كل ذلك أسقط ورقة التوت تماما عن أردوغان، فهو من أعطى أوامره بإغلاق الحدود أمام النازحين من محافظة إدلب.
ليست المرة الأولى التي يخذل فيها أردوغان مواليه من المسلحين السوريين أو من الإرهابيين الأجانب الذين استقدمهم من أربع جهات الأرض ودربهم على أراضيه وزجَّهم في أتون المحرقة السورية؛ وليست المرة الأولى أيضاً التي يصم فيها زعيم العثمانيين الجدد أذنيه أمام استغاثات وصراخ مريديه من تنظيم الإخوان المسلمين وإرهابييه العابرين للحدود والقارات والجنسيات، بعد أن ضاقت عليهم البقعة الجغرافية التي استولوا عليها واغتصبوها ذات يوم من زمن الحرب السورية بتخطيطه وأمره في شمال سوريا وتحديدا في محافظة إدلب السورية.
كل ذلك أسقط ورقة التوت تماماً عن أردوغان، فهو من أعطى أوامره بإغلاق الحدود أمام النازحين من محافظة إدلب، ومنع السماح لأي شخص بالعبور أو حتى الاقتراب من الحدود، ليتركهم نهباً لاحتمالات الموت المحتم؛ إن لم يكن بفعل آلة الحرب فسيكون بسبب قسوة الظروف والمناخ والرعب.
القرائن والبراهين على خيانات هذا الشخص لمريديه من المسلحين والإرهابيين لا تزال ماثلة على الأرض السورية في مختلف المواقع لا يُستثنى منهم أحد بمن فيهم إرهابيو وفلول تنظيم القاعدة وتفريعاتها، السوريون منهم وغير السوريين.
نفهم أن السياسة فن وحنكة وبراعة ومهارة، ولكن ندرك بالمقابل أن الخيانة والغدر لا تنتمي ولا تصلح حتى في سوق المقايضات حين تكون على حساب أرواح البشر، فكيف والحال أن أردوغان رسم الأوهام أمام هؤلاء وزرع في نفوسهم أحلاماً وردية وقدّم عملياً الكثير من الدعم والمواقف لهم في سعيه لتثبيت الوهم في نفوسهم دون أن يعلموا أن أحقادهم التي أججها سيدهم شكلت غشاوة على قلوبهم وأعينهم، وحالت دون إدراكهم لما يراد بهم لحساب ومصالح هذا العثماني الجديد.
غدر أردوغان لا يتوقف عند بيعه لإرهابيين ومسلحين كانوا ذات يوم كنزاً بحوزته يقامر بهم على مختلف الصعد، مستثمراً حياتهم ووجودهم في معاركه العسكرية والسياسية في أكثر من منطقة سورية، فهذا النوع من "الغدر" يجرى تغليفه عادة بقناع من الأكاذيب والحجج الواهية، كالقول إن ظروفاً معينة مرتبطة بساحات قتال وتداخل الاشتباكات والمصالح من كل حدب وصوب فرضت ذلك، ويمكن النظر إلى تلك المعزوفة من هذه الزاوية بعد ترك أردوغان لهم يواجهون حتفهم التدريجي في محافظة إدلب، ليتضح من زاوية أخرى أن دورهم المرسوم قد تم تأديته من قبلهم، ووظيفتهم التي تم استدراجهم لتنفيذها قد انتهت، وطالما أنهم ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا رأس حربة في الميدان لمصلحة سيدهم فلا بد من خط نهاية لمضمار اللعب.
أقول؛ ميدان القتال له منطقة حين يتعدد اللاعبون المتناحرون وأدواتهم وتتقاطع المصالح، لكن حين يتعلق الأمر بأرواح الناس المدنيين ضحايا تلك الحسابات فإن كلمة خيانة لا تكون كافية للدلالة على هكذا سلوك، فالوضع المتدهور إنسانياً في إدلب ومحيطها بفعل المعارك وشراستها، زاده الحصار التركي الخانق للمدنيين الهاربين من جحيم القتال تدهوراً ومأساة حيث تقطعت السبل بمئات آلاف المدنيين الأبرياء من أطفال ونساء وكبار السن، كل ذلك أسقط ورقة التوت تماماً عن أردوغان، فهو من أعطى أوامره بإغلاق الحدود أمام النازحين من محافظة إدلب، ومنع السماح لأي شخص بالعبور أو حتى الاقتراب من الحدود، ليتركهم نهباً لاحتمالات الموت المحتم؛ إن لم يكن بفعل آلة الحرب فسيكون بسبب قسوة الظروف والمناخ والرعب والجوع والتشرد، وأمام هذه المأساة التي بذر أردوغان بذورها في تلك المنطقة أساساً، يلوذ هو ومريدوه من إرهابيي الإخوان المسلمين بصمت أشبه بصمت أهل القبور، بعد أن قامر وتاجر بأرواح أولئك الناس وجنى بدمائهم بعض المكاسب المتعلقة بنزعته العدوانية التوسعية، لكن مأساة المدنيين الهائمين على وجوههم بفعل سياسته وغدره تقدم الدليل على أن القيم الدينية والإنسانية التي يدعيها ويتباكى عليها ليست سوى عناوين براقة لذر الرماد في عيون العالم، والتعمية على نهجه الغادر الذي بدا سلوكاً متأصلاً في قرارة ذاته.
المتابع لمواقف رؤوس الإرهاب الإخواني في معظم أماكنهم ومواقعهم وهم يعاينون بيع أردوغان لإرهابييهم في إدلب يمكنه تلمس مسارين لمواقف أولئك؛ أحدهما يتمثل في المواربة والتدليس لسيده العثماني عبر محاولة خبيثة لوضع قدم هنا وأخرى هناك، فيقتصر موقفه المعلن إزاء غدر أردوغان لفلولهم في إدلب وغيرها من الأراضي السورية على إبداء التفهم لحجم "الضغوط والمصالح الدولية"، وهؤلاء لا يخرجون في حقيقة الأمر عن الإيديولوجية الإخوانية الانتهازية التي تشربوا منها أفكارهم ونسجوا رؤاهم وأحلامهم عليها وبوحيها، والقسم الثاني مسلوب الإرادة بوعي ذاتي وتصميم مسبق، فيبتلع لسانه ويتعامى عن الغدر الأردوغاني حفاظاً على الفتات الذي يقتات منه على موائد أردوغان وداعميه.
هل من دين أو حتى قيم إنسانية يمكن أن تستهتر بأرواح بشر عُزل !؟ أم أن مجرد نزعة عدوانية أو نزوة أمجاد طواها الزمن خالجت شخصاً مهووساً بالزعامة؛ كافية لارتكاب كل هذه الشرور ؟.. اتعظوا يا أولي الألباب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة