الإخوان في 2023.. استمرار مرحلة الشتات والتيه
إذا كان عام 2013 هو عام الخروج للإخوان، فإن 2023 هو عام الشتات والتيه، فقد كان مليئا بالعار والخذلان للتنظيم بكل بقاع الأرض.
فقد تجلت فيه عمالتهم وخيانتهم لشعوبهم وأوطانهم، كما تبين لأتباعهم ومؤيديهم، أنهم مجرد مستخدمين لتحقيق أجندات غربية، وأنهم لا ينظر إليهم باحترام، فمن خان وطنه لا يمكن أن تضمن ولاءه.
عاش الإخوان حالة من الطرد والاستبعاد أكثر من مرة في تاريخهم، ففي الخمسينيات هربوا إلى ليبيا وفي الستينيات هربوا إلى الخليج الذي أكرم وفادتهم فردوا الجميل بالتآمر على دوله وعملوا على تخريب مجتمعاته من الداخل، ثم كان الهروب والشتات الأخير أشد ضراوة مما سبق.
والشتات مصطلح يُطلق على أماكن تواجد جماعات شاردة، خرجت على الوطن ليصبحوا مُشتَّتين حول العالم، كمجموعات انفرط عقدها، متناثرة، ومتباعدة، ويتفاعلون فيما بينهم لمحاولة العودة المستحيلة.
بداية رحلة بلا عودة
بثورة 30 يونيو/حزيران 2013 الشعبية في مصر سقط حكم المرشد وانتهت أسطورة الجماعة، عندها حاول التنظيم التشبث بالحكم فأقام معسكرات مسلحة ليعتصم فيها عناصره وكل التنظيمات المسلحة.
وظهر الوجه الحقيقي للجماعة واستخدامهم للعنف ليس فقط بالتحالف مع الجماعات الإرهابية المسلحة بل بتدريب كوادرهم فيما عرف باللجان النوعية مثل "حسم" و" لواء الثورة" و "كتائب حلوان" وغيرها من المجموعات التي نفذت عمليات إرهابية فاستهدفت شخصيات ومنشآت مدنية ورسمية وكنائس وغيرها، بغرض إشعال حرب أهلية وإسقاط الدولة.
الشتات.. قدر الإخوان
وعقب فض معسكري النهضة ورابعة، إضافة لفشل اللجان النوعية في إثارة الفوضى، حاول التنظيم الدولي إيجاد ملاذ آمن لهم يصلح لينطلقوا منه لتنفيذ المخطط لتفكيك الدول العربية من الداخل.
في البداية حاولوا الهروب إلى ليبيا، وأشهرها محاولة القيادي صفوت حجازي خطيب منصة رابعة، الذي ألقي القبض عليه على الحدود الليبية، بعد أن غير من هيئته وحلق لحيته وصبغ شعره.
ولأسباب داخلية ليبية تحولوا إلى السودان، ففر إليه أعداد كبيرة من الإخوان من ذوي الدخل المحدود، وقيادات الصف الثالث، أما الميسورون وقيادات الصف الأول فهربوا إلى دول إقليمية.
لكن السودان طلب من عناصر إخوانية تورطت في الانضمام لخلايا داعش بالمغادرة، وتم التضييق عليهم وعلى حركتهم وحركة الأموال، فهربوا إلى (شمال الصومال) وبعضهم فر إلى نيجيريا والسنغال.
أما الدول الإقليمية الأخرى التي فر إليها الإخوان وكادوا يعتبرونها ملاذا آمنا فقد رفضت تجنيسهم، كما طلبت من شخصيات إخوانية أو قريبة من رموز جماعات الإسلام السياسي المناهضة للنظام المصري المتواجدين على أراضيها بالسفر خارج البلاد.
وأمام تكرار لفظ الدول للإخوان اضطرت قيادات بارزة في التنظيم وإعلاميين لمغادرة دول إقليمية إلى أقطار أخرى منها بريطانيا.
لكن حضور الدولة المصرية ممثلة في مفتي الديار وفضحه لممارسات الإخوان الإرهابية، جعلت لندن تقيد تحركات الإخوان المالية والتنظيمية نوعاً ما، وإن لم تتخل عنهم بالكلية، فلم يزل التنظيم الدولي يستقر في لندن.
شتات دائم أم مؤقت؟
وحول حصاد الشتات والتيه؛ وتنقل الإخوان من بلدٍ إلى آخر، استطلعت «العين الإخبارية» آراء خبراء في الإسلام السياسي، الذين اعتبر بعضهم أنه مؤقت فيما رأى آخرون أنه دائم ومستمر للأبد.
فمن جانبه يرى مصطفى حمزة، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، أن الشتات هو العنوان الأكثر توفيقًا وتعبيرًا عن المرحلة الراهنة التي يمر بها تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، الآن، لكنه يرى أنه شتات مؤقت ومرحلة في تاريخ الجماعة مادامت أفكارها حية وتجد من يؤمن بها.
ويؤكد حمزة في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "تنظيم جماعة الإخوان قد تلقى بالفعل ضربة تنظيمية قوية خلال العقد المنصرم، أدت إلى فرار العديد منهم إلى أكثر من بلد، ما يمكن أن نطلق عليه الشتات الإخواني".
وأضاف: "من المعلوم أن دوافع استقبال الإخوان وتوظيفهم تختلف من بلد لآخر، وأن كل من آواهم كان يستخدمهم لمصالح بلده وفور الانتهاء من دورهم يطلب منهم المغادرة".
ويضيف حمزة: "ومثل العام المنصرم ذروة التيه والشتات الإخواني بعد رفض العديد من الدول استقرار قيادتهم فيها، ومن المتوقع أن تستمر حالة الشتات خلال عام 2024، وقد تزداد نسبة الهجرة الإخوانيّة إلى دول أوروبية وآسيوية".
ويرى حمزة " أن الشتات الإخواني مؤقت، فالإخوان ليسوا جنسية أو عرق، بل هم تنظيم وظيفي يستخدم الأيديولوجية الإسلاموية الماضوية، للبقاء والاستمرار، والذين فروا للخارج ويعانون من الشتات ليسوا عددًا كبيرا، ولا الذين في السجون فكلتا الفئتين لا تتجاوز 50 ألف إخواني على أكثر تقدير، وباقي التنظيم موجود بجسده في مصر، ويمكنه ضم عناصر جديدة وهم ينتظرون الفرصة لإعادة تموضعهم التنظيمي والسياسي والاجتماعي"
معركة الأفكار لم تبدأ بعد
ويفسر حمزة أن "حزمة الأفكار التي بثتها الجماعة في المجتمع خلال العقود الماضية لا يزال لها مؤيدون ومؤمنون بها، فالجماعة ليست تنظيمًا فحسب بل فكر وتطبيقات، والأفكار لا تموت بموت أصحابها، لكنها تموت برفض الناس لها، ومعركة الأفكار لم تبدأ بعد".
ومن ناحية أخرى، يرى أحمد سلطان الكاتب والباحث في الإسلام السياسي أن "الشتات الإخواني ظهر قبل سنوات لكنه كان الأبرز في 2023، فبعض الدول التي كانت الملاذ الأكبر والأقوى والتي عملت كظهير للجماعة تغيرت سياساتها".
ففي حديث لـ"العين الإخبارية" يرى سلطان أن "تخلي دول إقليمية عن التنظيم والاكتفاء بإيوائهم فقط، كان صدمة أصابت الإخوان في مقتل، فقد أغلقت دول إقليمية العديد من المنافذ الإعلامية. كما طلبت من شخصيات راديكالية قريبة من الإخوان المغادرة بعد تسببها في مشاكل، كما رفضت منح العديد منهم الجنسية وسحبت الجنسيات المؤقتة من آخرين".
ويستكمل سلطان: "تجلت أزمة شتات وتيه الإخوان في عام 2023 عندما أصبح على التنظيم البحث عن ملاذات أخرى أكثر أمانًا واستقرارا ولم تكن مهمة سهلة".
ولفت إلى أن "كثيرا من الدول التي أبدت تعاطفها معهم، سحبته وأصبح الشباب والقيادات الصف الثالث وهم أغلب التنظيم وليس لهم ملاذ آمن حقيقي خلاف القيادات العليا للجماعة سواء في جبهة لندن أو إسطنبول وترك التيه والشتات بصمته على الإخوان وأصيب العديد منهم بأمراض نفسيه وبعضهم أقدم على الانتحار".
ويتوقع سلطان أن تستمر حالة الشتات فترة ليست قصيرة، لكن الشتات لن يقضي عليهم، فالإخوان رغم أنها جماعة مأزومة ولكنها لن تموت ما لم تنته الأسباب والعوامل التي ساهمت في ميلادها من الأساس، وما لم تغير الدول التي تكافح الإرهاب سياساتها مع الجماعة، والانتقال من مرحلة تفكيك التنظيم إلى تفكيك الأفكار، فمن المرجح أنها ستعود.
aXA6IDMuMTM5LjEwOC45OSA=
جزيرة ام اند امز