الأفيال وتغير المناخ.. صرخة روح قبل تحولها إلى حيوانات مفترسة
الكوارث المناخية باتت ظواهر يشهدها العالم بشكل متزايد في السنوات الأخيرة وظهرت في صورة أعاصير وفيضانات مدمرة وجفاف وحرائق غابات.
الاحتباس الحراري والارتفاعات القياسية في درجات الحرارة وتغير المناخ عموما لا يؤثر في البشر فقط، ولكن في كل الكائنات وبينها عالم الحيوانات.. وهذه الأخيرة تحديدا تبدو التأثيرات عليها أكثر غرابة ووضوحا وتشمل سلوك الحيوانات.
وتبدو الحيوانات أكثر تأثرا بتداعيات تغير المناخ الناجمة عن سلوك البشر كونها تعتمد على الطبيعة بشكل مباشر في غذائها وبيئتها التي تنمو فيها خاصة الغابات وأماكن وجود النبات والماء.
- هل لغذاء الحيوانات الأليفة علاقة بالمناخ؟.. الأرقام تجيب
- تغير المناخ يهدد القيمة الغذائية للأسماك.. تراجع حاد في الأوميغا 3
يعزي بعض علماء المناخ وخبراء البيئة ظواهر غريبة في سلوك الحيوانات إلى تغير المناخ، ومنها على سبيل المثال ظاهرة "انتحار الحيتان" ونفوق الأسماك جراء التلوث البيئي في البحار والمحيطات والأنهار خاصة التلوث البلاستيكي.
تأتي الأفيال على رأس قائمة الحيوانات التي تتأثر في سلوكها بالتغيرات المناخية، وهي الحيوانات الباحثة يوميا عن مصدر العشب التي تحتاج إلى استهلاك أطنان منه يوميا وكذلك البحث عن الماء لشربها، ولكن ملاحظات علماء مملكة الحيوانات رصدت سلوكا على هذه الحيوانات الودودة حسب اعتقادنا.
الأفيال الضحية والجاني
أرجعت دراسات مسحية حديثة ارتفاع أعداد الحوادث التي اعتدت فيها الفيلة على البشر في مناطق متفرقة في العالم إلى تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، وتجريف الغابات وقطع الأشجار وندرة موارد الغذاء والماء لتلك الحيوانات.
رجح العلماء أيضا تزايد وتيرة هذه الحوادث، خاصة مهاجمة الأفيال التي تشتهر بكونها حيوانات ودودة للبشر، في حال استمر السلوك البشري المسبب لتغير المناخ خاصة الأنشطة التي تولد انبعاثات غازات الدفيئة المحملة بالكربون، المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري.
ووفقا لما كشفته عدة حوادث في السنوات الماضية، دفع تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، كانت الأفيال التي هي إحدى ضحايا تغير المناخ "الجاني" وكأنها حيوانات "مفترسة".
ومن تلك الحوادث حسب تقارير حكومية وتقارير لجمعيات البيئة حول العالم:
- في الهند تقتل الأفيال 500 شخص كل عام، وفقاً لـ"تقرير حكومي"، صدر في عام 2020.
- في 24 مايو/أيار دهست فيلة امرأة هندية حتى الموت، بعد الهجوم على قريتها بالهند، وفقاً لصحيفة "تايمز أوف إنديا".
- في عام 2021، ذكر تقرير لصحيفة "إنديا توداي"، أن 3310 أشخاص لقوا حتفهم من هجمات الأفيال خلال 7 سنوات.
- في أبريل/نيسان 2022، ذكرت صحيفة "إنديان إكسبريس" أن الأفيال دهست 6 أشخاص، من بينهم فتاة صغيرة، في منطقة دامتاري في الهند.
- في عام 2018، دمر قطيع مؤلف من 28 فيلاً 18 منزلاً وأسيجة في قرية أوجوروتي، في ناميبيا, وفقاً لـ"تقارير إعلامية".
- في عام 2021، غزت مجموعة من الأفيال المزارع في نجاريمارا، شمال كينيا، حسب موقع "أنقذوا الأفيال".
"العدوانية" جراء تغير المناخ
هدد المزارعون في كينيا عام 2021 مع تكرار الحوادث التي تعرض لها سكان بقتل الأفيال، قبل أن تتدخل مجموعات الرفق بالحيوان.
وقالت عالمة الاجتماع البيئي المتخصصة في الصراع بين الإنسان والحياة البرية، نيكي رست، في تصريحات سابقة لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، إن الأفيال تصبح أكثر عدوانية عندما ترتفع درجات الحرارة.
وأضافت: "تغير المناخ يؤثر على الأشياء التي تعتمد عليها الحيوانات للبقاء على قيد الحياة"، مؤكدة أن "حالات الجفاف ستجعل الأفيال أكثر توتراً وأكثر خطورة".
وأوضحت أن "الفيلة معروفة بتدمير الآبار بحثًا عن الماء، إلا أن حالات الجفاف ستجعل الأفيال أكثر توترًا وأكثر خطورة، وإذا لم تحصل الأفيال على التغذية التي تحتاج إليها، فإنها معرّضة لخطر المجاعة".
وفي عام 2019، عانت زمبابوي من جفاف مدمر، وجرى نقل 600 فيل في محاولة لإنقاذ حياتهم، مع موت 200 في غضون شهر واحد، وفقاً لوكالة "أسوشيتدبرس".
وقالت مديرة الأبحاث والعلوم في برنامج التعايش بين الإنسان والفيلة في كينيا، ليديا تيلر، لمجلة "نيوزويك"، إنهم يشهدون زيادة هائلة في الصراعات بين البشر والفيلة في جميع أنحاء أفريقيا.
وأضافت "لسوء الحظ، لا نعرف الصورة الكاملة للتأثيرات طويلة المدى لتغير المناخ على الأفيال"، مؤكدة "زيادة عدد الأفيال التي تُقتل بسبب الصراع".
وتابعت قائلة: "في كينيا، نشهد المزيد والمزيد من سنوات الجفاف التي لها تأثير مدمر على كل من البشر والفيلة".
وأشارت إلى تنافس بين الفيلة والبشر على مصادر المياه والأراضي الزراعية، متوقعة أن "يزداد الأمر سوءاً" بسبب الجفاف ونقص الأمطار.
وكشفت دراسة لـ"جامعة كينت" عام 2021، أن عدد حوادث الإغارة على المحاصيل المرتبطة بالأفيال زاد بنسبة 49% على مدار 15 عاماً.
وفي السياق، توقع المسؤول بالصندوق العالمي للحياة البرية (WWF)، نيخيل أدفاني، زيادة حدة الصراع مع استمرار التغير المناخي، قائلاً:" لديك أناس وماشيتهم يتنافسون مع الحيوانات مثل الفيلة بسبب تقلص مصادر المراعي والمياه".
الأفيال وامتصاص الكربون
ووفقا للمنظمة الحكومية الدولية التي تتخذ من سويسرا مقرا لها، انخفض عدد الأفيال الأفريقية بنسبة 86% خلال 30 عاما.
ووجدت دراسة لجمعية المحافظة على الحياة البرية التي تأسست عام 1895 باسم جمعية نيويورك لعلم الحيوان "WCS" أن فيل الغابة البالغ يحتوي على نحو 720 كغم من الكربون (2.64 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون).
ووفقا للدراسة تساهم الثدييات الكبيرة في حماية التنوع البيولوجي في أفريقيا وأماكن أخرى من العالم، حيث تساهم في نثر بذور الأشجار ذات البذور الكبيرة ذات الأخشاب العالية الكثافة.
وحذرت من أن تؤدي إلى خسائر طويلة المدى في الكتلة الحيوية للأشجار الموجودة فوق الأرض تتراوح من 3 إلى 6% في المتوسط، ولكن قد تصل إلى 40% تقريبًا، في حالة التناقص المتواصل لتلك الثدييات الكبيرة.
ورصدت "WCS" في وسط تايلاند، أن أنواع الأشجار التي تعتمد على نثر البذور من قبل آكلة الفاكهة ذات الأجسام الكبيرة تمثل ما يقرب من ثلث إجمالي الكتلة الحيوية للكربون، ولذلك هناك حاجة ملحة لإدراج حماية الحيوانات الكبيرة في مبادرات مكافحة تغير المناخ
وبشكل أكثر تحديدا استعادت الغابات الاستوائية، التي تمثل 50% من قدرة امتصاص الكربون في العالم، وفقا لدراسة نُشرت عام 2020 في المجلة العلمية "Nature" فإن "التشبع غير المتزامن للكربون يغرق في الغابات الاستوائية الأفريقية والأمازونية".
وفي سبيل تحقيق ذلك تُبذل بعض الجهود لكنها "متواضعة" ومنها إعلان وزيرة السياحة والحياة البرية والتراث الكينية، بينينا مالونزا، أنه تم اتخاذ خطوات لإنقاذ حياة الحيوانات - بما في ذلك حفر الآبار ونقل المياه إلى أحواض المياه الجافة والسدود.
وقالت مالونزا: "تسبب الجفاف في موت جماعي للحياة البرية، ومعظمها من الأنواع العاشبة".
وأضافت أن "الوفيات نشأت بسبب استنزاف الموارد الغذائية ونقص المياه". وبحسب الوزارة، لم يتبق في كينيا سوى 36 ألف فيل العام الماضي.
يشار إلى أن انقراض الفيلة مدرجة ضمن الحيوانات المعرضة للانقراض، ما قد يزيد من تداعيات الاحتباس الحراري على كوكب الأرض.
ويرى الخبراء أن انقراض أكبر حيوان ثديي يعيش فوق سطح الأرض سيؤثر بشدة على ثاني أكبر غابة مطيرة في العالم.
وتشير الأرقام إلى تراجع أعداد الفيلة بشكل كبير في حوض الكونغو الذي يمتد على أراضي عدد من دول وسط وغرب أفريقيا.
وتظهر أرقام جمعية حماية الحياة البحرية أن أعداد الفيلة انخفضت بنسبة 60%، فتراجعت إلى 40 ألفا فقط في هذه المنطقة.
ويعد الصيد الجائر لهذا الحيوان بهدف الحصول على عاجه وتهريبه إلى الخارج، من بين أبرز أسباب تراجع أعداد الفيلة.
ويقول الخبراء إنه في حال اختفت الفيلة بشكل نهائي، فإن الغابة المطيرة للكونغو، وهي الثانية بعد الأمازون في البرازيل، ستفقد ما يصل إلى 9% من قدرتها على امتصاص الكربون الموجود في الجو.
ويثير انقراض الفيلة هذه المخاوف، لأنها تمتص الكربون، كما تتغذى على أشجار ذات كثافة كربونية منخفضة، لأنها أكثر فائدة من الناحية الغذائية بالنسبة إليها.
aXA6IDMuMTQxLjI5LjE2MiA=
جزيرة ام اند امز