اقتصاد غزة يودع 2019 بأزمات طاحنة وانهيار وشيك
التقديرات الأممية التي تشير إلى أن قطاع غزة الفلسطيني سيصبح غير قابل للحياة بحلول عام 2020 بدأت تظهر في الأفق
بأزمات اقتصادية طاحنة، ودع الفلسطينيون في قطاع غزة عام 2019، وسط صدى الأصوات المحذرة بأن منطقة سكناهم لن تكون قابلة للحياة في عامهم الجديد، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية.
- مليار دولار قيمة الشيكات المرتجعة في غزة خلال 2019
- رجال أعمال غزة يطلبون الدعم المصري لإنقاذ اقتصاد القطاع المنهار
فالتحذيرات التي أطلقها أنطونيو جوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، في فبراير/شباط 2018، قائلا إن التقديرات الأممية التي تشير إلى أن قطاع غزة الفلسطيني سيصبح غير قابل للحياة بحلول عام 2020 بدأت تظهر في الأفق.
- مؤشرات خطيرة
أكد الدكتور ماهر الطباع، الخبير الاقتصادي ومدير العلاقات العامة بالغرفة التجارية في قطاع غزة، أن 2019 يعد أسوأ من 2018 وأشد سوءا من السنوات التي سبقت 2018، وذلك نتيجة تراكم السلبيات وتراكم آثار الحصار والحروب الاعتداءات الإسرائيلية دون حلول جذرية لأي منها.
ودلل الطباع، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، على سوء الأوضاع بوصول البطالة إلى 50% في حين ترتفع بين الشباب والخريجين إلى 70%، وارتفاع نسبة الفقر إلى 53% مع وصول نسبة الانعدام الغذائي لدى الأسر إلى 70% تقريبا والفقر.
وتابع: "نتيجة هذا الواقع تراجعت القدرة الشرائية للفلسطينيين بشكل حاد، ما أدى إلى حالة من الكساد في كل الأنشطة الاقتصادية".
وفيما كانت الشكوى فلسطينيا ترتفع سابقا من القيود الإسرائيلية على حركة وعدد الشاحنات الداخلة إلى غزة؛ فإن القضية اليوم باتت في انعدام الحركة الشرائية التي تسببت بتراجع عدد الشاحنات القادمة إلى غزة من معبر كرم أبوسالم (المعبر التجاري الوحيد مع إسرائيل في غزة).
وأكد الطباع أن عدد الشاحنات المحملة بالبضائع انخفضت من 800 شاحنة إلى عدد يتراوح بين 300 و400 شاحنة فقط، ما يعني أن تراجع الحركة الشرائية تراجع إلى أكثر من النصف.
ومن دلائل التردي الاقتصادي، فإن الأزمة الطاحنة تضرب الجامعات على شكل تراجع أعداد الطلبة، وأزمة الرواتب، وتراجع إنتاجية المصانع بعضها طاقته 20% فقط، وفق الطباع.
ونتيجة الأزمات المستمرة، أغلقت المئات من المحلات التجارية، حتى شارع عمر المختار الشريان الرئيسي لغزة وأهم شوارعها التجارية وأقدمها بالكاد كنت تجد فيه محلا للإيجار قبل سنوات اليوم عشرات المحلات فارغة تنتظر من يؤجرها بنصف الإيجار المتعارف عليه قبل سنوات.
كما أشار الطباع إلى إغلاق عشرات المطاعم المشهورة ومئات المصانع كانت نتيجتها تعرض آلاف التجار ورجال الأعمال للحبس أو الملاحقة القانونية على ذمم مالية جراء تعثرهم المالي.
بدأت أزمات قطاع غزة، منذ الحصار الإسرائيلي عام 2006، واشتد مع سيطرة حماس على القطاع في العام التالي، وزادت الوتيرة صعوبة مع الإجراءات التي فرضتها السلطة الفلسطينية عام 2017 لإجبار حماس على تسليم القطاع للشرعية الفلسطينية.
- فجوة النمو الاقتصادي
يرصد الدكتور معين رجب، أستاذ الاقتصاد بغزة، أبرز ملامح النشاط الاقتصادي في قطاع غزة عام2019، في تراجع النمو الاقتصادي، مشيرا إلى أن نصيب الفرد بغزة مقارنة بالضفة الغربية هو الربع فقط، إذ يبلغ نصيب الفرد في الضفة دولار وفي غزة 1034 دولار وهذا يعكس الفرق الهائل بين المنطقتين.
