"لا يمكن الثقة بوعود أردوغان”.. هذه هي عبارة أحمد داود أوغلو رفيق درب أردوغان، شريكه السياسي، أحد أقطاب حزبه، مهندس فلسفة السياسة الخارجية التركية المعروف “بتصفير المشاكل”.
فكرة المراوغة، وفعل الشيء ونقيضه، والوعد الكلامي بشيء وفعل ما يخالفه هي جوهر سلوك الإنسان والسياسي رجب طيب أردوغان.
هذا السلوك هو تقييم نابع من سجل حافل بالوعود الكاذبة والتحالفات الموقتة، والسلوكيات التكتيكية المؤقتة التي لا يمكن الثقة بها أو الرهان عليها أو البناء على أساسها.
انظروا إلى سجل الرجل مع الألمان والروس والفرنسيين والإيرانيين والإسرائيليين والهولنديين واليونانيين والسعوديين والإماراتيين والأمريكيين!
لا يمكن أن تشتم ألمانيا وهي حاضنة لأكبر عدد من العمالة الخارجية التركية.
لا يمكن أن تشتري منظومة صواريخ روسية (اس-400) وأنت عضو في حلف الأطلسي وحاصل على طائرات “إف-35”.
لا يمكن أن تسيء للحكم السعودي والرياض من أكبر شركائك التجاريين في الخليج.
لا يمكن أن تحالف الروس وقواتك الجوية تسقط لهم مقاتلة نفاثة.
ويمكن أن تصادق فرنسا وقواتك البحرية تتحرّش بقطع بحرية فرنسية في شرق المتوسط.
ولا يمكن أن تسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي وأنت تتهم قادة خمس دول منه بالعنصرية أو الغباء السياسي أو النهج الاستعماري!
وفي الداخل كان أردوغان يتشدق بالديمقراطية التركية وهو يعتقل المعارضين ويقوم بإقصاء القضاة، وتكميم وسائل الإعلام، والفصل التعسفي للجنرالات ووضع مفاصل الدولة المالية والتجارية تحت اليد الفاسدة لأقاربه ورجاله.
من هنا يصبح من الصعب على العقل البشري أن يصدّق أنّ أردوغان قادر على التغيير الكامل من دور الانتهازي إلى دور السياسي الصادق ومن المؤمن بالتطرّف الديني إلى الرجل العلماني المسالم.
ومن هنا أيضاً يمكن أن تنقلب مواقف الرجل تجاه الخصوم والحلفاء.
صادق اليونان وروسيا وفرنسا وألمانيا وإسرائيل والإمارات والسعودية وانقلب عليها بقوة والآن يعود إلى لعب دور “الفتى الطيّب” محاولاً تبديل صورة “الفتى الشرير”.
ولكن لماذا ومتى ينقلب الرجل من حال إلى حال آخر مناقض تماماً؟
مفتاح الشخصية هو "المصلحة" البعيدة تماماً عن “المبدئية” في المواقف.
دائماً يرفع شعاراً مبدئياً بهدف التغطية السياسية على عمل انتهازي ابتزازي شرير.
هكذا يبرّر كل مواقفه تجاه أهم صراعات كان فيها الفتى الشرير مثل:
1- احتلال أراضٍ في العراق.
2- احتلال أراضٍ في سوريا.
3- بناء سد أثّر بشكل سلبي على الأراضي والماشية والبشر في الفرات.
4- التحرّش بحقوق اليونان البحرية.
5- التدخل العسكري السافر في ليبيا
6- نقل الإرهابيين السوريين إلى غرب ليبيا.
7- التطاول اللفظي على أكثر من 13 زعيم دولة.
8- تحويل مركز "أيا صوفيا" بإسطنبول إلى مسجد.
9- التطاول على الاتفاقات الدولية لحقوق المرأة.
هذا بعض من عشرات القرارات والسياسات.
هذه هي سياسة الرجل التي يتم تغليفها بمحتوى "ديني إسلامي محافظ".
هنا يظهر دور ياسين أقطاي نائب رئيس حزب أردوغان، والمقرّب شخصياً منه، الذي سيطر على فكر الرجل مقابل رؤى “المهندس” أحمد داود أوغلو.
بخروج أوغلو من معادلة الحكم، وانتقامه من الحزب انتصر تيار "الرؤية الإخوانية" على الرؤية البراغماتية.
أقطاي رجل مؤدلج متأثر بفكر الإخوان وبالذات بفلسفة التيار القطبي (نسبة إلى سيد قطب).
ولا يخفي أقطاي هذه الرؤية بل يلعب دور المنسق والمدافع عنها، وهو المسؤول الأول عن ملف الإخوان في تركيا وعلاقتهم بالحزب الحاكم.
ومنذ عامين أقام وأدار أقطاي ندوة في تركيا بمناسبة مرور 50 عاماً على إعدام سيد قطب.
استخدام الخطاب الإخواني جائز عند أردوغان بلا حساسية وهو قادر على الانتقال بين الخطابين مهما كانا في حالة تناقض كيفما تسير وكلما دعت الحاجة من دون تردد، ومن دون أي خجل أن يبدو متناقضاً أو انتهازياً.
الجميع في لعبة السياسة يمكن أن يتبدلوا بين الملائكة والشياطين حسب الطلب وعند الرغبة وفقاً للمصالح الضيقة للرجل.
هذا كله تمهيد لفهم حقيقة 3 أمور:
1- لماذا عادى أردوغان نظام 30 يونيو 2013 في مصر.
2- لماذا عاد – بقوة – يسعى لمصالحة النظام المصري ذاته بأي وسيلة دون حساسية أو خجل او اعتذار عن مواقفه السابقة؟
3- ولماذا عاد منذ أسبوع بحركة استدارة سياسية وأمنية حادة لينقلب على وعوده للمصريين؟
غداً بإذن الله الإجابة.
نقلا عن الشرق
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة