لم يكن عام 2019 عاما عاديا في تركيا، بل كان عاما لهزائم أردوغان في الداخل، عاما للهروب من هذا الهزائم إلى أوهام انتصارات في الخارج.
تدخل تركيا عام 2020 بطموحات استعمارية، هي الأكثر تعبيرا عن التوجهات السياسية لأردوغان الذي يتطلع إلى استعادة أمجاد أجداده العثمانيين، ولعل المسألة الأكثر وضوحا هنا، هي التجربة الليبية التي يريد أردوغان منها جعلها ولاية عثمانية جديدة من بوابة الإخوان (المسلمين)، وقد سبق الحلم الأردوغاني في ليبيا، تدخله السافر في سورية عبر جلب مرتزقة العالم إليها، وحربه الدموية ضد كرد سورية باسم حماية الأمن القومي التركي، وهو النهج نفسه الذي أخذه إلى الصومال والسودان البشير وقطر، وإقامة قواعد عسكرية في شمال العراق وإقليم كردستان، كل ذلك تحت وهم طموحاته جامحة.
لم يكن عام 2019 عاما عاديا في تركيا، بل كان عاما لهزائم أردوغان في الداخل، عاما للهروب من هذا الهزائم إلى أوهام انتصارات في الخارج، فهل سيكون عام 2020 عاما لنهاية الأردوغانية بعد أن تآكلت في الداخل وتحولت إلى خطر على العالم وأمنه ومصادر طاقته.
من دون شك، طموحات أردوغان الاستعمارية هذه، هي حصيلة أفكار وأيديولوجيات وممارسات سلطوية، كبرت معه خلال الأعوام القليلة الماضية، ووضعته في مواجهة مع العالم في نهاية عام 2019، فعلاقات بلاده مع الحليفة التاريخية الولايات المتحدة الأمريكية هي في أسوأ مراحلها، بسبب صفقة المنظومة الدفاعية إس – 400، وإخراج تركيا من صفقة الطائرات إف - 35 والغزو التركي لشمال شرق سورية، وأخيرا تهديد تركيا بإغلاق قاعدتي إنجرليك وكواريجيك أمام القوات الأمريكية والحلف الأطلسي، كما أن خلافات بلاده مع مصر والسعودية والإمارات في ازدياد بسبب دعم أردوغان للجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الأخوان (المسلمين) التي باتت تعمل كذراع للإرهاب الأردوغاني في العالم العربي، كما أن علاقات تركيا باتت زئبقية مع كل من إيران والعراق، وهي علاقة تخضع للبراغماتية والازدواجية معا، في حين علاقات بلاده مع أوروبا باتت تعاني من غياب الثقة وتراكم المشكلات، ولاسيما في ظل تهديد أردوغان الدائم بإغراق أوروبا باللاجئين، وإذا ما أتيح له فرض شروطه في البحر الأبيض المتوسط، فإنه سيزيد من ابتزازه لأوروبا وأمنها، وعليه، خلافاته مع الاتحاد الأوروبي مرشحة للتفاقم في المرحلة المقبلة، ولعل هذا ما دفع بالمؤسسات الأوروبية إلى تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي بعد أن انتظرت تركيا لنحو نصف قرن على أبواب هذه العضوية، كما أن علاقات تركيا مع اليونان على شفير الحرب بسبب الصراع في بحري إيجه والمتوسط، ولاسيما في ظل الاعتداء التركي على السيادة اليونانية في جزيرة كريت حيث يتطلع أردوغان إلى السيطرة على مصادر الطاقة في المتوسط على وقع اتفاقه مع السراج، بينما العلاقات التركية–الروسية دخلت في مرحلة اختبار قصوى بسبب أزمتي إدلب السورية وطرابلس الليبية.
السبب الأول لمشكلات تركيا مع العالم يعود إلى أن أردوغان يتصرف مع العالم كسلطان عثماني يريد استعادة أمجاد إمبراطورية أجداده البائدة، وخلف هذا الشعار الأيديولوجي يريد الهيمنة على الجوار الجغرافي، ووضع يده على مصادر الطاقة في المتوسط، ليمارس مزيدا من الابتزاز ضد دول العالم، أوهام أردوغان هذه ترسم له عالم تركي زاهي في دماغه، وهي أوهام رسمه بنفسه دون أي مقومات قانونية وعقلية وإنسانية من جهة، فعقله يفكر كأي دكتاتور لا يوازن الحقائق المتعلقة بسيادة الدول والقوانين الدولية وكرامات الشعوب وحقوقها، يستفيد من التساهل الروسي-الأمريكي معه على قاعدة مصالح الدولتين مع تركيا وموقعها في الصراع بينهما أولا، وتوريطه في مستنقعات صعبة لاستنزاف تركيا ثانيا.
هكذا يتصرف أردوغان، هاربا من مشكلاته الداخلية، وتأكل مصداقيته في الداخل بعد هزيمة حزبه في الإنتخابات البلدية، وفقدانه للعاصمة أنقرة وإسطنبول وخسارته الدائمة لأزمير معقل العلمانيين ولديار بكر–آمد عاصمة كرد تركيا، حيث لم تنفع كل إجراءاته القمعية من تحويل تركيا إلى أكبر سجن في العالم بشهادة تقارير منظمات إنسانية وحقوقية دولية، وزج خصومه السياسيين في السجون باسم مكافحة الإرهاب، وهو الذي تحول إلى أكبر داعم لكل الإرهابيين في المنطقة، الأردوغانية هذه تآكلت إلى درجة أن أبناءها من أمثال أحمد داود أوغلو وعلي باباجان وعبدالله غل وغيرهم كثيرين أصبحوا في الموقع المضاد لها، وفوق ذلك تحوم فوقه وعائلته شبهات فساد دائمة بعد أن أصبحت العائلة والمقربون منه يتحكمون بمفاصل المال والأعمال في البلاد.
لم يكن عام 2019 عاما عاديا في تركيا، بل كان عاما لهزائم أردوغان في الداخل، عاما للهروب من هذا الهزائم إلى أوهام انتصارات في الخارج، فهل سيكون عام 2020 عاما لنهاية الأردوغانية بعد أن تآكلت في الداخل وتحولت إلى خطر على العالم وأمنه ومصادر طاقته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة