اقتصادات الأولمبياد.. «كرنفال كارثي» يمنح الشهرة ويخلف الديون
يثير التنافس المحموم بين دول العالم على استضافة دورات الألعاب الأولمبية "الأولمبياد" بعض الدهشة خاصة عندما نعلم أن الديون التي تحملتها بعض الدول لتنظيم الحدث تحولت إلى عبء كارثي عليها.
ومع انطلاق فعاليات "أولمبياد باريس" في فرنسا، تتزايد التساؤلات مجددا حول الغرض الذي من أجله تتنافس دول مشهورة ومتحققة معنويا للفوز بفرصة تنظيم بطولة رياضية قد لا تغطي ما تم إنفاقه عليها من تكاليف.
ففي معظم القرن العشرين، كانت أغلب دورات الأولمبياد تنظم في دول غنية لديها من الرخاء والرفاهية ما يمكنها من الإنفاق بحكمة وتحمل أعباء معقولة، دون أن تضطر للاستدانة، بيد أن الوضع تغير منذ السبعينيات تقريبا عندما بدت الشعوب أقل رخاء وأكثر رفضا لتحمل الأعباء غير المبررة.
ديون تشجع على رفض الاستضافة
وحسب دراسة نشرها مجلس العلاقات الخارجية فإن دورات الألعاب الأخيرة سلطت الضوء على النقاش الدائر حول تكاليف وفوائد استضافة مثل هذه الفعاليات الضخمة.
فقد استهلكت دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو 2020 نفقات زائدة، حيث زادت بأكثر من المتوقع بعد تأخير غير مسبوق بسبب تفشي وباء كوفيد 19.
ومع استمرار المضيفين السابقين الآخرين في النضال من أجل سداد الديون التي تكبدوها، انسحبت بعض المدن المرشحة للألعاب المستقبلية من عروضها أو قلصت خططها.
عبء القرن العشرين
وعلى مدى أغلب القرن العشرين، كان تنظيم الألعاب الأولمبية يشكل عبئاً يمكن تحمله بالنسبة للمدن المضيفة. فقد أقيمت الأحداث في بلدان غنية، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، وفي عصر ما قبل البث التلفزيوني، حيث لم يكن المضيفون يتوقعون تحقيق ربح.
وبدلاً من ذلك، كانت الألعاب ممولة من القطاع العام، وكانت هذه البلدان في وضع أفضل لتحمل التكاليف بسبب اقتصاداتها الأكبر وبنيتها الأساسية الأكثر تقدماً.
لكن بحسب الخبير الاقتصادي أندرو زيمباليست، مؤلف ثلاثة كتب عن اقتصادات الألعاب الأولمبية، فإن سبعينيات القرن العشرين كانت نقطة تحول، إذ بدأت الشكوك بين مواطني الدول تزيد بشأن تكلفة استضافة هذه البطولات.
وفي عام 1972، أصبحت دنفر، أول مدينة مختارة للاستضافة، ترفض هذه الفرصة، وذلك بعد أن أقر الناخبون استفتاءً يرفض الإنفاق العام الإضافي للألعاب.
وقد قدرت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2024 أنه منذ عام 1960، كان متوسط تكلفة الاستضافة يعادل 3 أمثال التكلفة المتوقعة في العرض المقدم بطلبات ترشيح مدن.
دورة مونتريال.. رمز الخطر الأولمبي
وأصبحت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 1976 في مونتريال رمزًا للمخاطر المالية المترتبة على الاستضافة. حيث تحولت التكلفة المتوقعة والمقدرة بنحو 124 مليون دولار إلى مليارات الدولارات من التكلفة الفعلية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تأخير البناء وتجاوز التكاليف لملعب جديد، مما أدى إلى تحميل دافعي الضرائب في المدينة ديونًا تبلغ حوالي 1.5 مليار دولار.
وقد استغرق سداد تلك الديون ما يقرب من ثلاثة عقود. واستغرق الأمر حتى عام 2006 حتى تتمكن مونتريال من سداد آخر ديونها من دورة الألعاب الأولمبية عام 1976.
الحالة الخاصة لدورة لوس أنجلوس
أما الاستثناءات على ذلك، فكانت لمدينة لوس أنجلوس وهي الوحيدة التي تقدمت بطلب استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 1984، مما سمح لها بالتفاوض على شروط مواتية بشكل استثنائي مع اللجنة الأولمبية الدولية.
والأمر الأكثر أهمية هو أن لوس أنجلوس كانت قادرة على الاعتماد بشكل شبه كامل على الملاعب والبنية الأساسية القائمة بدلاً من الوعد بإنشاء مرافق جديدة فخمة لإغراء لجنة الاختيار التابعة للجنة الأولمبية الدولية.
هذا الأمر، إلى جانب الارتفاع الحاد في عائدات البث التلفزيوني، جعل لوس أنجلوس المدينة الوحيدة التي حققت أرباحًا من استضافة الألعاب الأولمبية، حيث أنهت الألعاب بفائض تشغيلي قدره 215 مليون دولار.
من أين جاءت "الشهية المفتوحة"؟
أدى نجاح لوس أنجلوس في زيادة عدد المدن التي تقدمت بعروض لاستضافة الألعاب الأولمبية ــ من مدينتين عام 1988 إلى اثنتي عشرة مدينة عام 2004.
وقد سمح هذا للجنة الأولمبية الدولية باختيار المدن التي لديها الخطط الأكثر طموحاً ــ والأكثر بذخا.
وبالإضافة إلى ذلك، وكما يشير الباحثان روبرت بادي وفيكتور ماثيسون، تضاعفت عروض البلدان النامية أكثر من ثلاثة أمثالها بعد عام 1988. وكانت بلدان مثل الصين والبرازيل وروسيا حريصة على استخدام الألعاب الأولمبية لإظهار تقدمها على الساحة العالمية.
ومع ذلك، استثمرت هذه البلدان مبالغ ضخمة لإنشاء البنية الأساسية اللازمة. وارتفعت التكاليف إلى أكثر من 50 مليار دولار لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي (روسيا)، و20 مليار دولار لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2016 في ريو دي جانيرو (البرازيل)، و39 مليار دولار لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 في بكين (الصين).
عودة المخاوف
وقد دفعت هذه التكاليف بعض المدن إلى سحب عروضها لاستضافة الألعاب الأولمبية. وفي عام 2019، اعتمدت اللجنة الأولمبية الدولية عملية لتخفيض تكلفة تقديم العطاءات، وتمديد فترة تقديم العطاءات وتوسيع المتطلبات الجغرافية للسماح لمدن أو ولايات أو دول متعددة بالاستضافة المشتركة.
لكن هذا لم يترجم إلى المزيد من مقدمي العطاءات. وفي عام 2021، أصبحت بريسبان، أستراليا، مستضيفة الألعاب الصيفية لعام 2032، بالتزكية دون منافس.
aXA6IDMuMTI4LjMxLjc2IA== جزيرة ام اند امز