مع وباء كورونا، تغيّر عالم النشر، في ظروف عجز المكتبات التجارية عن إيصال الكتب إلى عملائها
العالم يتأقلم وكذلك الناشرون كجزء من عالم المعرفة إزاء وباء كورونا، فليس هذا أول وباء يجتاح العالم ونتمنى أن يكون آخره. هبّت معظم دور النشر العالمية غير التجارية، حيث الربح المالي ليس هدفها، بإصدار كتالوجات خاصة بالكتب الرقمية والصوتية توفرها مجاناً، من أجل التواصل مع قرائها الذين باتوا سجناء بين الجدران، حيث تكون القراءة أحد اهتماماتهم أمام طغيان التلفزيون.
افتتاح مكتبة الطوارئ الوطنية يفيد ملايين القراء من الكتب التي كان من المفترض أن تكون مدفوعة الثمن. وفي هذا يذهب الأوروبيون، عبر اتحاد الناشرين الأوروبيين إلى توفير مكتبة طوارئ وطنية على غرار الولايات المتحدة من أجل دعم قطاع النشر والحفاظ عليه أثناء وبعد أزمة كورونا
منصة أرشيف الإنترنت، منظمة أمريكية غير ربحية، مهتمة ومكرسة بالمكتبة الرقمية، بادرت إلى إنشاء ما أطلقت عليه مكتبة الطوارئ الوطنية، كرد فعل على وباء كورونا لفك عزلة القراء من خلال توفير أكثر من 1.4 مليون كتاب رقمي، مكتبة عالمية ضخمة تغطي عصوراً من الثقافة الانسانية. وهذا سيمكّن القراء حول العالم من الوصول إليها دون الحاجة إلى التسجيل في قائمة انتظار، كما جرت العادة، لدعم الذن يدرسون في بيوتهم.
من ناحية أخرى، تعمل دور النشر المشتركة في هذه المنصة للحفاظ على حقوق المؤلف، من خلال أربعين منظمة تمثل المؤلفين والناشرين، عملت على رقمنة الكتب المستعارة، واستشارتها عبر الإنترنت محمية بقفل رقمي يمنع نقلها أو استشارتها بعد وقت الاستعارة، المحدد مسبقا. أي هناك حماية لضمان حقوق المؤلف بعد انتهاء زمن كورونا.
إن افتتاح مكتبة الطوارئ الوطنية يفيد ملايين القراء من الكتب التي كان من المفترض أن تكون مدفوعة الثمن. وفي هذا يذهب الأوروبيون، عبر اتحاد الناشرين الأوروبيين إلى توفير مكتبة طوارئ وطنية على غرار الولايات المتحدة من أجل دعم قطاع النشر والحفاظ عليه أثناء وبعد أزمة كورونا، حيث يضطر معظم المكتبات إلى إغلاق أبوابها، مع تباطؤ أنشطة دور النشر، للحفاظ على استخدام الشبكات الاجتماعية أو القراءة الرقمية.
ومع ذلك، فإن تأثير الأزمة الحالية على صناعات الثقافة غير مسبوق، بل وأخطر من القطاعات الاقتصادية الأخرى، لسبب بسيط هو أن الثقافة مبنية على العلاقات الاجتماعية في المكتبات ودور السينما، والمسارح والمتاحف وغيرها من أماكن اللقاء. وهناك إجراءات أوروبية مثل إنشاء قروض من البنك المركزي الأوروبي لدعم الناشرين المتعثرين. وتفكر ميزانية برنامج "أوروبا الإبداعية" في مضاعفة ميزانيتها لدعم المشاريع الثقافية، مع عمل برنامج "هوريزون يورب" أي "الأفق الأوروبي" المخصص للبحث والابتكار الدعم ذاته. إضافة إلى دعم حقوق المؤلف والذكاء الاصطناعي، من أجل عدم تنافس أوروبا على الصعيد الدولي.
إن مخاوف الناشرين وأصحاب الحقوق في إنشاء سوق رقمي واحد يتخذ مسار الأولوية، وفرض ضرائب على شركات الويب متعددة الجنسيات، وتمكين المنصات الرقمية من أجل ازدهار سوق النشر وتطوره بعد مرحلة وباء كورونا. ومن مبادارت عالم النشر، قامت شركة "دانتي" مع أربعة عشر ناشراً شريكاً في توفير الكتب الرقمية والصوتية بتخفيض أسعارها إلى خمسين بالمئة.
مع وباء كورونا، تغيّر عالم النشر، في ظروف عجز المكتبات التجارية عن إيصال الكتب إلى عملائها. ومن هنا تأتي أهمية متاجر الكتب الإلكترونية التي تحل الآن محل المكتبات المغلقة. لذا لم نعد في صراع بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي، فقد أصبح الآن جدلاً قديماً، فالأهم هو ضمان استمرار نشاط الناشرين في إنتاج الكتب وتحقيق المبيعات. إنها حالة جديدة تواجهها علاقة الإنسان بالثقافة، فقد أدت الظروف الحالية إلى خلق عالم جديد في التعامل مع الكتاب.
كان الكتاب الرقمي مجرد رفاهية ولكنه الآن أصبح جوهرياً في عملية اكتشاب المعرفة، وهو ما سوف ينتج عددا هائلاً من القراء الجدد. كنا ننتقد الشباب بأنهم لا يقرأون، وفي حقيقة الأمر إنهم يقرأون ولكن بوسائل وطرق أخرى، غير قراءة الكتب الورقية التي درجت عليها البشرية منذ اختراع الطباعة والورق.
من المؤسف أن تكون هذه الثورة القرائية الرقمية ترافقت مع ظهور وباء كورونا، ولم تظهر بصورة طبيعية نتيجة تطور الاتصال الرقمي والإلكتروني في العالم. لذا يمكن القول إن هذا الوباء سرع من وتيرة القراءة الجديدة، وجعلها أولوية، ولن يكون الرقمي بديلاً عن الورقي، والانتقال إلى عالم القراءة، وإلا فإننا سنخطئ في هذه المعركة ونفسح المجال للقنوات غير الثقافية أن تستولي على اهتماماتنا، وتسرق منا متعة القراءة. لن تكون العودة إلى المكتبات أقوى إلا إذا شجعنا القراءة الرقمية حالياً. ومن المفاجآت التي لم تكن في الحسبان أن تقدم مؤسسات تقليدية عريقة تعتمد على الجمهور، مثل الكوميدي فرانسيس والأوبرا ومؤسسات ثقافية أخرى على تقديم عروضها في البيوت افتراضياً.
والسوآل الذي يطرح نفسه بإلحاح: ماذا تقدم دور النشر العربية والمؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية للقراء والطلبة الذين يعيشون ظروف العزلة الحالية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة