مصر 2018.. استعادة المليارات الضائعة من بوابة الاقتصاد الموازي
الحكومة المصرية تحركت من خلال تخصيص أسواق للباعة الجائلين ومدن متخصصة للصناعات مثل مدينة الأثاث بدمياط ومدينة الروبيكي للجلود.
لم تقف خطة مصر للإصلاح الاقتصادي عند مستوى زيادة الاحتياطيات النقدية وتعظيم نسب الصادرات والسيطرة على أسواق النقد التي تحكمت فيها السوق الموازية لفترات طويلة، بل تخطتها إلى ما هو أبعد من ذلك؛ حيث سعت الحكومة جاهدة لضم نسبة كبيرة من الاقتصاد غير الرسمي، أو ما يعرف بـ«اقتصاد بير السلم» إلى نطاقاتها الشرعية التي تلتزم بإجراءات وقوانين الاستثمارات العاملة في مصر، والملزمة بدفع الضرائب وكذلك الحصول على الحوافز الاستثمارية المقرَّرة خلال قوانين الاستثمار.
- مصر تتوقع تسلّم الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد يناير المقبل
- "دانة غاز" تتسلم دفعة جديدة من مصر بقيمة 44.3 مليون دولار
ووفقا لدراسة أعدها اتحاد الصناعات عام 2015، كانت السوق المصرية تضم 47 ألف مصنع ليست لها سجلات صناعية، و8 ملايين مواطن يعملون في 1200 سوق عشوائية، كما رصدت الدراسة وجود عقارات غير مسجلة تقدر قيمتها بنحو بقيمة 2.4 تريليون جنيه.
وكان الاقتصاد الخفي بمصر يمثل 60% من حجم عمليات البيع والشراء بالسوق المصرية -بحسب تصريحات منسوبة لمسؤولي مصلحة الضرائب في مصر- مع تحذيرات سابقة من تفاقم الظاهرة مع مرور الوقت واتساع المسافة بين الرقابة الحكومية والمتهربين من الضرائب، وهو ما فطنت إليه الحكومة المصرية وبدأت مواجهته بخطط عاجلة.
وتحركت الحكومة المصرية في هذا الاتجاه من خلال تخصيص أسواق للباعة الجائلين ومدن متخصصة للصناعات مثل مدينة الأثاث بدمياط ومدينة الروبيكي للجلود، بعد تحذيرات للخبراء قبل 4 سنوات من أن يصبح الاقتصاد الرسمي في مصر على هامش عمليات البيع والشراء غير المُقنَّنة، ويغدو "اقتصاد بير السلم" هو المسيطر.
حجم الاقتصاد غير الرسمي تقلص بالتأكيد عن الفترات الماضية، لكن لم يعطِ أحدا من المسؤولين رقما ثابتا له، إذ قدّره رئيس وزراء مصر السابق شريف إسماعيل عام 2017 بـ1.8 تريليون جنيه بما يعادل 40% من الناتج المحلى، بينما أكد نائب محافظ البنك المركزي جمال نجم، وصول حجمه إلى 2 تريليون جنيه.
وأشار الدكتور مصطفى بدرة الخبير الاقتصادي إلى آخر تصريح لوزير المالية المصري محمد معيط حول الاقتصاد الخفي أو الأسود أو الموازي -بحسب وصفه- والذي لا يزال يُقدَّر حجمه بـ60% من قيمة الاقتصاد المصري ككل.
وشرح بدرة في تصريحات لـ"العين الإخبارية" درجات تلك الشريحة من الاقتصاد الخفي؛ حيث لم يحصرها في اقتصاد الشارع والباعة الجائلين والمصانع غير المرخصة فحسب، بل توسعت الدائرة لتشمل التهرب الجمركي للبضائع وتهريب الممنوعات مثل الآثار والمخدرات، وهو ما تحاول الدولة مجابهته بشكل حازم.
كذلك يضم الاقتصاد غير الرسمي الأنشطة غير المدققة، وأبرزها تجارة الأراضي والعقارات والسيارات المستعملة، والتي بدأت الدولة في تقنينها من خلال منع بيع السيارة بأكثر من توكيل واحد لضمان حق الدولة في تحصيل الضريبة، كما أشار بدرة إلى أن الأموال التي تُدفَع نظير الخدمات الحكومية دون فواتير رسمية تدخل في نطاق الاقتصاد الاستغلالي، والذي يندرج بدوره تحت الاقتصاد الخفي، كذلك الدروس الخصوصية التي تستنفد مُخصَّصات مالية كبيرة جدا دون استغلالها في تطوير المنظومة أو تحصيل نسبة منها كضرائب.
وأكد بدرة أن تقنين تلك الأمور التي قد لا يظن الكثيرون أنها تدخل في حيز هذا الاقتصاد كفيل بدعم ميزانية الدولة بمليارات الجنيهات سنويا، كما سيكون لها مردود ملموس في تخفيض قيمة الضرائب وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أعلن بداية المواجهة، من خلال الشروع في تنفيذ التعداد الاقتصادي، والذي بدأ العمل الميداني به وجمع البيانات في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، ويستمر حتى مارس 2019 بتكلفة قُدِّرت بـ80 مليون جنيه، شاملة كل التجهيزات للتعداد وأجور العاملين به والبالغ عددهم نحو 1000 باحث وموظف -وفقا لبيانات الإحصاء-.
واستنادا إلى تلك الخطوات يرى الدكتور خالد رحومة خبير الاقتصاد، أن ملف الاقتصاد غير الرسمي يُعَد أحد الملفات التي تأخرت الدولة المصرية في فتحها كثيرا، فلم تجرؤ الحكومات السابقة على التصدي لهذه الظاهرة ربما بسبب الرغبة في تجنب السخط الشعبي نتيجة إجراء التصحيح الذي يعيد الحياة الاقتصادية لنصابها الصحيح، ومع تبني الرئيس السيسي استراتيجية الإصلاح في المجالات كافة ظهرت الخطوات الجادة لدمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.
ويضيف رحومة لـ"العين الإخبارية" أنه لا يمكن أن نغفل أن الاقتصاد الموازي وغير الرسمي لا تندرج تحته الأنشطة المشروعة فقط، وإنما يضم المعاملات غير المشروعة كافة من تجارة الأعضاء والمخدرات والتهريب إلى تمويل الإرهاب، ولندرك ما تسببه هذه الظاهرة من تحدٍّ؛ لابد من الأخذ بالاعتبار ما يمثله هذا الاقتصاد من نسبة تصل إلى نحو 40% من الاقتصاد ككل، وبما يتراوح بين 50 و60% من الناتج المحلي الإجمالي، طبقا لتقديرات بعض الدراسات، كما يقدر البعض رأسماله بنحو 288 مليار دولار.
ويقول إن المجابهة الحقيقية لهذه الظاهرة كانت من خلال عدة محاور؛ أهمها مبادرة الشمول المالي التي تستهدف تحويل المعاملات النقدية كافة لمعاملات بنكية، فضلا عن المدن الحرفية الجديدة للجلود والأثاث والصناعات المعدنية وغيرها.
ووفقا للخبير الاقتصادي يُعَد مشروع نقل المدابغ من سور مجرى العيون في مصر القديمة إلى مدينة الروبيكي للجلود من أهم المشروعات التي تعمل على زيادة القيمة المضافة والقدرات التسويقية، كما تمثل مدينة دمياط للأثاث أحد أهم المشروعات القومية التي تحظى باهتمام القيادة السياسية المصرية، بهدف دعم هذه الصناعة التي تُعَد الحرفة الأولى لأهل المدينة، والمجال لا يتسع لحصر جميع الخطوات التي اتُّخِذَت لتشجيع الاندماج.
"ولكن ما يمكن قوله إن الاندماج من شأنه تعزيز الإيرادات الضريبية بنسبة يقدرها بعض الخبراء بما لا يقل عن ١٨%، وهو ما يعزز قدرات الدولة للإنفاق على التعليم والرعاية الصحية والمرافق الأساسية".. يقول رحومة.
البرلمان بدوره دخل على خط المواجهة من خلال تشريعاته التي شجّعت أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة على تقنين أوضاعهم، والاستفادة من حوافز الحكومة الاستثمارية بدلا من التعرُّض لمساءلات ودفع غرامات باهظة.
وكانت البداية بتعديلات قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981، وتعديلات أحكام القانون رقم 140 لسنة 1956 بشأن إشغال الطرق العامة، والخاص بمنح تصاريح لعربات المأكولات.
ويُمنح التصريح لعربات المأكولات لإشغال الطرق العامة لمدة سنة، وبرسم لا يتجاوز 20 ألف جنيه، ويناقش البرلمان حاليا مشروع قانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذي يضم بابا كاملا عن كيفية ضم الاقتصاد غير الرسمي إلى الرسمي.
يعلق النائب محمد بدراوي عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان المصري، على القضية قائلا إن إجراءات الدولة لضم الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي باتت واضحة لتشجيع أصحاب المشروعات على الدخول في هذا الحيز بإعفاءات من الضرائب للسنة الأولى.
وضم بدراوي إلى تلك الأنشطة التي تستنزف أموال الدولة مركبات الـ"توك توك" غير المرخصة في شتى أنحاء مصر، فضلا عن الدروس التعليمية الخصوصية التي قُدِّرت بـ35 مليار جنيه سنويا -بحسب إحصائية الجهاز المركزي للإحصاء- وكان أجدر بتلك المبالغ أن تُضَخّ لصالح وزارة التعليم من خلال بناء مدارس ودعم المنظومة الجديدة.
تجدر الإشارة إلى أن التعداد الاقتصادي الحالي هو أول تعداد اقتصادي إلكتروني سيتم تنفيذه باستخدام التابلت، وستُعلَن نتائجه خلال يونيو 2019.
aXA6IDMuMTM4LjE3NS4xMCA=
جزيرة ام اند امز