لعلها القمة الأخيرة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين قبل حسم ملف مدينة إدلب في الشمال السوري.
لعلّها القمة الأخيرة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين قبل حسم ملف مدينة إدلب في الشمال السوري، فاللقاء يأتي في إطار تنسيق الجهود نحو حل يرضي الطرفين ويجنب المدينة حرباً ستكلف كثيراً على الصعيد البشري والمادي كذلك ناهيك عن موجات النزوح التي ستتسبب بها المعارك، والوجهة بالتأكيد ستكون تركيا وهذا ما لن تستطيع تحمله الأخيرة بسبب العدد الكبير من السورييين الموجودين (نحو ثلاثة ملايين سوري) على أراضيها منذ بدء الأزمة قبل نحو سبع نوات ونيف.
لاشئ واضح حتى هذه اللحظة فيما إذا كان الجانب التركي بالفعل قادراً على إقناع الروس بتأجيل المعركة من عدمه ولكنّ ثمة ثلاثة أمور قد تحول دون وقوع ما تحذر منه جميع الأطراف بما فيها الأمم المتحدة التي حذرت من أنّ إدلب ستكون أكبر كارثة في القرن الواحد والعشرين إنْ لم يتمّ التسريع بإيجاد حل لملفها.
قمة سوتشي التي ستعقد يوم السابع عشر من سبتمر أيلول الجاري بين أردوغان وبوتين قد تحمل بشرى لمدنيي إدلب قبل غيرهم بأن ما يُحضر لهم عسكرياً بات بعيداً مقابل تعهد أنقرة لموسكو بسرعة إيجاد حلحلة لملف العناصر المتطرفة داخل المدينة
الأمر الأول هو الحراك الأوروبي المتواصل تجاه ملف إدلب، وهذا لم يأتِ فقط للحفاظ على أرواح المدنيين في المدينة فحسب، فالقارة العجوز تتخوف كثيراً من موجة نزوح ستكون تبعاتها كبيرة على اقتصادات دولها، لذلك نجد أنّ مفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني تكثف من حراكها الدبلوماسي في هذا الشأن، فهي حذرت عقب لقائها المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا من مغبة الهجوم على إدلب.
لاشكّ أنّ موسكو الباحثة عن شريك في إعادة إعمار سوريا ستأخذ بعين الاعتبار تحذير وحراك الاتحاد الأوروبي المستمر في هذا الشأن، والذي سيعقد لقاءً حول سوريا على هامش جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في 26 سبتمبر/أيلول الجاري.
الأمر الثاني يتمثل في عدم رغبة موسكو خسارة الجانب التركي وشنّ عملية عسكرية ستضع أنقرة في موقف محرج لن يخولها القدرة مستقبلاً على التأثير في قرار المعارضة المسلحة، وهذا غير مفيد بالنسبة للجانب الروسي الذي يحتاج إلى طرف دولي يبقى على اتصال بالعناصر السورية المسلحة لإقناعها الانخراط في الحل السياسي الذي يخخط له الروس في سوريا، وهذا ما نجحت به تركيا سابقاً من خلال فرض الكثير من الرؤى والقرارات على المعارضة (لاحظ قرار المعارضة في عدم المشاركة بسوتشي وعودتها عن ذلك عقب تدخل تركيا) لذلك خسارة الجانب التركي بالنسبة للروس لا يمكن تعويضها في ظل غياب الثقة من قبل المعارضة المسلحة بأي طرف باستثناء أنقرة.
الأمر الثالث يكمن في الحراك السلمي الأخير والتظاهرات الكبيرة التي عمّت أرجاء المحافظة ورفع علم حراك 2011، وفي ذلك إشارة واضحة على أنّ المدينة وإن كانت "جبهة النصرة" تسيطر عليها، ولكنّها محمية من قبل المدنيين الذين رفعوا شعارات فيها رسائل كثيرة للنصرة وقائدها بأنّهم تحت حماية المدنيين وليس العكس، وهذا يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية كبيرة ويبعد فرضية موسكو ودمشق وطهران بأن جلّ مَنْ في المدينة تابع للنصرة.
لذلك نستطيع القول إنّ قمة سوتشي التي ستعقد يوم السابع عشر من سبتمر/أيلول الجاري بين أردوغان وبوتين، قد تحمل بشرى لمدنيّي إدلب قبل غيرهم بأنّ ما يُحضر لهم عسكرياً بات بعيداً مقابل تعهد أنقرة لموسكو بسرعة إيجاد حلحلة لملف العناصر المتطرفة داخل المدينة، وهذا ستكون مهمته لرجال المخابرات التركية العارفة بهذه التنظيمات عن قرب، واستثمار التململ بين صفوف المدنيين نتيجة تصرفات المتطرفين للانقضاض عليهم وتخليص إدلب من سطوتهم وتأهيل من يبقى في المدينة للقبول بما يتفق عليه الجانبان التركي والروسي، فيما يخصّ مستقبل سوريا عموماً ومدينة إدلب على وجه الخصوص (لاحظ الحشود العسكرية التركية باتجاه المدينة).
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة