"المسحراتي".. هل يختفي في زمن كورونا؟
مع استمرار المهنة في العصر الفاطمي، تم تخصيص شخص معين لهذه المهمة، وأطلق عليه اسم "المسحراتي"، وحرص "ابن نقطة" على التغني بشعر مخصص لفترة السحور.
على مدار نحو 12 قرنا، ارتبطت ليالي رمضان في مصر بصوته المرتفع مع إيقاع طبلته، بهجة قدوم شهر رمضان لا تكتمل دون "المسحراتي" الذي يوقظ النائمين لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر.
ومنذ العصر العباسي وحتى الآن، تواجه مهنة المسحراتي في مصر تحديات كثيرة هددت بقاءها.
وعُرفت مهنة المسحراتي بشكل مختلف في عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وكان المؤذن بلال بن رباح يعلن بأذان الفجر بداية يوم جديد تمتنع فيه الناس عن تناول الطعام وشرب المياه لبدء الصوم.
وتطور مفهوم المهنة المرتبطة بشهر رمضان في العصر العباسي في مصر، بعد أن نقل إسحاق بن عقبة والي مصر العباسي وقتها الفكرة من بغداد إلى القاهرة، بعد إسناد مهمة إيقاظ الخليفة العباسي في العراق لشخص يدعى "ابن نقطة".
وحرص "ابن نقطة" على التغني بشعر مخصص لفترة السحور، وعرف فيما بعد هذا الشعر الشعبي باسم "القوما" وله وزنان مختلفان وتضمنت عباراته "يا نياما قوما.. قوما للسحور قوما".
وقرر بن عقبة الطواف في شوارع القاهرة ليلا، بهدف تنبيه النائمين إلى ضرورة تناول الأطعمة قبل أذان الفجر، وذكرت مصادر تاريخية أن والي مصر العباسي كان يطوف ليل رمضان يومياً ماشياً على قدميه من مدينة العسكر بالفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص (جنوبي القاهرة).
بينما في عهد الدول الفاطمية، أخذت مهنة المسحراتي شكلاً مختلفاً، بعد صدور أوامر من الحاكم بأمر الله بأن ينام المصريين مبكراً بعد صلاة التراويح في رمضان؛ لذلك أصبحت مهمة الجنود وقتها المرور على المنازل وإيقاظ الناس قبل الفجر لتناول وجبة السحور.
ومع استمرار المهنة في العصر الفاطمي، تم تخصيص شخص معين لهذه المهمة وأطلق عليه اسم "المسحراتي" الذي كان يوقظ المسلمين بالدق على الأبواب وعبارة "يا أهل الله قوموا تسحروا".
وواجهت التحديات مهنة المسحراتي منذ زمن طويل، وتراجعت أهميتها في العصر الأيوبي، لتعود مرة أخرى في عصر المماليك وفي عهد السلطان المملوكي "الظاهر بيبرس"، الذي حرص على الحفاظ عليها باعتبارها جزءا من التراث الإسلامي المرتبط بطقوس شهر رمضان.
وأوكل بيبرس مهمة إيقاظ المسلمين من أجل السحور إلى صغار علماء الدين وقتها، وأخذت مهنة المسحراتي وضعها في عهد الناصر بن قلاوون (فترة المماليك) بتأسيس نقابة للعاملين بالمهنة وتطوير مهارة المسحراتي بإضافة أشعار شعبية وزجل واستخدام الطبلة في إيقاظ النائمين.
وفي العصر الحديث ومع ظهور الإذاعات وقنوات التلفاز، تراجعت مرة أخرى مهنة المسحراتي، واقتصر وجودها في بعض الأحياء الشعبية بالقاهرة والقرى المصرية، بإحضار المسحراتي الفانوس لإضاءة الشوارع والأحياء ليلاً والنداء بأسماء ساكني المنازل في هذه الأحياء.
وتدريجياً أصبحت شخصية "المسحراتي" مصدر إلهام للكثير من الفنانين المصريين، وتشارك كل من الملحن سيد مكاوي والشاعر فؤاد حداد في تقديم شخصية المسحراتي بألحان وأشعار لا تزال عالقة في الأذهان حتى اليوم بعبارة "اصحي يا نائم وحد الدايم.. رمضان كريم".
ليعود مرة أخرى المسحراتي في العقود الماضية ببعض المناطق الشعبية في مصر، لمهمة إيقاظ الناس رغم التطور التكنولوجي الذي يجعلها مهنة مهددة بالاندثار.
ويتزامن شهر رمضان هذا العام مع الإجراءات الوقائية التي أعلنتها مصر لمواجهة فيروس كورونا المستجد، ومن بينها تطبيق العزل المنزلي وحظر التجول الليلي، ليطرح سؤال هل تختفي مهنة "المسحراتي" في زمن كورونا؟.
aXA6IDE4LjExNy43MS4yMTMg
جزيرة ام اند امز