصرف ومآلاته، كما تتلاشى عن ذهن مَن يسلك هذا السبيل عواقب سلوكه المتهور.
لا تبدو مغامرة "الحوثي" هذه المرة في قرصنة سفينة "روابي" مُجدية.. فالإدانات الإقليمية والدولية لعملية اختطاف السفينة الإماراتية كفيلة بالتعبير عن رفض المجتمع الدولي لهكذا نزعة عدوانية، لأن مخاطرها تتجاوز حدود المياه الإقليمية لتطال مجمل عمليات الملاحة الدولية عبر المضايق الدولية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب.
ليست هذه هي المرة الأولى، التي تتعرض فيها سفينة شحن إغاثية إنسانية لعملية قرصنة من جانب "الحوثي"، فسِجِلُّ المليشيا على مدار سنوات حافلٌ بمثل هذه العمليات، لكن رغم ذلك لم تتأثر ساحات المواجهة سابقا بأي فعل ابتزازي نفذه الحوثيون.. في غالب الأحيان تأتي النتيجة مغايرة لما يسعون إلى تحقيقه من وراء أفعالهم. فهل تكون قرصنة "روابي" مدخلاً لتكاتف إقليمي ودولي يضع حدا لمثل هذه السلوكيات غير المنضبطة، التي باتت تشكل تهديدا أشمل من حدود الإقليم لحركة الملاحة الدولية في أكثر الممرات المائية حيوية في العالم؟
لن تَحْرِفَ عملية قرصنة سفينة "روابي" أنظار العالم عن التحولات الميدانية على الساحة اليمنية، ولا عن التقهقر الذي يضرب أوصال "الحوثي" في أكثر من جبهة يمنية. لقد وضعت مليشيا "الحوثي" نفسها في هذه المغامرة أمام استحقاق دولي ضاغط عبرت عنه المواقف الصادرة عن معظم دول العالم الرافضة لسلوكها العدواني والمطالبة بوجوب احترام قواعد القانون الدولي المتعلقة بحماية ممرات الملاحة العالمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة