كورونا ليس مجرد وباء والحديث عن حجم تأثيره ليس مبالغة إعلامية، بل هو نظرية فعلية، ستجبر العالم على أن ينظر إلى أزماته بمنظور مختلف
العالم اليوم ينسى معظم قضاياه الدولية المهمة، ويجعلها في المرتبة الثانية أو الثالثة في مقابل الاهتمام بجائحة كورونا، وهذا أمر طبيعي في سياق أزمة كورونا، ولكن يبقى السؤال المهم: هل سوف تتمتع تلك الأزمات بإجازة من الاهتمام الدولي، أم أنها سوف تفاجئنا بعد انتهاء أزمة كورونا بانبعاثها من جديد وقد تطورت بشكل غير متوقع؟ في العالم كثير من القضايا المهمة التي تراجعت إلى الخلف بشكل كبير، وبدا واضحا أن هناك علاقة طردية بين التباعد الدولي واهتمام العالم بأزماته الدائمة.
يبدو بوضوح أن العالم قادر على تخفيف الاهتمام بقضاياه في مقابل الاهتمام بقضية كبرى مثل كورونا الذي يجتاح العالم، فالعالم قبل كورونا كانت تشغله الأزمات التجارية بين دوله الكبرى وأزمات الشرق الأوسط وقضايا الإرهاب والتنافس الروسي - الأمريكي والانتخابات الأمريكية والقضاء على "داعش" إلى آخره من كثير من الأزمات التي تختفي من على منصات الإعلام الدولي، كأن كورونا لا يصيب الجهاز التنفسي لوحده، بل يصيب الجهاز البصري السياسي ويغير من مساره.
السؤال التالي يقول: كيف سيعيد العالم اهتمامه من جديد بقضاياه بعد كورونا؟ أم أن قضايا ما قبل كورونا سوف تظهر بشكل مختلف عما كانت عليه سابقا؟ كما يبدو فإن الصورة الدولية اليوم تمنح العالم إجازة إجبارية من أشياء كثيرة ومن بينها الأزمات المتفرقة التي كانت تجوب العالم قبل كورونا، هذا الوباء الذي يشبه في تأثيره أكبر النظريات السياسية التي غيرت العالم في مراحل تاريخية معينة.
ليس كورونا مجرد وباء والحديث عن حجم تأثيره ليس مبالغة إعلامية أو تصورات سياسية، كورونا نظرية فعلية، سوف تجبر العالم على أن ينظر إلى أزماته بمنظار مختلف، وإذا كانت النظرية الدولية التي يطلق عليها - العولمة - قد شقت طريقها خلال الأعوام الماضية بفلسفة تثبت تكاملية العالم من حيث الاقتصاد والسياسة، فإن نظرية كورونا طرحت الأسئلة الكبرى على الدول، ماذا يجب على الدول أن تنتجه لنفسها وماذا يجب عليها أن تعتمد به على الآخرين؟ أصبحت السياسة في كثير من الدول أقرب إلى مساحاتها الجغرافية وبدأ التفكير الجدي في أن المصالح الاسترتيجية البعيدة يجب أن يعاد التفكير في الاهتمام بها.
وباء كورونا سوف يعيد خارطة الاهتمام السياسي بطريقة مختلفة، وسوف يضاعف من درجة الاهتمام القومي في الدول، وسوف يتضاعف القلق الدولي من تكرار مثل هذه الأزمة
بشكل دقيق فإن وباء كورونا سوف يعيد خارطة الاهتمام السياسي بطريقة مختلفة، وسوف يضاعف من درجة الاهتمام القومي في الدول، وسوف يتضاعف القلق الدولي من تكرار مثل هذه الأزمة، وسوف تفكر الدول في بناء منظومة سياسية ونظرية تستعين بها في وقت الأزمات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالصحة، أخيرا ليس هناك من شك أن العالم قد أصيب بفقدان البصر السياسي حول كثير من قضاياه؛ ليس لأن وباء كورونا يتسيد الساحة الدولية اليوم، لكن السبب يعود إلى أن العالم سوف يغير من قياساته البصرية بشكل دقيق ومباشر وقد يشهد العالم انفراج كثير من الأزمات الدولية بشكل لم يكن متوقعا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة