حرب العملات.. المدافع في أوكرانيا والصدى في أفريقيا
يتردد صدى حرب أوكرانيا في أفريقيا، حيث صراع روسي غربي، تشي حيثياته بأن موسكو قد تكتب نهاية الأسطورة الخضراء (الدولار) بالقارة السمراء.
يعيش الروبل انتعاشة غير مسبوقة، أفرزتها الحرب على أوكرانيا، في تفاعل عكسي بعثر حسابات الغرب، الذي احتشد لتسليط العقوبات على موسكو بهدف خنقها اقتصاديا وعسكريا.
وتسير انتعاشة الروبل عكس التوقعات وتنقل الحرب من مدارها العسكري في أوكرانيا إلى مسرح مختلف لم يمنعه حياده العسكري من أن يكون له دور محوري في دعم مكاسب موسكو من حرب العملات.
فالروبل الذي حوّل انكساراته عبر الزمن إلى قوة، يهدد اليوم عرش الدولار واليورو في أفريقيا، وليس ذلك فقط، بل يقدم نفسه بديلا قادرا على تحرير القارة من هيمنة القوى الاستعمارية التقليدية.
وترجم ذلك، تصريحات حديثة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قال فيها إن بلاده والشركاء الأفارقة يعملون على خفض مستمر لحصة الدولار واليورو في التجارة المتبادلة بين الطرفين.
وأضاف لافروف، الذي كان يدلي قبيل زيارته المقررة لعدد من الدول الأفريقية في 24- 28 يوليو/تموز الجاري: بالطبع، يتطلب الوضع الجيوسياسي الحالي تعديلا معينا لآليات تفاعلنا، أولا وقبل كل شيء، نحن نتحدث عن ضرورة ضمان لوجستيات غير منقطعة وإنشاء أنظمة تسوية مالية محمية من التدخل الخارجي.
وأكد الوزير الروسي أن بلاده منفتحة على بناء شراكة شاملة مع البلدان الأفريقية وستواصل الوفاء بالتزاماتها لتزويدها بالأغذية والأسمدة وناقلات الطاقة.
صراع الروبل مع اليورو والدولار
بعد إطلاق عمليتها العسكرية في أوكرانيا، فرض الغرب عقوبات اقتصادية على موسكو، تمثلت في إدراج البنك المركزي الروسي في القائمة السوداء للنظام المالي العالمي، الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي.
عقوبات شملت أيضا تجميد أصول البنك المركزي الروسي من العملات الأجنبية البالغة 630 مليار دولار بما يعادل 470 مليار جنيه إسترليني، واستبعاد أهم البنوك الروسية من نظام سويفت؛ في محاولة لتقييد المؤسسات المالية الروسية وإعاقتها عن إنجاز مدفوعاتها للخارج.
وأدت الخطوات الغربية مجتمعة إلى تراجع قيمة الروبل الروسي إلى مستوى قياسي في الأيام الأولى التي تلت الحرب بنحو 7% لتصل قيمته إلى 86.98 روبل للدولار الواحد.
وسرعان ما تحولت التأثيرت السلبية على الروبل إلى ارتدادات مع اشتراط موسكو على الدول التي أسمتها "غير الصديقة" بدفع مقابل الغاز الروسي والمنتجات الأخرى بالروبل أو الذهب، وبدأ الروبل الروسي بالتعافي واستعادة معظم خسائره ليصبح العملة الأفضل أداء على مستوى العالم.
في منتدى سانت بطرسبورج الاقتصادي الدولي السنوي، الذي انعقد الشهر الماضي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "كانت الفكرة واضحة: وهي سحق الاقتصاد الروسي بعنف، لكنهم لم ينجحوا في ذلك -في إشارة للولايات المتحدة وأوروبا- وهذا لم يحدث".
واستمر الروبل في الارتفاع أمام الدولار الأمريكي، الذي تم تداوله في بورصة موسكو، يوم الخميس 21 يوليو 2022، دون مستوى 55 روبل.
ومؤخرا، وقّعت روسيا والصين والهند ودول أخرى اتفاقيات تجارية ثنائية على أساس اليوان والروبل والروبية، بعيدا عن الدولار الأمريكي.
ودفعت هذه الاتفاقيات صندوق النقد الدولي إلى الاعتقاد بأن هيمنة العملة الأمريكية يمكن أن تتضاءل خلال الفترة المقبلة، بسبب تجزئة النظام المالي العالمي.
كيف استعاد الروبل عافيته؟
عادة، الدولة التي تواجه عقوبات دولية ونزاعا عسكريا كبيرا تشهد فرار المستثمرين وتدفقا ثابتا لرأس المال، مما يؤدي إلى انخفاض عملتها.
لكن روسيا لجأت إلى إجراءات وقائية، تمثلت في منع الأموال من مغادرة البلاد، الأمر الذي خلق طلبا على الروبل ورفع من قيمته.
وفي أواخر فبراير/شباط، بعد الانهيار الأولي للروبل وبعد أربعة أيام من الحرب، ضاعفت روسيا سعر الفائدة الرئيسي في البلاد بأكثر من الضعف إلى 20% من 9.5% السابقة، في إجراء ثان ساعد في ارتفاع الروبل.
غير أن الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع العملة الروسية، بنظر خبراء، هي ببساطة ارتفاع أسعار الطاقة بشكل لافت، وضوابط رأس المال، والعقوبات نفسها.
فروسيا تعد أكبر مُصدر للغاز في العالم وثاني أكبر مُصدر للنفط، ويعتبر عميلها الأساسي الاتحاد الأوروبي، الذي كان يشتري ما قيمته مليارات الدولارات من الطاقة الروسية أسبوعيا بينما يحاول في الوقت نفسه معاقبة روسيا بفرض عقوبات.
ووفق تقرير صدر عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، وهو منظمة بحثية مقرها فنلندا، فإن مكاسب الاتحاد الروسي ارتفعت لتصل لنحو 98 مليار دولار من عائدات صادرات الوقود الأحفوري.
وتقول تاتيانا أورلوفا، رائدة اقتصاديات الأسواق الناشئة في أكسفورد، لقناة "سي بي إس" الأمريكية، إن أسعار السلع الأساسية مرتفعة حاليا، وعلى الرغم من حدوث انخفاض في حجم الصادرات الروسية بسبب الحظر والعقوبات، فإن الزيادة في أسعار السلع الأساسية أكثر من يعويض هذه الانخفاضات.
هل ولى عصر اليورو؟
في عام 2008 كان اليورو قد بلغ نحو 1.6 دولار، في قوة منحت الأوروبيين حينها، عطلة ممتعة في الخارج، وحقائب مليئة بالهدايا.
لكن بعد عقد ونصف العقد، فقد اليورو قوته أمام العملة الأمريكية منذ بداية العام الجاري، عندما كان يحوم بالقرب من 1.13 دولار، وهبط إلى 0,9952 دولارا، مع منتصف يوليو/تموز، في مستوى غير مسبوق منذ أواخر 2002.
ومع وصول العملة الأوروبية إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عاما، مع الدولار (قبل أن ترتفع قليلا إلى دولار واحد)، تتزايد المخاوف من حدوث ركود اقتصادي في القارة العجوز.
الدولار بعيدا
ورغم التآكل الخفي للدولار، الذي بات يشكل 59% من احتياطات العملات الأجنبية العالمية، بعدما كان يمثل 70% قبل نحو عشرين عاما، بحسب ورقة بحثية لصندوق النقد الدولي، إلا أن العملة الأمريكية ما زالت هي المهيمنة عالميا، حيث تُعد الأكثر استخداما في التجارة والمدفوعات والاحتياطات الأجنبية.
اليوان يحجز المقعد الثاني
في ظل النمو الهائل للاقتصاد الصيني، ازدادت قوة اليوان عالميا، حيث وقْعت بكين، منذ عام 2009، اتفاقيات مع عشرات الدول، الأمر الذي منح عملتها زخما في سوق العملات العالمية.
ووضع هذا الزخم العالمي الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في ميزان القوة الاقتصادية العالمية، حيث بات اليوان أول عملة في الأسواق الناشئة يتم تضمينها في سلة حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي.
aXA6IDMuMTQ1Ljk1LjIzMyA= جزيرة ام اند امز