وقال رجب لـ"العين الإخبارية": "رغم أن عام 2018 وصف بأنه الأسوأ اقتصاديا، إلا أن التراجع في عام 2019 كانت أكبر"، مشيرا إلى أن نصيب الفرد في 2018 كان بغزة 1413 دولار وانخفض إلى 1034 دولار في 2019.
وأشار إلى أن السيولة النقدية ضئيلة بغزة، وذلك لأن رواتب موظفي حكومة غزة لا تتجاوز 40 % (ورواتب موظفي السلطة الفلسطينية تتراوح بين 50-70 % بعد التقاعد الإداري والمالي) مشددا على أن هذا القدر من الراتب لا يغطي الحاجات الضرورية للمواطن، ولا يستطيع الموظف ان يوفر ادني الحاجيات بهذه النسبة من الراتب.
وأضاف لا تزال أزمة الكهرباء من العوامل المؤثرة سلبيا اقتصاديا، نتيجة الخسائر التي تلحق بالمصانع والمنشآت العاملة وتقلص مدد عملها أو تزيد تكلفة الإنتاج في ظل وضع متري أساسا.
وتعمل الكهرباء في قطاع غزة في أحسن أحوالها بواقع 8 ساعات وصل يليها 8 ساعات قطع، نظرا لأن الطاقة المتوفرة لا تزيد على 50-60% من حاجة القطاع.
وأشار رجب إلى أن الكثير من مواد الخام لا يزال الاحتلال يمنع إدخالها لغزة بذريعة "الاستخدام المزدوج" (أي إمكانية استخدامها في صناعة الأنشطة المتعلقة بفصائل المقاومة) وهذا يؤثر على الانتاج وجودته.
- أداء سلطات حماس
ويحدد سمير دقران، الخبير الاقتصادي، بعدا آخر للأزمة بغزة، مشيرا إلى أن حكومة غزة (سلطات حماس) لا تلتزم بمسؤولياتها القانونية، وهي تركز على الجباية والأمن أكثر من الإنعاش الاقتصادي، وكذلك يعتقد أن الحكومة الفلسطينية هي الأخرى لم تقم بواجباتها الدستورية تجاه البنية الاقتصادية التحتية بغزة في ظل بيئة الانقسام.
وقال دقران لـ"العين الإخبارية": "إن حكومة غزة لا تعرض موازنتها المالية للملأ مع أنها الحاكم الفعلي لغزة، وعليها إعلان الموازنات والأموال التي تجبيها وتلك التي تصرفها"، في إشارة إلى غياب الشفافية في أداء سلطة الأمر الواقع بغزة.
وأشار إلى أن عدم وجود حكومة السلطة له تأثير سلبي على مناحي الاقتصاد بغزة، وكذلك "لا توجد استراتيجيات اقتصادية لدى الحكومتين لتشغيل الشباب والخريجين بغزة".
وأكد أن هذه السياسات أدت إلى انتشار الفقر الذي أصبح سمة من سمات غزة، والأمر الأخطر أن 2019 شهد انتشارا غير مسبوق للتسول في الشوارع والمفترقات وعند المؤسسات والأسواق والمساجد فضلا عن التسول الإلكتروني.
- ارتفاع البطالة
وأظهرت معطيات نشرتها اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار في غزة أن ربع مليون عامل أصبحوا عاطلين عن العمل في قطاع غزة، وأن المصانع تعمل بـ٢٠% من طاقتها الإنتاجية، بسبب الحصار الإسرائيلي والاعتداءات المتواصلة.
وقالت اللجنة، في بيان لرئيسها المهندس جمال الخضري، الجمعة، تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، إن الحصار الممتد للعام الـ13 على التوالي، ونتائجه على الوضع الاقتصادي، أصاب الحياة التجارية والصناعية وقطاع المقاولات والأعمال بشكل عام بالشلل، وأوقف نحو ٨٠% من المنشآت الاقتصادية عن العمل، حيث تعد في حكم المغلقة.
وأردف بيان اللجنة الشعبية: "نقترب من الدخول في عام ٢٠٢٠ الذي حذرت مؤسسات دولية وأممية عدة من أنه سيكون الأقسى بسبب الحصار، وقد تصبح غزة خلاله غير قابلة للحياة، طبقا للمعايير المطلوبة في مجالات الصحة وتوفر الخدمات المياه والكهرباء وإيجاد فرص العمل".